هل "البطة القبيحة" قادرة على إنقاذ لبنان؟

قال رئيس الوزراء الفرنسي خلال جلسة حجب الثقة إن "مستقبل فرنسا على المحك بسبب ديونها المفرطة، والبلاد تزداد فقراً كل عام"، مضيفاً "بإمكانكم إطاحة الحكومة، لكن لا يمكنكم محو واقع الرزوح تحت عبء الدين".
على وقع هذه الكلمات اهتزت شوارع فرنسا، وامتلأت ساحاتها بالمحتجين على الموازنة التقشفية لعام 2026، حيث تصاعدت وتيرة الاحتجاجات، والاعتقالات التي تخطت 670 مواطناً فرنسياً بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
اعتبر الاقتصادي في شركة الاستشارات "إسكفورد إيكونوميكس"، ليو بارينكو، أن فرنسا تحولت فجأة من ركيزة استقرار داخل الاتحاد الأوروبي إلى ما يشبه "البطة القبيحة" في الأسواق المالية؛ إذ أثار سقوط حكومة فرنسوا بايرو موجة قلق واسعة في العواصم الأوروبية من أن تتحوّل الأزمنة المالية في باريس إلى عدوى اقتصادية تضرب استقرار منطقة اليورو.
في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا غضب الشارع، جال موفدها الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، وكشف للمسؤولين عن أهداف زيارته التي تحمل ضمن أجندتها ضمانات ودعماً رئيسياً للاستقرار اللبناني، معتبراً أن باريس "تتحرك هذه المرة في اتجاه مزدوج: من جهة الإيفاء بتعهداتها تجاه الجيش عبر مؤتمرين مرتقبين في باريس، أحدهما مخصّص لدعم المؤسسة العسكرية، والآخر لإعادة إعمار لبنان. ومن جهة ثانية، ربط هذا الدعم مباشرةً بمدى التزام لبنان بحصرية السلاح".
لا نقاش حول النيّات الفرنسية تجاه لبنان، فهناك علاقة تاريخية تحمل الكثير من "النوستالجيا" التي تعززت بعد حقبة الانتداب، ولكن أيضاً هناك مصالح فرنسية واضحة في لبنان، بغض النظر عن النوايا والمصالح، ولكن السؤال الذي يُطرح: هل فعلاً قادرة باريس على الإيفاء بوعودها في ظلّ الأزمات التي تلاحقها اقتصادياً، ونتيجة الرفض الإسرائيلي الأميركي المعطل لمبادراتها؟
يعمل الأميركي بوضوح، خارج إطار التنسيق مع الفرنسي، وإن ذهبنا أبعد في القراءة نجد أن الأميركي، بإيعاز إسرائيلي، لن يعوّم ماكرون في أي قضية خارجية، ولا سيما بعد تفاخر الأخير بما خرج به مؤتمر نيويورك من إعلان قيام الدولتين بموافقة 120 دولة، بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية حول الاعتراف بدولة فلسطينية. هذا الرفض ظهر مع قرار تل أبيب بعدم الترحيب بزيارة كان ينوي ماكرون القيام بها لإسرائيل، فالرجل غير مرحّب به، وقد يكون العمل بدأ من أجل إسقاطه شعبوياً بعدما سحب مجلس النواب الفرنسي الثقة عن حكومته؛ إذ لأول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، تسقط حكومة في تصويت على الثقة، هذا ما يعطي احتمالات واضحة على تدخل أميركي-إسرائيلي من بوابة الموازنة والأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
سلوك "البطة القبيحة" وتهديده لمنطقة اليورو، ليس وليد الصدفة بل استمرارية لسلوك الفشل، بعد خروجها من أفريقيا، ولما قد تصل جهودها التي بذلتها في لبنان إلى طريق مسدود. لقد اعتبرت فرنسا أنّ لبنان هو الطريق الأقرب لربط مصالحها في الشرق الأوسط، وسط منطقة تشهد على الكثير من التجاذبات الدولية بعدما انحسر (إلى حدّ ما) النفوذ الإيراني فيها نتيجة الضربات التي تلقتها أذرعها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023.
برز الحضور الفرنسي القويّ في لبنان، بعد جريمة انفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس 2020، عندما حضر الرئيس الفرنسي في 6 منه إلى لبنان واجتمع مع الأطراف اللبنانية كافة بما فيها "حزب الله" في قصر الصنوبر في بيروت. هناك رسم إيمانويل ماكرون خريطة الطريق الجديدة لبلاده تجاه بلاد الأرز، وعمل على تمتين الدور للشركات الفرنسية التي استثمرت في إعادة بناء المرفأ، عبر شركة "CMA CGM"، أو الشركة العاملة في مجال التنقيب واستخراج النفط والغاز "توتال إنرجي"، إضافة إلى شركات لا تقلّ أهمية في مجالات مختلفة منها التربوية.
لم يخف الخلاف الفرنسي الأميركي في لبنان، حيث برز في الحرب الإسرائيلية الـ66 يوماً التي عارضت بعدها تل أبيب أن تضم اللجنة مفوّضاً عسكرياً فرنسياً على اعتبار أن الأخيرة مقربة إلى "حزب الله". ودخلت واشنطن بجدلية نقاشية مع باريس في شأن التمديد لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، حيث انتهت على الطريقة الأميركية بتمديد سنة وأربعة أشهر لها غير قابلة للتجديد.
تلتقي الأهداف الفرنسية مع تلك التي عمل عليها الوفد الأميركي برئاسة توم باراك ومورغان أورتاغوس، على دعم الحكومة في شأن حصرية السلاح، إذ في الوقت الذي شدد فيه لودريان بعد زيارته العاصمة السعودية، الرياض، على ربط نجاح دعم لبنان ومؤسسته العسكرية بتنفيذ عملاني لقرار الحكومة الصادر في 5 و7 آب/ أغسطس الماضي بحصرية السلاح، كان للأميركي رأي مخالف في هذا الشأن، تمثّل في موافقة البنتاغون في 10 أيلول/ سبتمبر الجاري، على تمرير مساعدات عسكرية للجيش، بقيمة 14.2 مليون دولار قبل تنفيذه قرار حصرية السلاح، ما يعني أن هناك تنافساً فرنسياً أميركياً على دعم لبنان.
لا خيار أمام "البطة القبيحة" إلا العمل على تحسين حضورها في لبنان على اعتبار أنها لم تزل تمثل الشريك الموثوق في المحافل الدولية، لكنّ هذا الحضور لن يكون إلا بالعمل ضمن الشراكة مع الولايات المتحدة من أجل ضمان مهمتها. لكن السؤال الذي يُطرح: هل واشنطن ستعمل على تعويم فرنسا بالمجان؟
- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.