
ويبدو مما سبق أن هناك منعطفاً حقيقيّاً يجمع أطراف "رافضي المركزية" في سوريا بدور خارجي أكبر، أي قوات سوريا الديموقراطية الرافضة للانصهار في وزارة الدفاع السورية، وفلول النظام السابق في الساحل السوري، بالإضافة الى جزء من الطائفة الدرزية يرفض الانخراط والتعاطي مع الواقع الجديد، كما يستبعد عزل هذه التطورات عن وجود توافقات غير معلنة تُحاك لسوريا الجديدة في عدد من العواصم، ولاسيما منها في موسكو وطهران وتل أبيب كما تكَّشف في تسريبات الصحف الدولية مؤخراً، ويتضح أن الجامع لهذه الأطراف هو حالة عدم الرضا عن الواقع الجديد عقب سقوط الأسد بشكل أو بآخر، فالمعضلة الجيوسياسية الجديدة لكل من روسيا وإيران في الشرق الأوسط بعد خسارة الحليف التاريخي في سوريا، واستشعار فعالية الدور الجديد لسوريا في الحسابات الإسرائيلية بعد سنوات من الطمأنينة والخمول على حدودها، وهو ما قد يُفضي الى وجود صيغة تفاهمات ربما بصورة غير مباشرة لكنها قد تنتج حالة من تخادم المصالح بين هذا الثلاثي.
أمام هذا الواقع الجديد، تشتد الحاجة الى صوغ توازن قوى في مقابلٍ يحفظ مصالح دول الجوار السوري، والتي يمكن اختزالها بعبارة الاستقرار الإقليمي أولاً، فأي من الدول الثلاث الآنفة الذكر غير معني حقيقة باستقرار الأراضي السورية ووحدتها، ناهيك بالتعامل مع سوريا فاعلة على خلاف النمط الذي ساد عقداً من الزمن على وجه الخصوص. في المقابل، تظهر مصلحة أطراف دول جوار سوريا بارتباطها العضوي والمباشر بالمشهد السوري وتطوراته، إذ إنها عانت واستُنزفت من النقيض الذي عاشته منذ بدء الأزمة في 2011، عندما انتشر النفوذ الأجنبي، وتصاعدت حدة العمل العسكري، وبرزت الفصائل المسلحة والتنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة، بالإضافة الى موجات من ملايين اللاجئين السوريين الذين هربوا من ويلات الحرب في بلدهم نحو الجوار السوري.
بهذا الدافع، تتلاقى مصالح دول الجوار لتضع التساؤل الأهم على طاولتها: هل حان وقت التفاهم على دور جديد يتماشى مع مصالح الجوار السوري الذاتية، ويلبي تطلعات الشعب السوري، ويهدف الى الحد من وتيرة ما يحاك ضد وحدة سوريا الجديدة؟ أياً تكن المنطلقات، فمن دون تنحية الخلافات الجانبية بين دول جوار سوريا والتفاهم على الخطوط العريضة في ما بينها؛ فإن حالة الفراغ نتيجة عدم الفعل قد تفضي الى بدائل أكثر إشكالية قد تتمثل في خطر التقسيم وازدياد حدة الفوضى، وهو إن حدث لن تنحصر تداعياته في سوريا فحسب، بل ربما تمتد لتشمل الشرق الأوسط ككل خصوصاً في ضوء حالة الاضطراب المعقدة في الإقليم.
* باحث أردني في معهد السياسة والمجتمع
تستضيف عمَّان اجتماعاً لدول الجوار السوري اليوم الأحد، في توقيت بالغ الأهمية وبتمثيل رفيع المستوى يضم المستويات العسكرية والأمنية لكل من الأردن والعراق وتركيا ولبنان وسوريا. ويتزامن الاجتماع مع تطورات مفصلية مؤخراً في سوريا، وهي ما يتطلب ما هو أبعد من ديبلوماسية الاجتماعات التقليدية نحو دور أكثر فاعلية في الشأن السوري.