إعلام النيات و إدارة الهواجس ..!

هل  يتحول دور الاعلام من ادارة المعلومات إلى إدارة النيات و الهواجس؟ و منٰ يتحمّل مسؤولية توظيف المحطات و الإذاعات  في أن تكون متاريس بدل ان تكون جسوراً  للتواصل وتبادل المعارف خصوصاً في زمن النزاعات والقلاقل  الداخلية تحديداً في بلد مثل  لبنان قاربت فيه الحريات الإعلامية ديموقراطية الفوضى؟
تحفل المنصات و الوسائل الاعلامية بعمليات متابعة الاحداث والتغطيات اللازمة المرافقة لها ، من رصد وملاحقة وتحقق ، وصولاً الى النتائج المقصودة والأهداف المرجوة والبناء على محصلاتها، إنطلاقاً مما يضمره صانعو المحتوى و ملاحقو الحدث من نيات و مقاصد تتعاكس فيها الثوابت مع المختلق من الأخبار الكاذبة و التضليلية . 
و لعل أخطر ما يمكن أن يقوم به الاعلام في خلال أزمنة القلق الأمني والحالات النزاعية الداخلية، هو الجنوح من أن يكون ناقلاً للحقائق، الى خطيئة صناعة الاحداث الوهمية والبناء عليها والإمعان في إدارة النيات  والإستثمار في الهواجس، بحيث يصبح الجمهور جماعات ضحايا للمحتوى الفارغ من المضمون الصلب ، من دون أن يقوى على التحقق مما يضخ له من مواضيع وتلفيقات لها وظائفها المرحلية بغض النظر عن صحتها و دقّة مضامينها، وما تحويه من مخاطر تسيء الى ناموس الحقيقة و مسؤولية المعرفة الواجب أن يحملها الاعلام في مسيرته المهنية ومساره الابلاغي .
فأيُة مسؤولية يتحملها الاعلامي إذا ما أخلَّ بوظيفته التحققية و التدقيقية؟ و كيف يمكنه العودة عن الخطأ المهني الذي يقترفه  عمداً أم هفواً و يعيد بناء الثقة بدوره ويراكم رصيده من جديد؟
ففي ظل الاحتكام الى الاعلام للوصول الى الحقائق أو لخلق تضليلات وضعية تحيد عن الواقع ، تتصدر اهتمامات وسائل الاعلام أخبار أقطاب الأحداث أكثر من فحوى الاحداث نفسها ، بدليل أن الجمهور المسيَّر يتابع ويتبع وينفعل  من دون أن يتحقق  من حسن نية الاعلامي، وطريقة طرح السؤال والإجابة عليه من دون أي شعور بالتبعية و الإسترقاق الإخباري .
فالاصطفافات السياسية التي طغى عليها نمط التنازع على التنافس، تسعى جهدها لأن تؤسس لها حيثيات تنطلق منها لزيادة رصيدها الشعبي  وذخرها السياسي وتحصين قواها ، وتعمل لأن تتعامل مع  المتغيرات الاقليمية واستثمارها  وفق مصالحها وأهدافها الخاصة، من خلال  ما تتبعه من إستراتيجيات إعلامية ، ركائزها مبادئ منطلقات و مصالح متحركة وفق براغماتية عملية، يغلب فيها الطابع النفعي على منطلقات   الخير العام .
و تبرز عملية المقارنة الضمنية  بين خصائص إعلام النيات وإعلام  الهواجس بالارتكاز على الفروق المايزة  لنمطي إعلام الخير المأمول وإعلام الخوف المشروع. و هذا ما يجعل من الإضاءة على هذا الموضوع عملية ذات جدوى إذا ما تم تناولها بشكل منهجي و دقيق يبيّن مفاصل الفرق الذي يلاصق كل شكل من أنماط إعلام الظَّن و التمني و التخوُّف التي تشيع في أزمنة الحروب والأزمات والنزاعات .
فإلى أي مدى يصحّ الكلام عن ضحايا الإعلام في مجتمعات فوضى الحريات؟ و منْ يحمي المستهلك الإعلامي من أخطار المحتويات المفخخة وغير الصالحة للإستخدام؟
سؤال برسم المرجعيات الإعلامية  والقوى الاستثمارية القابضة على فحوى الصورة و أثر  الكلمة و تأثير الحقائق الضائعة أو المخفية، وتلك التي أُلصِقَت بها زوراً صفة (الحقائق التضليلية) القاتلة للحقيقة الصلبة؟

*أستاذة جامعية