قمة بوتين وترامب في المجر... بداية لتسوية الحرب الأوكرانية أم مجرد خطوة سياسية لتعزيز النفوذ الروسي؟

د. خالد العزي*
من المتوقع أن يشهد العالم حدثاً سياسياً كبيراً في المستقبل القريب، وهو لقاء مرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العاصمة المجرية بودابست.
وفي حين يترقب المجتمع الدولي نتائج هذه القمة، فإن هناك الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت هذه القمة بداية لتسوية سياسية تنهي الحرب الأوكرانية، أم ستكون مجرد فرصة لبوتين لاستغلال الموقف لصالحه، مع تجنب تسوية حقيقية تضمن السلام في المنطقة؟
المجر: نقطة محورية في القمة
في الوقت الذي تساءل فيه كثيرون عن أسباب اختيار المجر كموقع لهذه القمة، تشير بعض المصادر إلى أن هذا الاختيار لم يكن محض صدفة. فالمجر، تحت قيادة رئيس وزرائها فيكتور أوربان، سلكت مساراً خاصاً في السياسة الأوروبية، حيث كانت دائماً في معارضة للمواقف الموحدة للاتحاد الأوروبي بشأن روسيا.
موقف أوربان السياسي الموالي إلى حد ما لموسكو دفعه إلى اتخاذ قرارات مخالفة لبقية الدول الأوروبية، خاصة في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. علاوة على ذلك، فإن وجود المجر كدولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يجعل من التفاوض على أراضيها مسألة رمزية حساسة، خصوصاً في ظل قلق دول الاتحاد الأوروبي من أن يتم اتخاذ أي اتفاق دون التنسيق مع المؤسسات الأوروبية.
من جانب آخر، قد تعتبر المجر بالنسبة إلى بوتين مكاناً مناسباً لتجنب الضغوط التي قد يتعرض لها إذا عقدت القمة في عاصمة من العواصم الغربية التقليدية مثل برلين أو باريس. فالمجر، بخلاف تلك العواصم، تقدم بيئة سياسية أقلّ تعقيداً، وقد تسمح لبوتين بالحوار بحرية مع ترامب من دون الضغوط التي قد يفرضها باقي القادة الأوروبيين. هذه الفروق في السياسة الداخلية والخارجية تجعل من بودابست مكاناً ذا طابع سياسي خاص، يحمل رسائل متعددة في ما يتعلق بالتوجهات الأوروبية والعلاقات مع روسيا.
الاتحاد الأوروبي في مأزق
من جانب آخر، يعتبر الاتحاد الأوروبي أن هذا اللقاء قد يكون "كابوساً سياسياً" بالنسبة له، بحسب تقرير لصحيفة "إل باييس" الإسبانية. يُنظر إلى القمة في المجر على أنها خطوة قد تهدّد وحدة الموقف الأوروبي في مواجهة روسيا. فالبحث في حلّ النزاع الأوكراني في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ودون مشاركة مباشرة من الاتحاد نفسه، يمكن أن يُعدّ بمثابة إهانة وتجاوز لدور الاتحاد في المسألة.
إذا كانت القمة ستتطرق إلى إنهاء الحرب الأوكرانية أو حتى التوصل إلى اتفاق لتقاسم النفوذ بين الأطراف المتنازعة، فإن ذلك قد يكون بمثابة صفقة لا تلائم مصالح أوروبا بشكل كامل. وما قد يزيد من تعقيد الموقف هو العلاقة الخاصة بين ترامب وروسيا، التي لطالما كانت موضوعاً مثيراً للجدل أثناء رئاسته للولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تثير هذه القمة المزيد من التساؤلات حول نواياه في التعامل مع الأزمة.
ما الذي يمكن أن تسفر عنه القمة؟
من غير الواضح حتى الآن ما الذي ستفضي إليه القمة المرتقبة بين بوتين وترامب. هل سيكون الاتفاق بينهما حول إنهاء الحرب في أوكرانيا؟ وإذا كان كذلك، فهل سيكون هذا الاتفاق على حساب أوروبا؟
من المتوقع أن يسعى بوتين في هذه القمة إلى تحقيق مصالحه الخاصة، سواء من خلال استغلال الوضع السياسي أو من خلال محاولة فك الحصار الذي فرضته عليه العقوبات الدولية، كما حدث في قمة ألاسكا بين الولايات المتحدة وروسيا في السابق.
إضافة إلى ذلك، يمكن لبوتين أن يحاول تقديم اتفاقات موقتة أو "مخادعة" لترامب، بهدف إقناعه بالتصرف بشكل يخفف من الضغط الدولي عليه. لكنه من جهة أخرى، قد يكون لترامب طموح في العودة إلى الساحة السياسية العالمية مع اتفاق يُظهره كـ "صانع سلام"، مما قد يكون له تأثير كبير في الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة.
تساؤلات وآمال
في النهاية، يبقى أن ننتظر لنرى ما الذي ستسفر عنه القمة في بودابست، وإن كانت ستسهم في نهاية الحرب الأوكرانية، أم ستكون مجرد خطوة تكتيكية لبوتين لتعزيز وضعه السياسي؛ وذلك سيتضح في الوقت المناسب. لكن الأكيد أن هذه القمة ستكون نقطة تحول في العلاقات الدولية، وقد تفتح الباب لتسوية سياسية جديدة، أو تزيد الوضع تعقيداً وتدفع بمزيد من التوترات. ما يزال السؤال قائماً: هل ستكون هذه القمة بداية لتسوية حقيقية أم أنها ستكون مجرد مناورة روسية للتهرب من مسؤوليات السلام؟
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.