وزارة الخارجية ووزيرها

سيروج أبيكيان*
يتسم تشكيل الحكومات في لبنان بتعقيدات جمّة منها طائفية وتمثيلية، وتنطوي على مفاوضاتوتجاذبات شاقة، وتخضع لتدخلات من كل صوب أكانت داخلية على أسس المشاركةوالمبنية على الميثاقية وغيرها من الاعتبارات، أم خارجية على أساس النفوذ، وذلك كيتحظى بالثقة المزدوجة الداخلية المتمثلة في مجلس النواب والخارجية المتمثلة بحسن العلاقاتالديبلوماسية.
أمّا اليوم فالرضى الخارجي الناشط في ظلّ التحوّلات الجذرية الحاصلة فيالمنطقة يبقى ضرورية لانتشال البلاد من الجهنم السياسي والاقتصادي والأمني والثقافيوالقعر الذي هو فيه، ونقله من العزلة إلى الانفتاح وإلى علاقات طبيعية مرتكزها السلم وليسالحرب خاصةً حروب الآخرين.
ولكن تبقى الحكومة رهينة تطور السياسات في المنطقة وتبدل الأوضاع والاصطفافاتالداخلية والمناورات الصبيانية التعطيلية أحياناً لقاء مصالح ضيّقة فئوية.
وبعد أن وصل لبنان إلى القعر، وإلى أدنى المستويات في شتى المجالات، فمن الخطأ أن نقول إنّ هناك وزارات سيادية وأخرى غير سيادية، فاليوم جميع الوزارات سيادية بأدوار مختلفةواختصاصات متنوّعة، ووجب التعاون بفعالية في ما بينها ضمن مجموعة لديها ما يقارب العاملإنجاز الأولويات.
من هذه الأولويات التعيينات الأمنية والتعيينات في السلك الديبلوماسي. هنا تبدأ المشادات والمفاوضات على زرع الموظفين الملتزمين، ولا نقصد بقولنا الملتزمين وطنياً لا بلالملتزمين سياسياً.طبعاً هذه التعيينات هي أولى الاستحقاقات للحكومة والتجربة الأولى لمعرفة كيفية أداءالحكومة في الآتي من الاستحقاقات مثل الانتخابات.فيظهر فجأة للعلن هجمة ممنهجة على السلطة التنفيذية، وعلى الوزارات المعنية، إذ بدأت هذهالحملات على وزارة الخارجية بهدف التأثير على الوزير في التعيينات وفرض إملاءاتسياسية عليه.
ولا بد لنا من توضيح الأمر الآتي: كان منذ أكثر من عقدين لسان حال الديبلوماسييناللبنانيين يقول بوجوب تعيين وزير الخارجية من أفراد السلك. تحقق الأمر أكثر من مرّة ولمينجح لأسباب سياسية، والفشل لم يكن بسبب عدم كفاءة الوزراء. أما اليوم الوزير يوسفرجي، ذو شخصية لا تقبل الضغوطات وتتسم بالجدّية والعلمية والعملانية، واستطراداً كانالأول في دورته في امتحانات الانتساب إلى السلك الخارجي، وتحظى حكومته بزخم تأييديخارجي داخلي مشترك شريطة إنجاز الإصلاحات، وما جاء في تصريحاته يدل على هذاالتوجه في إنجاز أعمال وزارته.
هذا الأمر لا يتوقّف على الوزير وشخصه وحسب، بل إلى جانبذلك على الجو السياسي العام والخطوط العريضة للعمل، ففي ما مضى أثناء الاحتلال السوريكان قرار لبنان الخارجي محتلاً أيضاً، وبعد الخروج السوري أصبح باتجاهٍ واحد داعم لمحورفي المنطقة معاد لأطراف أخرى، فكان مسلوباً.
يبدو بوضوح أن توجّه الوزير رجي هو توجّه سيادي ونحو اعتماد خطاب سيادي، مرتكز علىخلفيته الديبلوماسية والسياسية وعلى مندرجات خطاب القسم المتجه إلى حياد لبنان وإبعاده عنحروب الآخرين في المنطقة. فبعد غياب العمل الديبلوماسي الفعلي في البلاد ينتظر من الوزير رجي إعادة الديبلوماسيةاللبنانية إلى مكانتها، وإلى فرض هوية ديبلوماسية خاصة بلبنان تحميه من الأطماع السياسية،وهذا كجزء من الاستراتيجية الدفاعية العامة للدولة، لأن وزير الخارجية هو قائد الديبلوماسيةالوطنية وليس وزيراً للخارجية... وإنما الحملات عليه وعلى وزارته تبقى أصغر من المهمّةالكبرى التي يقودها.
*مستشار في الشؤون الإستراتيجية السياسيةمدير مركز MEC Affairs
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية