قال زعيم المعارضة سيتيني راندرياناسولونيايكو في مدغشقر ومسؤولون آخرون، الإثنين 14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إن رئيس البلاد أندريه راجولينا فرّ إلى الخارج، وذلك إثر احتجاجات "جيل زد" الشبابية ضد الحكومة، الذين طالبوا بتحسين الخدمات العامة ومكافحة الفساد في العاصمة تناناريف.

ليست العاصمة الوحيدة التي يحتجّ فيها "جيل زد" على السلطة الحاكمة في البلاد، إذ أعلن "جيل زد 212" في المغرب إنه سيستأنف تظاهراته في المملكة للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم وإطلاق سراح "معتقلي الرأي"، وذلك بعد أن كان قد قرر تعليقها.

هو "جيل زد"، ويشير المصطلح إلى الأفراد المولودين ما بين منتصف تسعينيات القرن الـ20 وبداية العقد الثاني من القرن 21. ووفقاً لمراكز الأبحاث، فإن هذا الجيل يتميز باستخدام واسع للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح التواصل الفوري والوجود الرقمي جزءاً لا يتجزأ من تكوينه الاجتماعي والثقافي.

من احتجاجات الشباب في المغرب (أ ف ب)

إذن هو الجيل المتعصرن، حيث أصبحت سرعة نشره للمعلومة تشكل تهديداً واضحاً في زعزعة استقرار السلطة القائمة. لهذا بات لديه القدرة أولاً على فرض واقع تغيير الأداء للسلطة القائمة، وثانياً على إسقاطها إن لم تلتزم بتعهداتها في تغيير النهج واستبداله. ويرى البعض أن هذا الجيل أصبح يشكل سلطة لا تقل أهمية عن السلطات الأخرى لأنه يمتلك المعلومة، ويستطيع نشرها، والتأثير عبرها لخلق الاحتجاجات ورفع سقف المطالب الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

في الوقت الذي يتحرك "جيل زد" في أكثر من عاصمة لتحسين ظروف الحياة، شهدت العاصمة اللبنانية، بيروت، في 12 أكتوبر الجاري حدثاً استثنائياً، تمثّل بأكبر تجمع كشفي يسجل في التاريخ الحديث، نظمته جمعية كشافة الإمام المهدي تحت عنوان "أجيال السيد" في الذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله والـ 40 لتأسيس الجمعية.

لم يكن الحدث مجرّد ذكرى، بقدر ما حمل الكثير من المضامين، ومزيداً من الرسائل إلى الداخل كما إلى الخارج، على اعتبار أن التجمع الذي تخطى بالأرقام التجمعات الكشفية، حمل تأكيداً على نهج نصرالله، الذي لم يكن يقتصر على الإطار العسكري أو السياسي، بل كان يمثل ثقافة حياة بنيت عبر عملية تراكمية مستمرة بدأت منذ أربعة عقود.

أجيال السيد تؤكد أن الجيل هذا ينهج خيار المقاومة، ويتمسك بالسلاح، وأن المعلومة التي يمتلكها في العالم الرقمي تنتشر لتؤكد استمرارية ما كان عليه جيل السيد. هذا يرفع من حدة النقاش الداخلي في لبنان، ويوتر علاقاته الخارجية في مسألة تسليم السلاح، إذ بات واضحاً لدى أجيال السيد أن التمسك بالسلاح هو نهج وخيار، وما قاله نائب "حزب الله" حسن فضل الله عن أن الحزب غير معني بموضوع "حصرية السلاح" يحاكي خياراتهم لا قرارات السلطة في لبنان التي تؤكد حصرية السلاح.

تنتمي أجيال السيد إلى "جيل زد" لجهة استخدام العالم الرقمي إلا أنها تختلف في طريقة الاحتجاج. فأجيال السيد اتبعت طريقاً آخر للاحتجاج الفوضوي لـ"جيل زد"، فكان التنظيم في المدينة الرياضية في بيروت، ورفع الشعارات والأعلام، وذكرى تأسيس الجمعية، عنواناً واضحاً مفاده أن هذا الجيل لم يزل على نهج جيل السيد، حيث كانت المقاومة في طور تأسيسها وتشكيلها. فأجيال السيد هم النواة التي سيبني عليها "حزب الله" إعادة ترميمه بعد تعرّضه لنكسة خلال الحرب الثالثة مع الإسرائيلي، وهذا ما يؤكد للدولة اللبنانية أن الذهاب في قرار الحكومة في 5 آب/ أغسطس الماضي، قرار صدامي.

يجتمع الجيلان على الاحتجاج على قرارات السلطة والتمرد عليها هنا وهناك، لكنّ النهج في تشكيل الاحتجاجات وطريقة الأداء مختلف، إذ إنه في حين يعارض جيل زد سياسات الحكومة ويطالب بالإصلاحات التي توفر له مستقبلاً مضموناً، معتبراً أن نهج تحركاتهم واحتجاجاتهم في المطالبة يختلف عن تلك التي اتبعها الجيل السابق، تتحرك أجيال السيد مستندة إلى نهج السيد حسن نصرالله، الذي كان خيار السلاح في مقاومة إسرائيل هو المحرك الرئيسي له، مدعوماً بتأكيد الولاء للجمهورية الإسلامية في إيران.

لقد استطاعت تحركات جيل زد زعزعة أركان السلطة في كل من المغرب ومدغشقر، فهل ستستطيع فعل ذلك أجيال السيد فتدفع بالحكومة اللبنانية إلى التراجع عن قراراتها، أم أن على لبنان يقف على عتبة حرب؟

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.