نحو نظام إقليمي جديد: قراءة إيرانية في الاتفاق الأمني بين الرياض وإسلام آباد

آراء 19-10-2025 | 10:36

نحو نظام إقليمي جديد: قراءة إيرانية في الاتفاق الأمني بين الرياض وإسلام آباد

أكد جميع الاستراتيجيين الأميركيين في السنوات الأخيرة أن على أميركا أن تركز جهودها الأساسية في مواجهة الصين وروسيا وأوروبا، ولذلك ينبغي تقليل انشغالها بالشرق الأوسط.
نحو نظام إقليمي جديد: قراءة إيرانية في الاتفاق الأمني بين الرياض وإسلام آباد
ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني
Smaller Bigger

سيد محمد حسيني(*)
نظراً إلى الظروف الدولية والإقليمية والأزمات الأمنية والاقتصادية المتزايدة التي تواجه إيران، فإن للاتفاق الأمني بين باكستان والسعودية أهمية وفائدة بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والسبب في ما يأتي:

من منظور السياسة الدولية:
الاستقرار في الشرق الأوسط هو مطلب مباشر للولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والصين. وقد أكد جميع الاستراتيجيين الأميركيين في السنوات الأخيرة أن على أميركا أن تركز جهودها الأساسية في مواجهة الصين وروسيا وأوروبا، ولذلك ينبغي تقليل انشغالها بالشرق الأوسط، والدخول في منافسة مع الصين وروسيا في ظل شرق أوسط مستقر.
وتصريحات ترامب المتكررة بأن "الهجوم على إيران ضمن لنا الاستقرار في الشرق الأوسط" تأتي في هذا السياق، بمعنى أن "الرئيس الأميركي يعمل على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط تمهيداً للانتقال إلى المهمة الأساسية لأميركا".
بناءً على ذلك، فإن الاتفاق الأمني بين باكستان والسعودية، لما يجلبه من استقرار، سيحظى بدعم القوى الكبرى شرقاً وغرباً.

من منظور السياسة الإقليمية:
يُعدّ هذا الاتفاق عامل استقرار. فهناك شبه إجماع بين النخب السياسية على أن ميزان القوى في الشرق الأوسط بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر قد تغيّر لمصلحة إسرائيل وضد إيران والسعودية وتركيا. واليوم، تخشى كلٌّ من تركيا والسعودية نزعة الهيمنة الإسرائيلية، ومن ثم فإن هذا الاتفاق الأمني بين باكستان والسعودية يمكن أن يساهم في إعادة بعض التوازن ضد إسرائيل.

 

رئيس الوزراء الباكستاني متحدثاً في مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض.(أف ب)
رئيس الوزراء الباكستاني متحدثاً في مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض.(أف ب)

 

 

 

من منظور الأمن الإقليمي:
كلما ازدادت الاتفاقات الأمنية بين دول المنطقة، قلّت تبعية تلك الدول الأمنية للقوى الأجنبية، وتعزّز النظام الإقليمي الداخلي المستقل. وهذا الاتفاق قد يشكّل النواة المركزية لتأسيس “ناتو شرق أوسطي” في المستقبل.
كما أن تفعيل دور باكستان في الشرق الأوسط يزيد من أوراقها السياسية في مواجهة الهند، وبالتالي قد يساهم هذا الاتفاق في تحقيق الاستقرار الأمني في شبه القارة الهندية، لأن تعدد اللاعبين في النزاع الباكستاني–الهندي يحدّ من احتمال التصعيد العسكري.


من منظور السياسة الخارجية السعودية:
يأتي هذا الاتفاق ضمن سياسة تنويع العلاقات السعودية، والانفتاح على الشرق، وتقليل الاعتماد الأمني على الولايات المتحدة. وتتبع السعودية في هذا الاتفاق نموذج “الأمن في مقابل الاقتصاد”، إذ تقدم الى باكستان امتيازات ومساعدات اقتصادية وفرص عمل إضافية، في مقابل الاستفادة من المظلة النووية الباكستانية.
وتسعى السعودية من خلال هذا الاتفاق إلى تعزيز قدرتها التفاوضية حيال إسرائيل (في حال انضمامها المحتمل إلى الاتفاق الإبراهيمي)، وكذلك حيال تركيا وإيران.
إن الهجوم الإسرائيلي على قطر وعجز الولايات المتحدة عن الردّ كان من أكبر المكاسب لإيران، إذ عزز مكانتها لدى الدول العربية وأضعف الثقة   بواشنطن. لذلك، لا ينبغي تفسير دافع الدول الإقليمية -ومنها السعودية- نحو عقد مثل هذه الاتفاقات الأمنية على أنه بالضرورة موجه ضد إيران.
 فمن المرجح أنه بعد السعودية، ستتبعها بقية دول مجلس التعاون الخليجي في هذا النموذج، سواء بالانضمام إلى الاتفاق نفسه أم بعقد اتفاقات أمنية منفصلة مع دول أخرى (مثل احتمال اتفاق أمني بين الإمارات والهند).
الاتفاق عقبة أمام استهداف القوات الأميركية. الخطر الوحيد المحتمل على إيران من هذا الاتفاق هو في حال اندلاع حرب مستقبلية بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران، إذ قد تواجه إيران حينها قيوداً في استهداف القواعد الأميركية داخل السعودية.
لكن لا ينبغي لإيران أن تشعر بالتهديد من جانب باكستان، فالعوامل الجيوسياسية والروابط الجغرافية والثقافية، كلها تعمل دائماً في اتجاه تحسين العلاقات بين البلدين، وستظل كذلك في المستقبل.
المحصلة: ينبغي لإيران أن ترحب بهذا الاتفاق، وأن تعتبر انتشار هذا النوع من الاتفاقات الأمنية خطوة نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي وتقوية النزعة الإقليمية الذاتية. وإذا توافرت الفرصة لانضمام إيران إلى مثل هذا الاتفاق، فعليها أن تعلن موافقتها واستعدادها للمشاركة فيه.

* مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/23/2025 5:18:00 PM
المدوّن الإسرائيلي: يجب أن أريكم كيف تبدو سوريا في عام 2025
سياسة 10/23/2025 8:30:00 PM
اعتداء إسرائيلي جديد على جنوب لبنان...
اقتصاد وأعمال 10/22/2025 3:51:00 PM
لا يمكن اعتبار هذا التراجع "انهيارًا" أو حتى "تصحيحًا"، نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير. لا تزال المعادن تحقق أرباحًا جيدة هذا العام، حتى بعد التراجعات الأخيرة
لبنان 10/23/2025 12:59:00 PM
غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف منطقة البقاع