عين ميخائيل نعيمة تكادُ أن تدمع في ذكرى ميلاده الـ 135

آراء 22-10-2025 | 04:10

عين ميخائيل نعيمة تكادُ أن تدمع في ذكرى ميلاده الـ 135

حسناً فعلت أبنة ميخائيل نعيمة الروحية سهى حداد نعيمة في جمع كتبه ومخطوطاته ومقتنياته وهداياه في منزله؛ فعندما تشاهدها تشعر كأنك قرأت الكتاب الواحد والأربعين الذي لم يكتبه نعيمة بخط يدهِ. وحسناً فعلت وزارة الثقافة بالاعتراف بهذا المنزل كمتحفٍ من المتاحف الوطنية.
عين ميخائيل نعيمة تكادُ أن تدمع في ذكرى ميلاده الـ 135
ميخائيل نعيمه ولد سنة 1889 وتوفي سنة 1988
Smaller Bigger

في احتفالية انطلياس بذكرى ميلاده الـ135، بدت صورة ميخائيل نعيمة على شاشة المسرح حزينة. المناسبة كبيرة والحاضرون من المسؤولين قلائل، يبدو أن الغالبية منشغلة باستشراف المستقبل، ولم يُدركوا بعد أن مستقبلهم مضى، واستهلكته السنين، وإذا هم لم يعيروا اهتماماً حفظ تاريخ العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء الكبار الذين أغنوا الثقافة اللبنانية والعربية والعالمية، فكيف للأجيال القادمة أن تحفظ أثر مجهوداتهم، إن وجدت؟

حضرت المناسبة التي دعت إليها جمعية ميخائيل نعيمة "ميماسونا" في 17 تشرين الأول/ أكتوبر كوكبة من المثقفين والأدباء والمهتمين، والمتحدثين اللبقين والمبدعين نساءً ورجالاً، ولم يحضر أي من الوزراء والنواب. حتى وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة انتدب المدير العام اللبِق الدكتور علي الصمد لتمثيله، فسمعتُ على سلامة نميمةً كثيفةً، وانتقاداً جارحاً بالكلمات لا بالسيوف، ونحن الذين نحبه ونعرف مكانته، تفهمنا غضب هؤلاء، حيث قاعدة المعرفة ترتكز على أعمدة العارفين، وأكثرهم ثقافةً... أكثرهم حضوراً وعملاً، وعملية إنعاش الذاكرة تحتاج للطبيب المُتخصص، ولا تستقيم المعالجة عن بُعد أحياناً. رغم كلِ شيء، فالأمل بالأصالة اللبنانية والعربية موجودٌ وموعود، والرجاءُ عنقودٌ مبشرٌ ومعقود، ورائحة الخيال تطوفُ بين أروقة كنيسة مار إلياس الكبرى، وتجوب الفضاء فوق المتسمّرين سماعاً أمام المتحدثين.

 

الفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمه
الفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمه

 

يا له من لبنان؛ يستريح من يجب أن يعمل أحياناً، ويعمل المستريحون من هموم التسابق نحو السلطة ولو كانوا من غير المسؤولين.

يا له من لبنان؛ فهو رسالةٌ بالفعل "وقطعة سما" انجذبت إليه عقولٌ وأدمغة ومواهب كثيرة، ولكنه بدَّد غالبية ثمارها في بور البساتين، ولم يستثمر مفاعيلها على الوجه الصحيح، وفي كل الميادين.

قال أحدهم؛ كيف للبنان وحده أن يجذب كل هؤلاء العباقرة أمثال ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وكمال جنبلاط وشبلي الشميل وحسين مروة وشارل مالك وغيرهم الكثير، بينما فكر هؤلاء وفلسفتهم فضاء واسع يمتد على مساحة اليابسة. أغنوا الثقافة العربية ومدّوا الفكر العربي فوق بساط الإنسانية، وأوصلوا بلد الأرز إلى ما أراد له الأنبياء والرُسل، وبعض اللبنانيين لا يعرف عنهم شيئاً، إلا ما ورد في قصائد رددتها سيدة الغناء العذب والموجه فيروز، وبألحانٍ رحبانية ناطقةٍ فصيحة.

رأيت صورة ميخائيل نعيمة على مسرح أنطلياس الكبير كأنها تبكي، وهي تقول: يبدو أن رسالتي لم تصل بعد. والغالبية لم تهتدِ إلى الطريق، وما زال الناس عند بعض هؤلاء مثل الآلاتٍ والحوائج، ولم يُدركوا الفهم الروحاني المُقدس، حيث لطيف الإنسان بداية بلا نهاية، يدور حول ذاتها في جوار الرب بأدوارٍ وحلقات مربوطةٍ بخيطٍ ايمانيٍ رفيع، لا تراه إلا العينان المبصرتان، بينما كثيفه قميص يتبدَّل تحكمهُ الحركة، وينتهي عندما تتوقف. وتؤكد لك الصورة: أن نحولة الوجه والجسد، لا تؤثر على رفعة العقل وسمو البصيرة.

من لم يقرأ "مرداد" ميخائيل نعيمة؛ فوَّت عليه فرصة الاقتراب أكثر إلى الحق، بل إلى الله، ذلك أن المرتفع الذي بنى فيه مرداد ديره، هو مختبر روحي. وشخصية مرداد الافتراضية ذاتها، هي تجسيد لرمزية الحكمةِ التي تقتات من رشح المعرفة الروحانية.

ومَن لم يقرأ "سبعون" ميخائيل نعيمة، يستحق سبعون جلدة توبيخ، وقد انتقص من حسابه عند الربِ سبعيناً، وقد يموت بعد عمرٍ طويل موتةً جاهلية، لا يعرف عن الفلسفة شيئاً، او أنه لا يعرف عنها الكثير.

تأخذك صور منزل نعيمة ومقتنياته في المطيلب إلى عالمٍ تكاد أن تنساه، ففيه هدايا أصحابه ومعارفه من أهل الفكر والقلم، كأنها قصائد شعرية وملاحم روائية لم تهتدِ إليها الأقلام، وصوره مع جبران خليل جبران ومع كمال جنبلاط ومع القديسين تُبهرك بمعانيها، وتتمنى لو لم ينقلب عنها المشهد، فهي بلحظات تغنيك عن سماع ألف خطاب.

حسناً فعلت أبنته الروحية سهى حداد نعيمة بجمع كتبه ومخطوطاته ومقتنياته وهداياه في منزله، فعندما تشاهدها تشعر كأنك قرأت الكتاب الواحد والأربعين الذي لم يكتبه نعيمة بخط يدهِ. وحسناً فعلت وزارة الثقافة بالاعتراف بهذا المنزل كمتحفٍ من المتاحف الوطنية.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/21/2025 6:00:00 AM
الحرب انتهت، لكنها جولة ضمن الصراع الأكبر، وعدم إيجاد حلول للصراع سيعني عودة الحرب!
المشرق-العربي 10/20/2025 10:41:00 PM
 سرية تُعرف باسم "إمبراطورية مصاصي الدماء" قتلت الطفلة هند رجب 
المشرق-العربي 10/21/2025 12:47:00 PM
في خطوة من شأنها إعادة تشكيل القطاع المصرفي المتضرر في البلاد.
تحقيقات 10/21/2025 2:10:00 PM
ما هي أبرز التحديات التي تواجه عمليات البحث عن الجثث والمفقودين في غزة؟