حتى لا تتكرّر أحداث غزّة من جديد

مقالات 11-10-2025 | 13:09

حتى لا تتكرّر أحداث غزّة من جديد

شهد العامان الماضيان مبادرات لا تُعدّ ولا تُحصى لإحلال السلام في غزّة، إلّا أنّها فشلت كلّها.
حتى لا تتكرّر أحداث غزّة من جديد
فلسطينيون عائدون إلى مدينة غزة من مخيم النصيرات.(ألإ ب)
Smaller Bigger
تُعدّ التطوّرات الأخيرة في غزّة مرحلة مفصليّة في تاريخ المنطقة الذي لطالما كان مليئًا بالأحداث المؤلمة. لقد حان الوقت لنعترف بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستحقّ التقدير لجهوده الجريئة والحازمة في التوسّط من أجل إحلال السلام في غزّة. إنّ هذه هي الحقيقة حتى وإن سخر المتشائمون أو تضايق المشككون.

شهد العامان الماضيان مبادرات لا تُعدّ ولا تُحصى لإحلال السلام في غزّة، إلّا أنّها فشلت كلّها. ونرى اليوم الرئيس الأمريكي يترأس شخصيّاً المبادرة الحاليّة بقيادة الولايات المتحدة بصفته رئيس مجلس السلام الذي تمّ تشكيله حديثاً. ولا يبدو أنّ هذه مجرّد مبادرة ديبلوماسيّة أخرى تحمل اسماً لافتاً، بل تتمتّع بخصائص تدلّ على أنّها مبادرة جديّة ذات رهانات عالية، وهي قادرة على عكس مسار الدمار الذي عانى منه قطاع غزّة والشعب الفلسطيني في حال تمّ دعمها وضمان استمرارها.

هل تُعدّ هذه الخطّة مثاليّة؟ على العكس. هل من المحتمل أن تفشل؟ هناك احتمال كبير نظراً إلى العوامل الكثيرة التي من الممكن أن تعرقلها. ففي الواقع، لا يزال الطريق أمامنا محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً مع بقاء حكومة إسرائيليّة متطرّفة سريعة اللجوء إلى الضغط على الزناد في السلطة، إلى جانب تاريخ "حماس" غير المطمئن. ومع ذلك، لا يُعدّ الكمال معياراً للتقدّم، وسيكون من الجنون لو تأمّلنا تحقيق نتائج مختلفة مع اللجوء إلى الآليّات نفسها التي اعتمدتها الأمم المتحدة من دون نتيجة. أتوجّه إليكم بهذه الكلمات متمنّياً من صميم قلبي لو كان الواقع مختلفاً. فمع الأسف، الواقع أشبه بالمثل العربي "داوني بالتي كانت هي الداء".

بعبارة أخرى، يتعلّق الأمر باللجوء إلى أميركا، خصوصاً لأنّ الرئيس الأميركي ترامب معروف بعقد الصفقات، ولامتلاك واشنطن القدرة على التأثير على إسرائيل وحظيها بثقتها، وبعد أن فشلت جميع المبادرات الأخرى حتى الآن.

أعتقد أنّ وضع خطّة، على رغم العيوب التي قد تشوبها، يبقى أفضل من السماح باستمرار القتل نتيجة افتقارنا لها. لا يمكن إرضاء جميع الأطراف، والفشل مضمون إن حاولنا القيام بذلك.

برزت ردود فعل متباينة حتى داخل المعسكر السياسي الواحد، وستبقى كذلك. ففي إسرائيل، يرى البعض المبادرة على أنّها طوق نجاة بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفرصة ليتراجع عن الموقف الذي تمسّك به مدة طويلة، في حين يرى آخرون أنّها تصبّ في مصلحة حركة "حماس" بطريقة غير عادلة بعد أن أتى رفضها الاستسلام على حساب آلاف الأرواح البريئة وتدمير غزة بشكل شبه كلّي.

نرى أنّ الشعور مرير من الجانب الفلسطيني لأسباب واضحة، بحيث يبدو أنّ هذه الجهود لم تكن كافية، وجاءت في وقت متأخر جدّاً بالنسبة الى كثيرين. فبعد فقدان عشرات الآلاف من الأرواح وانتشار المجاعة وارتكاب إسرائيل فعل الإبادة الجماعيّة، وهذا بحسب ما وصفته اليوم وكالة تابعة للأمم المتحدة، أصبح جرح الفلسطينيّين أكثر عمقاً وضعفت ثقتهم. ومع ذلك، تعتبر "حماس" هذه الخطوة انتصاراً ودليلاً على رفضها الاستسلام، متجاهلةً الخسائر البشريّة الجسيمة التي تسبّب بها عنادها.

وتُعدّ هذه المناقشات مهمّة، إلّا أنّه يجب ألّا تصرف انتباهنا عن حقيقة أنّ الرئيس ترامب لا يقدّم وعوداً فحسب، بل أصبح الآن ملتزماً تماماً بها بصفته رئيساً لمبادرة السلام. نجد أنّ هذه الحقيقة مهمّة فعلًا لأنّها تمارس الضغط على جميع الأطراف للوفاء بالتزاماتها، بما فيها إسرائيل، كما أنّها تحدّ من قدرة نتنياهو على التحايل والتهرّب من المساءلة بحجّة المخاوف الأمنيّة.

وقد أيّدت الدول العربيّة والإسلاميّة هذه المبادرة التي تصبّ في مصلحتها، ويُعدّ دعمها ضروريّاً وحكيماً من الناحيتين الأخلاقيّة والاستراتيجيّة. ومع ذلك، لا يمكننا استباق الأمور والاحتفال، فالحرب لم تنتهِ بعد، والمعاناة لم تنتهِ بعد، كما أنّنا بعيدون كلّ البعد عن إحلال السلام.

تنبع هذه المبادرة من نيات صادقة وجديّة لإحلال السلام، واعتبارها غير ذلك هو إجحاف بحقّ القضيّة. نحن نعلم أنّها لا تزال جديدة وضعيفة، ولكنّها بحاجة إلى دعمنا الكامل، قولًا وفعلًا. وعليه، ينبغي ضمان تدفّق المساعدات الإنسانيّة بسلاسة ووصول الموادّ الغذائيّة وخدمات الإيواء والمستلزمات الطبيّة إلى من هم بحاجة إليها قبل تفاقم الأزمة مع حلول فصل الشتاء.

لا يُعدّ هذا الوقت الملائم للتباهي على الساحة السياسيّة أو فرض معايير الأيديولوجيا المُطلقة، بل هو وقت العمل استناداً إلى الواقع وإظهار الرحمة وحسم الأمور على وجه السرعة.

إذا كنّا نريد الحرص على عدم تكرار حوادث غزّة، فيجب أن نبادر فوراً إلى مناقشة موضوع حلّ الدولتين. أقول فوراً، وليس في نهاية المطاف. أقول فوراً، وليس "في الوقت المناسب"، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي أراها منطقيّة وعادلة لتفادي ارتكاب فظائع أخرى في المستقبل.

ولعلّ فظائع السابع من تشرين الأول/أكتوبر والإبادة الجماعيّة التي ارتكبتها إسرائيل منذ ذلك التاريخ، تكون جرس إنذار يحذّر من انعدام قدرة المنطقة على تحمّل جولة أخرى من الانتقام والإيقاع بالضحايا. يتعيّن على المجتمع الدولي ممارسة الضغط من أجل وضع حلّ عادل وقابل للتطبيق والتنفيذ لضمان أمن الشعب الإسرائيلي، كما للحرص على حماية الشعب الفلسطيني وكرامته والاعتراف بدولته.

قد لا تكون الخطّة التي وضعها ترامب مثاليّة، ولكنّها خطوة أولى نحو إحلال السلام في منطقة نادراً ما يتمّ اتخاذ خطوات أولى فيها، وغالباً ما تكون الآمال فيها عابرة إلى زوال. ولذلك، تستحقّ هذه المبادرة الإشادة. ويبقى السؤال: هل ستعود إسرائيل و"حماس" إلى تبديد هذه الفرصة كما سبق أن حصل مرّات عديدة من قبل، أم أنّهما ستلتزمان معاً السماح بتنفيذها؟

لنأمل أن تتخذا قرارهما بحكمة لمصلحة غزّة ومستقبل المنطقة ككلّ.
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/12/2025 1:32:00 AM
نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين، أن 3 دبلوماسيين قطريين توفوا بحادث في مدينة شرم الشيخ في مصر
المشرق-العربي 10/11/2025 1:12:00 PM
على الرغم من السرّية الشديدة التي تُحيط بمخبأ الأسد الخفي، تمكّن فريق الصحيفة الألمانية من دخول المبنى نفسه والتقوا هناك بوكيلة عقارات محلية عرّفت عن نفسها باسم مستعار هو ناتاشا.
دوليات 10/12/2025 6:57:00 PM
في مقطع فيديو نشره على منصة "إكس"، خاطب غيلر ترامب بالقول: "أرجوك يا دونالد، لا تذهب إلى شرم الشيخ. لديّ شعور قوي بأن حياتك في خطر".