الذكاء الاصطناعي في مقابل الذكاء الاجتماعي... من يقود من؟

مقالات 30-10-2025 | 16:01

الذكاء الاصطناعي في مقابل الذكاء الاجتماعي... من يقود من؟

الذكاء الاجتماعي هو ما يميز الإنسان عن الآلة.
الذكاء الاصطناعي في مقابل الذكاء الاجتماعي... من يقود من؟
Smaller Bigger

محمد خراط*  

في زمن صارت فيه الآلة تفكّر، والإنسان يكتفي بالمشاهدة، يبدو أن الذكاء لم يعد حكراً على البشر. ارتفع صوت الذكاء الاصطناعي حتى غطّى على كل أشكال الذكاء الأخرى، فغابت مفردات مثل "الذكاء الاجتماعي" من قاموس الحياة اليومية. وبينما نحتفي بالتطور التكنولوجي، علينا أن نتساءل بجدية: هل أصبح الذكاء الاصطناعي خطراً يهدّد عقولنا ووعينا المجتمعي؟

لقد بات الاعتماد على الذكاء الاصطناعي شبه مطلق. لم نعد نبحث أو نحلل أو نتساءل كما في السابق، بل نسأل الآلة فتجيب. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: عندما تتوقف العقول عن التفكير، تفقد البشرية معناها.
فاليوم، لا فرق بين الذكيّ والجاهل، ولا بين المثقف وغير المثقف، لأن الأداة واحدة والمعلومة متاحة للجميع. كلّ معلومة أصبحت في متناول اليد، لكن القليل من الناس باتوا يفكرون حقاً بما يقرؤون أو يسمعون.

الجيل الجديد نشأ في عالم لا يحتاج فيه إلى السؤال أو الاكتشاف، بل إلى كتابة أمر بسيط في محرك بحث. وهكذا، تراجعت مهارات التفكير بمختلف أنواعه، وتقلصت مساحة الإبداع الذاتي. صار العقل يعتمد على ذكاء مستعار، حتى خسر قدرته على الإنتاج الفكري الطبيعي.

وهنا تتجلى اللحظة الأخطر في تاريخ البشرية الحديث، عندما يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة إلى سلطة، ومن خادم إلى قائد. فالآلة اليوم لا تكتفي بتنفيذ الأوامر، بل تتعلم وتستنتج وتقرر، وربما قريباً ستفكر بمعزل عن الإنسان ذاته.

إنها ثورة هائلة، لكنها أيضا سلاح ذو حدين، يمكنها أن ترفع منسوب الوعي الإنساني، كما يمكنها أن تفرغه تماماً. الأخطر من تطور الآلة هو تراجع الإنسان أمامها، حين يتنازل عن فضوله، وإحساسه، وحدسه، وضميره. عندها، لن تكون الآلة خطراً لأنها قوية، بل لأننا أصبحنا ضعفاء أمامها.

وانعكاس هذا الانحدار في الذكاء الاجتماعي صار واضحاً في تفاصيل حياتنا اليومية. لم تعد الحوارات قائمة على الفهم أو الإصغاء، بل على سرعة الرد وعدد المتابعين. اندمج الذكاء الاصطناعي في منصات التواصل الاجتماعي حتى أصبح يشكل هوية رقمية بديلة، وأنتج لنا جيلاً جديداً من المؤثرين الذين يصنعون شخصيات افتراضية لا تشبههم، ويعكسون صورة مثالية بعيدة كلّ البعد عن واقعهم.

هذا الانفصال بين التفكير والذكاء المبنيّ على العلم والثقافة والتفكير المبني على الآلة جعل التواصل أكثر سطحية، والمشاعر أكثر اصطناعاً، والنجاح مرتبطاً بالمشاهدات لا بالقيم. وهكذا، بدأت الهوية الإنسانية تتلاشى في فضاء من الصور والمحتوى المصنّع، حتى صار التأثير مهنة بلا إنسانية.

لكن الخطر الأكبر لا يقف عند حدود الذكاء العقلي، بل يتعداه إلى الذكاء الاجتماعي، ذاك الذي يبقي العلاقات البشرية حيّة ودافئة. فالتواصل اليوم لم يعد يعتمد على المشاعر أو الحدس، بل على رموز رقمية ورسائل باردة تخلو من لغة الجسد ونبرة الصوت. ومع مرور الوقت، تراجعت قدرة الناس على قراءة المواقف، والتعاطف، وفهم الآخر. لقد أصبحنا متصلين أكثر، لكننا نفهم بعضنا أقل.

إن الذكاء الاجتماعي هو ما يميز الإنسان عن الآلة. هو ما يجعله قادراً على بناء العلاقات، وقراءة ما وراء الكلمات، والتصرف بحسّ إنساني لا يمكن برمجته. لذلك، فإن معركتنا الحقيقية ليست بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، بل بين الذكاء الاجتماعي والذكاء الصناعي. فإذا استسلم الأول للثاني، سنصبح أذكى من أي وقت مضى، لكننا في الوقت ذاته، أقلّ إنسانية من أيّ وقت مضى.

في النهاية، ليس الخطر أن تصبح الآلة أكثر ذكاء، بل أن نتوقف نحن عن استخدام ذكائنا الإنساني.

كاتب وناقد*

 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/28/2025 5:28:00 AM
تتحمل المصارف  مسؤولية استثمار جزء أساسي من أموال المودعين في مصرف لبنان، رغم علمها بعجز المالية العامة، فيما يتحمل "المركزي" مسؤولية تمويل الدولة خارج الأطر القانونية
اقتصاد وأعمال 10/28/2025 10:49:00 AM
يعطي المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو عناية خاصة لملف المبالغ المستعادة ومتابعة كل تفاصيله.
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
أوروبا 10/29/2025 1:12:00 AM
ابنة بريجيت ماكرون في شهادة أمام القضاء: "إنهم يسخرون من أولادي ويقولون أن جدتهم متحولة".