أول زيارة لاوونية إلى الشرق الأوسط
الأب د. رفعــــت بدر*
بفخر وسرور نتابع من الأردن الاستعدادات المتواصلة في لبنان الشقيق لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر في أول رحلاته الرسولية منذ اعتلائه الكرسي البطرسي في الثامن من أيار/مايو الماضي. وقد اختار قداسته كلاً من تركيا ولبنان كمحطتين لهذه الزيارة التاريخية، في دلالة واضحة على عمق الجذور المسيحيّة في هاتين الأرضين، وعلى الأهمية الروحيّة التي ما تزال تحملهما للكنيسة الجامعة.
تأتي المحطة التركية لتستحضر إرثًا عميقًا؛ فتركيا احتضنت مجمع نيقية قبل 1700 عام، وهو أحد أهم المجامع المسكونيّة التي وضعت أسس قانون الإيمان المسيحي. ومن هناك، يريد البابا لاوون أن يعبّر عن تقديره للحضور المسيحي الصامد منذ نشأة المسيحية، رغم ما مرّ به عبر القرون، ولا سيما في بدايات القرن العشرين من مجازر وإبادة جماعية ، أهلكت الألوف من المسيحيين وهجرت غيرهم.
أمّا لبنان، الذي يستعد اليوم لزيارة بابوية رابعة في تاريخه الحديث، فقد استقبل ثلاثة أحبار أعظمين، أصبح اثنان منهم قديسين. كانت الزيارة الأولى للقديس بولس السادس عام 1964، زيارة قصيرة لا تتجاوز خمسين دقيقة في المطار، لكنها خلّدت لحظة تاريخية حين هرع نحو ربع مليون شخص لاستقباله. ثم جاءت الزيارة الثانية للقديس يوحنا بولس الثاني عام 1997، الذي أحبّ لبنان محبّة خاصة ووصفه بأنّه "أكثر من وطن.. إنّه رسالة"، وقد وقّع في بيروت إرشاده الرسولي بعد السينودس الخاص بهذا البلد، وشارك في القداس نحو نصف مليون شخص. أما الزيارة الثالثة فكانت للبابا بندكتس السادس عشر، الذي اختار يوم عيد الصليب (14 أيلول) عام 2012، أي قبل أشهر قليلة من استقالته في شباط 2013، ليوقّع خلالها الإرشاد الرسولي الخاص بالكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة. فكانت هذه الزيارة إلى لبنان مسك الختام لرحلاته الرسولية.
وظلّ لبنان حاضراً بقوّة في قلب البابا فرنسيس، الذي أعرب مراراً عن رغبته الصادقة في زيارته، غير أن الظروف لم تساعد في تحقيق الحلم. واليوم، يتحقّق الحلم مع خليفة القديس بطرس السابع والستين بعد المئتين، البابا لاوون الرابع عشر، حاملاً اسماً يرتبط بتاريخ كنسي عريق: لاوون الكبير (القرنين الرابع والخامس)، صاحب العبارة الشهيرة: "أعرف، أيها المسيحي، كرامتك!"، ولاوون الثالث عشر، الذي أسّس ما نعرفه اليوم بتعليم الكنيسة الاجتماعي، أي التعاليم حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكيفية تطبيق القيم المسيحية في المجتمع.
إن زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان تأتي في لحظة حساسة يمرّ فيها بلد الأرز بتحديات سياسية واقتصادية كبيرة، وبعد حروب دامية خلّفت شهداء كُثراً وجرحاً لا يزال ينزف، وبعد جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت الذي هزّ أحياء العاصمة وهزّ معه العالم. وفي هذه الظروف، يحمل البابا معه رسالة واضحة: أن يبقى لبنان "جميلاً ونبيلاً" كما وصفه بولس السادس، وأن يبقى "رسالة" كما رآه يوحنا بولس الثاني، وأن يصون "العيش المشترك" كما أكده بندكتوس السادس عشر، وأن يطوّب كلّ ساع حقيقي الى السلام ، كما يقول شعار زيارة البابا لاوون.
ومن الأردن، نوجّه إلى إخوتنا في لبنان رسالة أخوّة وتشجيع في هذا الوقت المبارك، باسمنا وباسم كل من سيشارك معكم بالحضور الشخصي أو عبر منصات الإعلام. نصلي ليبارك الرب لبنان، وليُعيد إليه وجهه المشرق، ولنردّد مع القديس بولس السادس، بعد واحد وستين عاماً على زيارته: "عاش لبنان".
مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام - الأردن
[email protected]
نبض