
صورة تعبيرية
تقتحم مديرة المدرسة فصلنا مقاطعة شرح المعلمة، فالموضوع كان شديد الأهمية، ولا يحتمل التأجيل والإهمال. "غداً هو 14شباط/ فبراير"، تذكّرنا، و"يا ويلها، يا سواد ليلها" مَن تتحايل على الفسحة المتاحة في الزيّ الموحّد، فترتدي أيّ لون أحمر. "الاحتفال بعيد الحب بدعة، والبدعة محرّمة شرعاً"، تخبرنا. "ثم إننا كمسلمين ليس لدينا سوى عيدين"، تضيف، وكأننا حديثات عهد بالدين.
ورغم التهديد والوعيد بخصم درجات الطالبة المخالفة، فقد كنّا نأتي جميعاً في اليوم التالي وقد ابتدعنا طرقاً عجيبة "للاحتفال"، فهذه تضع ربطة شعر حمراء، وتلك تكلّل رأسها بطوق بلاستيكيّ أحمر، والأخرى يشعّ أسفل مريولها جورب أحمر، وبعضهن ارتدين الساعات الحمراء، وأقراط الآذان الحمراء، والإكسسوارات المشابهة. والفدائية الانتحارية بيننا من تخرق الحظر الأزلي على صبغ الأظافر، فتصبغهن بالأحمر، موقنة بأن مصيرها سيكون الأشنع والأقسى.
لم نكن سوى طفلات في المرحلة الثانوية. لم تخض أغلبنا تجارب في الحبّ بحكم خلفياتنا المحافظة، ولم نعشق، ولم نعرف عن العلاقات سوى ما تعرضه أفلام جينيفر آنيستون، وتروّجه أغاني تامر حسني، ولم نختبر الاحتفال بعشاء رومانسي على ضوء الشموع، ولم تكن لدينا "قضية عاطفية" أساساً تستحقّ تعرّضنا لصراخ المديرة. ولو عاد بي الزمن، لنزعت الإسوارة الحمراء بصراحة، و"كبّرت عقلي".
فما الذي كان يستنفرنا للاحتفال، وتحمّل العواقب؟
إن عيد الحب -بشكله الحالي، على الأقل- مناسبة رأسمالية من العيار الثقيل، فلم يشتهر إلا بفضل تحسّن تقنيات الطباعة في القرن الـ19، وبدء إنتاج إسثير هاولاند، وهي فنانة من ماساشوسيتس، بطاقات المعايدة بكميات كبيرة. لقد بات في زماننا عيداً لبيع المجوهرات والعطور، ولا تترقّبه سوى مخابز "الغاتوه"، وتطبيقات توصيل الورود.
لم يعد ثمّة ما يشجّع حقاً على الاكتراث لعيد الحب وتقديره، بل إن شرائح متزايدة من الأشخاص، خصوصاً في الغرب، أصبحت تتفاداه إذ ترى فيه مرادفاً للاستغلال والاستهلاكية، ربما لأنّ تحديد يوم للحب أصلاً يجعل التعبير عنه أقرب تلقائياً إلى الافتعال والتكلّف. ولهذا أجزم شخصياً بأن عيد الحبّ ماضٍ للاندثار عالمياً، وفقدان شعبيته.
ولكننا نفخنا فيه بعض الروح حينما جرّمناه وحاربناه، فتشدّدت ضدّه المدارس والجامعات والأندية، وندّدت به المقالات، وأُعدّت عنه البرامج، وهتفت ضده المنابر، وكثيراً ما أُلّفت عنه الأكاذيب والمواعظ الملفقة، كما استهدفته السلطات، مثل منع الجمارك الإيرانية استيراد منتجاته، وطاردته شرطة الأخلاق والمحتسبون، مثلما حدث في إندونيسيا وماليزيا والسعودية سابقاً، ونوقش في البرلمانات، كمجلس الأمّة الكويتي.
لقد دفعنا الناس دفعاً نحو مناسبة مبتذلة، رخيصة، انتهازية، تفضّي جيوبهم، وتخدعهم بالمظاهر، لأننا صيّرنا الاحتفال بعيد الحب عملاً "ثورياً" مصغراً -تماماً مثل إسوارتي الحمراء في المدرسة-، يعكس "الانفتاح" والتحرر، ويرفض التحكم والوصاية. بغبائنا، جعلنا اليوم الرأسمالي تسجيلاً للمواقف الفكرية المزعومة، وجعلنا الحد الفاصل بين "الوسطيين" و"أعداء الحياة" هو "الدبدوب" الأحمر القبيح.
برافو علينا...
ورغم التهديد والوعيد بخصم درجات الطالبة المخالفة، فقد كنّا نأتي جميعاً في اليوم التالي وقد ابتدعنا طرقاً عجيبة "للاحتفال"، فهذه تضع ربطة شعر حمراء، وتلك تكلّل رأسها بطوق بلاستيكيّ أحمر، والأخرى يشعّ أسفل مريولها جورب أحمر، وبعضهن ارتدين الساعات الحمراء، وأقراط الآذان الحمراء، والإكسسوارات المشابهة. والفدائية الانتحارية بيننا من تخرق الحظر الأزلي على صبغ الأظافر، فتصبغهن بالأحمر، موقنة بأن مصيرها سيكون الأشنع والأقسى.
لم نكن سوى طفلات في المرحلة الثانوية. لم تخض أغلبنا تجارب في الحبّ بحكم خلفياتنا المحافظة، ولم نعشق، ولم نعرف عن العلاقات سوى ما تعرضه أفلام جينيفر آنيستون، وتروّجه أغاني تامر حسني، ولم نختبر الاحتفال بعشاء رومانسي على ضوء الشموع، ولم تكن لدينا "قضية عاطفية" أساساً تستحقّ تعرّضنا لصراخ المديرة. ولو عاد بي الزمن، لنزعت الإسوارة الحمراء بصراحة، و"كبّرت عقلي".
فما الذي كان يستنفرنا للاحتفال، وتحمّل العواقب؟
إن عيد الحب -بشكله الحالي، على الأقل- مناسبة رأسمالية من العيار الثقيل، فلم يشتهر إلا بفضل تحسّن تقنيات الطباعة في القرن الـ19، وبدء إنتاج إسثير هاولاند، وهي فنانة من ماساشوسيتس، بطاقات المعايدة بكميات كبيرة. لقد بات في زماننا عيداً لبيع المجوهرات والعطور، ولا تترقّبه سوى مخابز "الغاتوه"، وتطبيقات توصيل الورود.
لم يعد ثمّة ما يشجّع حقاً على الاكتراث لعيد الحب وتقديره، بل إن شرائح متزايدة من الأشخاص، خصوصاً في الغرب، أصبحت تتفاداه إذ ترى فيه مرادفاً للاستغلال والاستهلاكية، ربما لأنّ تحديد يوم للحب أصلاً يجعل التعبير عنه أقرب تلقائياً إلى الافتعال والتكلّف. ولهذا أجزم شخصياً بأن عيد الحبّ ماضٍ للاندثار عالمياً، وفقدان شعبيته.
ولكننا نفخنا فيه بعض الروح حينما جرّمناه وحاربناه، فتشدّدت ضدّه المدارس والجامعات والأندية، وندّدت به المقالات، وأُعدّت عنه البرامج، وهتفت ضده المنابر، وكثيراً ما أُلّفت عنه الأكاذيب والمواعظ الملفقة، كما استهدفته السلطات، مثل منع الجمارك الإيرانية استيراد منتجاته، وطاردته شرطة الأخلاق والمحتسبون، مثلما حدث في إندونيسيا وماليزيا والسعودية سابقاً، ونوقش في البرلمانات، كمجلس الأمّة الكويتي.
لقد دفعنا الناس دفعاً نحو مناسبة مبتذلة، رخيصة، انتهازية، تفضّي جيوبهم، وتخدعهم بالمظاهر، لأننا صيّرنا الاحتفال بعيد الحب عملاً "ثورياً" مصغراً -تماماً مثل إسوارتي الحمراء في المدرسة-، يعكس "الانفتاح" والتحرر، ويرفض التحكم والوصاية. بغبائنا، جعلنا اليوم الرأسمالي تسجيلاً للمواقف الفكرية المزعومة، وجعلنا الحد الفاصل بين "الوسطيين" و"أعداء الحياة" هو "الدبدوب" الأحمر القبيح.
برافو علينا...
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
10/13/2025 6:21:00 AM
هذه أسباب الانقسام والخلاف في صفوف الحرس الوطني.
لبنان
10/12/2025 6:47:00 PM
تُظهر الصور المتداولة تكدّس الغيوم الماطرة فوق المرتفعات، في وقتٍ يشهد فيه الطقس تقلّبات خريفية واضحة.
لبنان
10/13/2025 4:37:00 PM
توقيف شركة “مياه تنورين” مؤقتاً عن تعبئة مياه الشرب وسحب منتجاتها