تايوان: أخطر نقطة صراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية

د. أيمن عمر
تحتلّ تايوان موقعاً محورياً في السياسة الدولية، إذ تحوّلت من جزيرة صغيرة إلى بؤرة صراع استراتيجي بين الصين والولايات المتحدة. هذا التنافس جعلها تُعرف بأنها "أخطر نقطة ساخنة" في النظام العالمي الراهن... ماذا بداية عن البعد الاقتصادي للصراع؟
1- مركز عالمي لصناعة التكنولوجيا
تحتلّ تايوان مكانة ريادية في الاقتصاد العالمي بفضل هيمنتها شبه المطلقة على صناعة أشباه الموصلات. فشركة TSMC، أكبر شركة لتصنيع الشرائح الإلكترونية في العالم، تستحوذ على ما يقارب 60% من الإنتاج العالمي، وأكثر من 90% من الشرائح المتقدمة (أقل من 7 نانومتر) المستخدمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، الحواسيب الفائقة، الهواتف الذكية، الطائرات، والصناعات العسكرية. تكمن أهمية هذo الهيمنة في أن معظم القوى الصناعية الكبرى – من الولايات المتحدة إلى أوروبا واليابان – تعتمد على استيراد هذه الشرائح من تايوان، ما يجعل أمن الإمدادات مرتبطاً باستقرار الجزيرة.
2- موقعها في التجارة العالمية
أي تصعيد عسكري أو حصار في المنطقة سيؤدي إلى تعطيل خطوط الإمداد الحيوية، وارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، وتأثير مباشر على الاقتصاد العالمي. كما يشكل المضيق عنصراً استراتيجياً لضمان استقرار سلاسل التوريد في الصناعات الحساسة، مثل الإلكترونيات والسيارات والطاقة المتجددة، ما يعكس أهمية تايوان ليس فقط كمنتج للتكنولوجيا، بل كمحور أساسي في التجارة العالمية.
3- تأثيرها على الاقتصاد العالمي
يرتبط الاقتصاد العالمي اليوم بشكل مباشر باستقرار تايوان. فوفقاً لتقديرات مجموعة بلومبيرغ عام 2022، فإن اندلاع حرب شاملة حول الجزيرة قد يؤدي إلى خسائر تتجاوز 10 تريليونات دولار من الناتج العالمي، أي ما يعادل تقريباً ربع الناتج المحلي الأميركي.
آفاق الصراع على تايوان
تشير التقديرات الأكاديمية والاستراتيجية إلى أن مستقبل الصراع حول تايوان يعتمد على مجموعة من العوامل السياسية، الاقتصادية، والعسكرية. أولًا، هناك احتمالان رئيسيان: إما استمرار الوضع الراهن مع تعزيز التوازنات الأمنية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها، أو تصعيد عسكري محدود أو شامل يؤدي إلى إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية. من الجانب الاقتصادي، أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى تعطيل الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات، وارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، ما يفرض تكاليف هائلة على الاقتصاد العالمي. كما يمكن أن يعيد الصراع تشكيل سلاسل التوريد الدولية، ويحفّز القوى الكبرى على بناء بدائل محلية للمواد الحيوية.

من الناحية العسكرية والجيوسياسية، تعتمد آفاق الصراع على مدى استعداد الصين للقيام بتحرك عسكري، وردع الولايات المتحدة لشريك استراتيجي ضعيف نسبياً مثل تايوان. قد يؤدي أي تصعيد إلى تحويل المنطقة إلى مسرح لتنافس القوى العظمى، بما في ذلك تعزيز القدرات العسكرية البحرية والجوية، وتوسيع الوجود الأميركي في المحيط الهادئ، وربما نشوء تحالفات جديدة بين دول آسيوية لموازنة النفوذ الصيني.
أما من زاوية التحولات الدولية، فقد يشهد القرن الحادي والعشرون مرحلة من إعادة ترتيب النظام العالمي، حيث يمكن أن يصبح الصراع على تايوان اختباراً حاسماً لمدى قدرة الصين على فرض نفوذها الإقليمي، مقابل تصميم الولايات المتحدة وحلفائها على الحفاظ على النظام الدولي القائم وتوازن القوى في آسيا.
باختصار، آفاق الصراع على تايوان تتراوح بين الاستقرار النسبي عبر سياسة الاحتواء والتوازن، أو تصعيد خطير يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي والتحالفات العسكرية، ما يجعل هذه القضية مفتاحاً استراتيجياً لفهم مستقبل الأمن والاقتصاد العالمي في العقود المقبلة.
يتجاوز الصراع على تايوان كونه خلافاً محلياً بين بكين وتايبيه، ليعكس صراعاً على طبيعة النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين. فالصين ترى في استعادة الجزيرة خطوة محورية نحو تكريس مكانتها كقوة عظمى، بينما تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على منعها من السيطرة على عقدة استراتيجية في قلب الاقتصاد العالمي. ومن ثم تبقى تايوان، رغم صغر حجمها، نقطة ارتكاز قد تحدد مستقبل التوازنات الدولية بين نظام متعدد الأقطاب وصعود صيني متنامٍ، أو استمرار النفوذ الغربي في قيادة مسارات التجارة والتكنولوجيا العالمية.
*أكاديمي وباحث اقتصادي
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية