كتاب النهار 28-02-2025 | 06:34

صندوق فرجة لفرجة غير مسلية

حكومة أحزاب مقنّعة، والأدق حكومة طوائف. الأحزاب في لبنان ليست سوى طوائف أو بعض طوائف. التسميات ليست سوى أقنعة شفافة. الحقيقة هي أن التسميات الفعلية مختلفة تماماً.
صندوق فرجة لفرجة غير مسلية
رئيس البرلمان وأمامه الحكومة ورئيسها
Smaller Bigger



لم يحدث أن سقطت حكومة في لبنان في جلسة نيل الثقة أمام ممثلي الشعب في مجلس النواب، الحكومات تدخل إلى تحت قبة البرلمان حاصلة على الثقة مسبقاً بفضل تركيبتها القائمة على التسويات والصفقات والضغوط. صحيح أن الحكومة الحالية لم تضم عناصر حزبية، أو هكذا قيل، لكنها حزبية بامتياز. حضرت الأحزاب فيها مقنعة تحت عناوين العلم والخبرة والكفاءة والنزاهة، وهي لم تولد إلا بعدما نالت رضا كل الأحزاب الموالية. حتى إنها كغيرها من حكومات الاستقلال اللبناني باشرت عملها قبل نيل الثقة الظاهرية، فتسلم الوزراء مكاتبهم ومهماتهم منذ اليوم التالي لالتقاط الصورة التذكارية التقليدية لها في قصر بعبدا يتوسطها أركان الدولة الثلاثة رؤساء الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء الذين هم الحكام الفعليون للبلاد في ثلاثية قامت بعد اتفاق الطائف وعرفت في عهد الرئيس الياس الهراوي بـ"الترويكا".
حكومة أحزاب مقنّعة، والأدق حكومة طوائف. الأحزاب في لبنان ليست سوى طوائف أو بعض طوائف. التسميات ليست سوى أقنعة شفافة. الحقيقة هي أن التسميات الفعلية مختلفة تماماً. يعرف اللبنانيون جميعاً، ويعرف العرب والعالم أن التسميات الحقيقية للأحزاب اللبنانية هي كالتالي: "حزب الله الشيعي"، "حركة أمل الشيعية"، "القوات المسيحية اللبنانية"، "التيار المسيحي الحر"، "الحزب الدرزي التقدمي الاشتراكي"، "حزب الكتائب المسيحية"، "تيار المستقبل السني"، وهكذا دواليك... حتى التشكيلات السياسية والنيابية غير الحزبية المشاركة في الحكومة هي تشكيلات طائفية ومذهبية أو مناطقية ذات وجه طائفي ومذهبي.
المهم أن الحكومة نالت ثقة كبيرة وانصرفت إلى عملها الذي لن يكون سهلاً على الإطلاق، لكن على هامش هذه الثقة فرض على اللبنانيين أن يعيشوا يومين طويلين جداً ومملين.
يتفرد لبنان بشفافيته الإعلامية في محيطه العربي، هذه الشفافية التي تزيد عن حدها أحياناً، ومن هذه الأحيان ماراثونات مناقشة البيان الوزاري المنقولة مباشرة على الشاشات المحلية التي تتحول إلى سوق عكاظ خطابي يتبارى فيه النواب مبرزين مواهبهم الكلامية. نواب يكتشفهم الجمهور الواسع، ربما، للمرة الأولى، يتحدثون في أي شيء، إلا مناقشة البيان الوزاري المخصصة الجلسات النيابية له، يبدأون بالتحولات الدولية وأزمات الإقليم والحروب وتداعياتها وصولاً إلى مطالب مناطقهم. كلهم إنمائيون وإصلاحيون وعلمانيون حتى، ملائكة في بدلات أنيقة يلقون كلاماً مثالياً، لكنهم أيضاً يخانقون بعضهم بعضاً. 
تتحول الشاشات في المنازل والمكاتب إلى صندوق فرجة، لكن بلا متابعة ولا استماع، لا يهتم المشاهد بما يقوله النواب، إلّا في ما ندر، يستمع لمن كان من حزبه أو عصبه الطائفي والمذهبي. يعرف الجميع في لبنان أن كلام النواب هو فقط للفت النظر وتأكيد الوجود، الوجود الغائب عن المهمة الحقيقية للنائب وهي التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها. 
يبدو السؤال هنا منطقياً، لماذا تنقل جلسات طرح الثقة بالحكومة نقلاً مباشراً؟ ثم ألا يكفي اللبنانيين ما عانوه خلال سنوات طويلة من الطبقة الساسية نفسها التي تكرر عبر نوابها في هذا "العكاظ" الخطابات نفسها والكلام المنمق عن العيش المشترك والوحدة الوطنية والتلاقي والدفاع عن الوطن والعلاقات الأخوية والحضن العربي و...
ما عرضته شاشات التلفزيون اللبنانية خلال يومين سميا يومي مناقشة البيان الوزاري لا يمت بصلة إلى المناقشة الحقيقية للبيان الذي لم يقرأه عدد كبير من النواب، على الأرجح، قليل منهم يحب القراءة، يفضلون الثقافة الشفوية. يتابعون التلفزيون ولا يقرأون الكتاب والجريدة. حضروا خطاباتهم بناء على معطيات أخرى، فالفرصة لا تتكرر لاقتحام كل البيوت من دون إذن أهلها الذين سيديرون أجهزتهم وتركها تحدّث الحيطان.
انتهت المبارزة بالتصويت على الثقة بالحكومة من دون أي مفاجآت. وتعرف اللبنانيون إلى نواب لم يكونوا يعرفون أنهم نواب أصلاً. لم تحدث الخطابات أي فرق، فكلها مكررة ومن صفحات الأرشيف. كانت فرجة غير مسلية.
 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".