خرائط جديدة للجغرافيا!

كتاب النهار 18-02-2025 | 13:48

خرائط جديدة للجغرافيا!

جاء ترامب ليعلن ما لم يستطع نتنياهو البوح به، بل ربما يفوق أصلاً ما كان يحلم به رئيس الحكومة الإسرائيلية.
خرائط جديدة للجغرافيا!
غزة التي يريد ترامب استملاكها وتهجير شعبها (أ ف ب)
Smaller Bigger

 
يبدو أن واضعي مناهج التعليم في مادة الجغرافيا سيتعين عليهم، إذا جرى تنفيذ الأفكار التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تغيير الخرائط الخاصة بالعالم، وخصوصاً خرائط منطقة الشرق الأوسط التي درجوا على تدريس تفاصيلها لطلابهم على مدى سنوات طويلة، فالتغيير الذي يرغب فيه ترامب يحدث بعضه الآن والحدود تتغير وبعد فترة وجيزة ستتقلص مساحات دول وستتوسع أخرى، ليس لظروف النزاعات أو الحروب أو الخلافات الحدودية التي يظل حلها ممكناً، ولكن لأن ما وعد به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تحقق جزء منه  وبتوافق، أو قل بتواطؤ دولي وعجز عربي وصمت شعبي.

لكنّ التغيير الاستراتيجي في الشرق الأوسط طرحه الرئيس الأميركي  كاستثمار للحظة الراهنة لشرق أوسط جديد يهيمن فيه نتنياهو، الذي أعلن في الأمم المتحدة أن العدو الأساسي لإسرائيل هو إيران مستغلاً المواقف العربية الغاضبة من التدخلات الإيرانية في الدول العربية، فبدأ قصقصة أجنحتها وأذرعها ونجح ويواصل، ليترك الجسد الإيراني بعدها عاجزاً عن التأثير، وظهر للعالم أنه  يمتطي مشروعين: إسرائيل الكبرى المهيمنة على دائرة كبيرة في الشرق الأوسط، المتحكمة في الموارد والإمكانات، ومشروع آخر جغرافي تهجيري ترحيلي للفلسطينيين في غزة والضفة يسعى مع اليمين المتشدد إلى تحقيقه، وجاء ترامب ليعلن ما لم يستطع نتنياهو البوح به، بل ربما يفوق أصلاً ما كان يحلم به رئيس الحكومة الإسرائيلية. أعاد ترامب تسويق نظريات تاريخية تتعلق بإمكان ترحيل الفلسطينيين إلى دول عربية باعتبارهم عرباً ولا مجال للتمسك بالأرض، وتجاوز موضوع تغيير الواقع الاستراتيجي لدى إسرائيل، الذي قام على أساس خوض حروب على جبهات متعددة لنزع الأسلحة الثقيلة من الدول والمجتمعات المحيطة بها، تماماً بالمنطق نفسه الذي جرى في حكاية أسلحة الدمار الشامل في العراق، مع السيطرة على الحدود بين الدول المحيطة وخصوصاً قطع الجغرافيا اللبنانية عن السورية.

قبل "طوفان الأقصى" كانت نسبة مؤيدي إقامة دولة فلسطينية كبيرة وبعدها صارت أقل من خمسة في المئة، والمجتمع الإسرائيلي الآن لا يقبل سماع هذا الأمر، لم يعد الموضوع مطروحاً على الطاولة، كما أن قضية المنظمات لدى إسرائيل أصبحت محسومة ولن تضفى عليها في المستقبل أي شرعية وجودية كما كان حادثاً، واستراتيجية إسرائيل الآن تقوم على القضاء عليها، ولم تفض الجهود الدولية الرسمية والشعبية أو ردود الفعل العربية إلى كبح جماح إسرائيل، ليس فقط لأن واشنطن في عهد بايدن لم تكن تتماهى مع بعض أهداف نتنياهو، لكن أيضاً لأنها لم تملك الأوراق الكافية للضغط عليه، وكذلك لم تكن راغبة في صدام معه، فأتى ترامب ليجمع كل الأوراق ويضعها أمام نتنياهو ليختار منها ما يمكنه من دعم موقفه الداخلي، وفي الوقت نفسه يؤمن له مستقبله السياسي ومعه كل المتطرفين الإسرائيليين.

عموماً ستظل المخاوف قائمة من تغيرات في جغرافيا العالم العربي في عهد ترامب، فتجربة "حماس" في حكم غزة لا تختلف عن تجارب أخرى في العالم العربي وإن اختلف الزمان والمكان والسياقات، والغرب ينجح دائماً في استثمار أخطاء الحكام وكوارثهم إلى أن يسقطهم بأيدي شعوبهم، لكنه لا يكترث بعدها بالبناء والتأسيس وتحقيق أحلام الشعوب في الحرية والديموقراطية والعدالة والرفاهية، ويترك الشعوب تتناحر وتفتت ما تبقى من الدولة لتعود الشعوب لتندم وتحن إلى الدولة التي ذهبت مع ريح الأحلام بعدما تتحول إلى كوابيس.

صحيح أن  القلق من سياسات ترامب لم يقتصر على دول عربية، فالرجل الذي رفع شعار "أميركا أولاً" دخل في صدامات مع دول أخرى، بينها دول غربية متحالفة مع بلاده، لأسباب مختلفة غالبيتها تتعلق بأمور الاقتصاد والمنافسات التجارية، لكن العلاقات بين الدول والصراعات بينها أيضاً تخضع لحسابات المصالح، وتدار بالضغوط أحياناً، وبالتوافق في أحيان أخرى، وبين الضغوط والتوافق هناك اللقاءات والمحادثات والمفاوضات والرسائل والوسطاء والعصا والجزرة، للوصول إلى قواسم مشتركة وتفادي تحوّل المنافسات والصراعات والخلافات إلى صدامات وعداءات وحروب، وعلى ذلك فإن شظايا ترامب التي قد تصيب بعض أصدقاء أميركا القدامى، أو حتى أعداءها، ستتأثر حتماً بالطرق التي ستسلكها كل دولة سيتعامل معها، والأوراق التي يملكها كل طرف ليتفادى أن تطاله أضرار اندفاعات الرجل أو جرأته أو حدته أو أفكاره اليمينية، وهذا ما يجب على العرب أن يفهموه ليختاروا السبل التي تكفل لهم تفادي المتاعب والأخطار والضغوط والخيارات الصعبة التي تهدد الجغرافيا العربية لأربع سنوات مقبلة. 


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا