بازل السلام في الشرق الأوسط تنقصه إيران

يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مثّل تبادل رسائل غير معلنة بين إيران والغرب، إذ اشتعلت المنطقة من هناك، ومن النقطة ذاتها تُطفأ نيرانها. فقد خرجت التظاهرات في المدن الإيرانية يوم الجمعة 10 تشرين الأول/أكتوبر تحت شعار "بشارة النصر"، في مشهدٍ يعكس أن طهران ترى النصر غير مكتمل بعد، إذ لا تزال تراقب الموقف الغربي منها. وعلى جبهة أخرى، احتفلت جماعة الحوثي الموالية لطهران في صنعاء تحت شعار "غزة تنتصر.. بطوفان الأحرار"، وكأن اتفاق غزة، إن اكتملت مراحله، سيؤسس لمعادلة جديدة تُنهي تلك التي فرضها "طوفان الأقصى".
فقد جاء بيان الخارجية الإيرانية الذي أعلن الدعم "لكل إجراء ومبادرة تهدف إلى وقف حرب الإبادة الجماعية" بمثابة رسالة موجهة إلى الغرب بأن إيران داعمة للسلام في المنطقة. ورد الرئيس الأميركي على ذلك بعد أن تفاخر بالدور الذي قاد إلى هذا السلام، قائلاً: "يشرفني دعم إيران لهذا الاتفاق. نحن نعمل على ضمان استمرار وقف إطلاق النار في غزة، وبقاء المنطقة على طريق السلام".
وبهدف إعادة فتح باب الدبلوماسية، حاولت التصريحات الغربية تبرير السلوك العنيف تجاه إيران بأنه كان ضرورياً للوصول إلى لحظة السلام في غزة. فقد اعتبر ترامب أن الهجوم على إيران وقصف منشآتها النووية كان خطوة حاسمة في نجاح هذا الاتفاق، بل تمهيداً لمرحلة تكون فيها إيران "جزءاً فعلياً من اتفاق السلام الكامل". ويفتح ذلك البابَ أمام تساؤلات عمّا إذا كانت الدول الإسلامية المشاركة في قمة شرم الشيخ بشأن غزة تسير نحو سلام أشمل بين إسرائيل والعالم الإسلامي، في إطار دعم حل الدولتين.
كما حمل بيان الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) – التي تمثل رافعة ضغط أميركية على طهران – رسالةً بأن خطوة إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران كانت "في الاتجاه الصحيح" لدعم السلام في المنطقة، وأن الأوروبيين والأميركيين ينتظرون العودة إلى طاولة التفاوض مع طهران.
أما من جهة الحلفاء، فقد جاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة "روسيا وآسيا الوسطى" في طاجيكستان لتُوحي بأن موسكو تسعى لدور وساطة بين إسرائيل وإيران، إذ كشف أن تل أبيب أبلغت بلاده بعدم رغبتها في مواجهة مع طهران. وتبدو هذه الجهود محاولة من روسيا لإثبات دورها أمام ترامب بأنها قادرة على دعم خططه للسلام في الشرق الأوسط.
إيران بعد غزة!
جاء المديح الذي أبداه ترامب تجاه إيران عقب نفي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وجود أي اتصال بينه وبين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، رغم أن وسائل إعلام إيرانية أشارت إلى أن بيان دعم إيران لاتفاق غزة جاء بطلب أميركي خلال ذلك الاتصال، وأن الخطوة التالية هي استكمال "بازل" السلام بعودة طهران إلى طاولة المفاوضات.
ورغم أن الشروط المتبادلة بين الطرفين لا تزال عقبة أمام التفاهم، فإن حلّ القضية الإيرانية قد يأتي في إطار إقليمي يُعيد إلى الأذهان مبادرة جواد ظريف "المئذنة" لتأسيس أوبك نووي، وكذلك مقترح وزير الطاقة الأميركي الأسبق إرنست مونيز بإنشاء اتحاد نووي إقليمي تعاوني في الشرق الأوسط.
في النهاية، قد تلجأ طهران إلى سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي اتبعتها خلال ولاية ترامب الأولى، لكن الشرق الأوسط بعد اتفاق غزة بات في مواجهة إيران؛ فالأزمة لم تعد في شخص ترامب، بل في الجغرافيا السياسية التي لم تعد تخدم السياسة الإيرانية التقليدية، وهو ما قد يدفع طهران إلى اتفاق جزئي لتفادي تهديد وشيك، أو إلى اتفاق شامل يضمن لها الحفاظ على مصالحها الإقليمية.