
النائب محمد رعد.
"الموت ولا تسليم السلاح"، قالها لنا محمد رعد على التلفزيون، وجرى توثيقها سمعياً وبصرياً. أصدّق محمد رعد ولا أعتقد أنه يبالغ ويعظّم الأمور، بدافع التخويف أو المقايضة السياسية.
أصدّق محمد رعد وأعضاء حزبه، أن الموت أسهل من تسليم السلاح. كررتها مراراً وعذراً على التكرار، السلاح لا يقتل خصمه بل حامله أيضاً، اذ انه يحل محله. فكيف إذا كان السلاح سلاح "حزب الله" المرفوع فوق الرؤوس على علَم الحزب متوِّجا آية قرآنية "وإن "حزب الله" هم الغالبون". فهل نتصور ان يكونوا غالبين بدون سلاح وأن يكون "حزب الله" بدون إضافة "وهم الغالبون"؟ اذا سُلّم السلاح مات صاحبه معنوياً قبل أن يموت جسدياً.
الثابت الوحيد في هذا السلاح هو هويته الدينية. فهو سلاح متحوّر غيّر لباسه مرات عديدة.
بدأ كسلاح للحرس الثوري الايراني هدفه تصدير الثورة الاسلامية إلى لبنان. وسرعان ما اصطدم بسلاح حركة أمل وبسلاح "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"، فتحوّل إلى سلاح "المقاومة"، الاسلامية تحديداً. لكنه لم يستقر على حال. فبعد تحرير الجنوب، لم يشأ ان ينهي مهمته، فاخترع هو وحليفه النظام السوري قضية "احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا".
لكنه لم يحارب من أجل تحريرها بل تسبّب بحرب شاملة مع إسرائيل سنة ٢٠٠٦ بعد أن خطف جنديين إسرائيليين، وبحرب أخرى سنة ٢٠٢٤ إسناداً لغزة.
لا لم يضيّع وقته بين ٢٠٠٦ و٢٠٢٤، فقد قرّر ارتداء لباس الحرب الأهلية، في "غزوة بيروت" سنة ٢٠٠٨، وفي سوريا بعد سنة ٢٠١١.
لم يعد اللبنانيون يميّزون بعد ذلك، بين هويته كمقاومة لإسرائيل أو تلك كميليشيا شيعية منخرطة في الصراعات المذهبية. وقد كان للسلاح كلمته الحاسمة في لجم انتفاضة ١٧ تشرين، وفي التسبب بانفجار المرفأ وفي تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية تحت شعار "نريد رئيساً لا يطعن المقاومة بالظهر".
لا نعرف أي لباس يلبس السلاح اليوم وهو يرفض تسليم نفسه للدولة. الحجة الكلامية الظاهرة للرفض هو ضرورة الاستمرار في مقاومة اسرائيل، لكن هتافات المتظاهرين على الدراجات تقول إن القضية هي "شيعة شيعة شيعة"، فضلاً عن ان حضور الأعلام الايرانية وغياب الأعلام اللبنانية في تأبين شهداء "الحزب" يوحيان وكأن المعركة القائمة هي بين إيران واسرائيل، ولا علاقة للبنان فيها.
هذه المراجعة التاريخية السريعة، تبرز وجهين للسلاح: انه في حركة دائمة داخلياً وخارجياً، وكأنه اذا هدأ يموت؛ وهو من ناحية ثانية متحوّر باستمرار، لكن هذا لا يعني أن لا هوية له، بقدر ما يدلّ على أن هويته الأصيلة هي انه "سلاح"، ولا حاجة له بصفات أخرى إلا بهدف الانخراط بالحروب التي لا يحيا إلا من خلالها.
لهذا السلاح مميزات أخرى. قررت الحكومة التي تمثل "الشعب" دستورياً، أي الركن الأول في ثلاثية حزب الله "الشعب والجيش والمقاومة"، تكليف "الجيش"، أي الركن الثاني في الثلاثية، حصر السلاح بيد الدولة من خلال نزع السلاح من "المقاومة" وهي الركن الثالث في الثلاثية.
ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" تحوّلت إلى ثلاثية "الشعب والجيش والدولة". حزب الله رفض هذا التحوّل وأصدر بياناً اعتبر فيه قرار الحكومة حول حصرية السلاح "كأنه غير موجود".
"الشعب" في ثلاثية ""حزب الله" هو بحسب الدستور الحكومة التي تحظى بثقة المجلس النيابي، وهذا المجلس هو نفسه بتركيبته وأشخاصه في الثلاثيتين. و"الجيش" هو نفسه أيضاً بعناصره وقطاعاته وأسلحته، لا بل أن قائده السابق هو رئيس الجمهورية الحالي الذي ترأس اجتماع الحكومة التي وضعت مهلة زمنية لتسليم السلاح، وتجري برمجة إجراءاته من قبل الجيش نفسه. وغني عن القول ان "حزب الله" ممَثَّل في الحكومة وفي المجلس النيابي، وللشيعة وزن فاعل داخل الجيش قيادةً وعناصراً. فلماذا يتنكر "حزب الله" للركنين الأول والثاني في ثلاثيته الذهبية؟"
هذان الركنان قرّرا الاستغناء عن الركن الثالث اي "المقاومة" لصالح الدولة، فقامت قيامة "حزب الله". مبدئياً الركن الثالث هو مكمّل للركنين الأولين، بحسب الترتيب الذي وضعه "حزب الله" بنفسه، وهما الركيزتان الدستوريتان المفترضتان اللتان يستمد منهما شرعيته. الا اذا كان "حزب الله" يشبّه لبنان بإيران حيث الشعب والجيش يستمدان شرعيتهما من الحرس الثوري الايراني.
المسألة أبعد من ذلك. "حزب الله" اعتبر قرار الحكومة "خطيئة كبرى" وليس خطأً كبيراً، والتعبير المستخدم ديني وليس مدنياً كما هو مفترض عند الحديث عن قرار حكومة مدنية. محمد رعد صرّح في الاتجاه نفسه ان "جدوى بقاء السلاح ان تبقى مواطنا شريفا". مواطن يحمل السلاح، وليس شريفاً إن لم يحمل السلاح؟ النائب في البرلمان اللبناني يقلب مفهوم المواطنية في دولة القانون، رأساً على عقب.
كيف يمكن في هذا السياق، افهام "حزب الله" ان قرار الحكومة جاء تطبيقاً للطائف وللـ١٧٠١ وللبيان الوزاري ولخطاب القسم، ولاتفاق وقف إطلاق النار مع اسرائيل، وجميعها وافق عليها "حزب الله"؟
كيف يمكن إقناع "حزب الله" ان حصرية السلاح بيد الدولة هو شرط أول لوجودها، كما ان سلاح "حزب الله" أصبح عاجزاً عن الدفاع عن نفسه وعن لبنان، وبات بقاؤه بيده يشكل تهديداً وجودياً لبيئته وللبنان بسبب العدوانية الإسرائيلية التي لا حدود لها، والمدعومة بشكل مطلق من الولايات المتحدة الاميركية؟ وإنه لم يبقَ أمام الدولة للأسف، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الاشبه بإذعان "حزب الله" للمشيئة الاسرائيلية، الا ان تتعهد بالدفاع عن لبنان بقواها الذاتية والعمل على تحريره من الاحتلال الاسرائيلي بكافة الوسائل المتاحة، وبدعم من كافة مواطنيها.
لا امكانية للتفاهم مع "حزب الله"، اذا حُصِر النقاش بموضوع السلاح ولم يتعداه الى معضلة تبنيه لدولة القانون- الدستور كإطار سياسي يعمل فيه، واستطراداً الى مسألة تركيبة الدولة التي يأمن لها الشيعة، نظراً لاستهدافهم دون غيرهم من قبل اسرائيل، إضافة لخطرٍ يستشرفونه من جهة الحدود السورية. وقد يكون حل مشكلة السلاح أسهل في إطار صيغة يُتفق عليها حول تركيبة الدولة تعطي اهمية قصوى لللامركزية الموسّعة.
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال
10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان
10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان
10/7/2025 1:21:00 PM
النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت