نهاية عصر نشر الدّيموقراطية تنهي ”حزب الله“؟

نهاية عصر نشر الدّيموقراطية تنهي ”حزب الله“؟
لهيب القصف الإسرائيلي في لبنان. (نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger

المطلوب من اللبنانيين ودولتهم إعادة تشكيل إجماع 14 آذار 2005 لاستكمال ذاك المشروع، الذي انطلق مع قرار مجلس الأمن الرقم 1559 وقضى بخروج جيش الرئيس السوري بشار الأسد من لبنان وطلبضمنياًتسليم سلاححزب اللهللجيش اللبناني. بل إن المطلوب هو نهاية حزب الله“ كتنظيم عسكري في سوريا ولبنان سوية، ولا مانع دولياً إن لعب الأسد دوراً في ذلك، بل هو إن نجح في ذلك، يمكن مكافأته بإنهاء العزلة المفروضة عليه.

وتستند خطة القضاء إلى نفوذ نظام إيران الإسلامي، في سوريا ولبنان، على عضلات إسرائيل، وتتمتع بشبه إجماع دولي، وخصوصاً دعم الولايات المتحدة، وروسيا، والعواصم العربية المعتدلة، وهي التي تتأذى كل واحدة منها من إيران أو واحدة من أذرعها، من الحوثيين في اليمن وميليشيات تهريب الكبتاغون والسلاح إلى الأردن، الى تنظيم الأشتر البحريني والميليشياوي العراقي أبو الاء الولائي، الذي يتوعد الأردن ودول الخليج.

يشكل التغيير الجاري نهاية حقبة أميركية، بدأت مع الصين مطلع السبعينات، وكانت مبنية على اعتقاد مفاده أن كل الدول تعلي مصالحها الاقتصادية على كل شؤونها الأخرى، وأن نشر الليبرالية الاقتصادية يؤدي حتماً إلى نشر الديموقراطية، وهو ما يؤدي إلى سلام عالمي شامل لأنه، حسب نظرية الكاتب الأميركي توماس فريدمان  لا تتحارب دولتان فيهما فروع مطعم الوجبات السريعة ماكدونالدز.

 

وبعد الانفتاح الاقتصادي على الصين وانهيار الاتحاد السوفياتي، رمت أميركا بثقلها خلف نشر الديموقراطية الليبرالية في روسيا ودول أوروبا الشرقية. ثم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ساد اعتقاد أميركي أن ديموقراطية الدول هي الحل الوحيد لمعالجة مشكلة الدول الفاشلة والمارقة والراعية للإرهاب، من إمارة أفغانستان إلى عراق صدام وليبيا القذافي.

ومضت أميركا في مشروع تغيير حكومات الدول إلى ديموقراطيات، لكن التجربة في العراق وأفغانستان أظهرتا معضلة لم يسبق للأميركيين أن أخذوها في الحسبان: ماذا يحصل إن فازت بالانتخابات الديموقراطية تنظيمات تعارض الديموقراطية وتستخدم فوزها لتقويض الديموقراطية نفسها؟

الاجابة عن هذا السؤال جاءت على شكل تجربة قضت بأن لا تعارض الولايات المتحدة فوز التنظيمات الإسلاموية غير الديموقراطية بالانتخابات، فهذا الفوز، في نهاية المطاف، يعكس رغبة شعبية، وعندما يتسلم الإسلامويون الحكومة ويجدون أنفسهم مضطرين لتدبير شؤون الحكم، من جمع القمامة إلى إدارة المدارس وتأمين الرعاية الصحية والوظائف، سينشغلون في مشكلات الحكم عن إثارة القلاقل والإرهاب في عموم الكوكب.

 

وبدأ الغزل الأميركي مع الإسلامويين قبل رحيل إدارة بوش الابن، إذ بعد أعوام من تحريض اللبنانيين على استعادة سيادتهم من حزب الله، ويوم قامت حكومة لبنان المنتخبة بأول خطوة في هذا الاتجاه، اكتسح مقاتلو الحزب مناطق معارضيه في 7 أيار 2008، ولم تهبّ واشنطن لمساندة من حرّضتهم، بل تخلّت عنهم، ونصحتهم بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب الله، على اعتبار أن انخراط الحزب في الحكم اللبناني يدجّنه ويلهيه عن الحروب.

وكذلك الأمر في قطاع غزة، كانت إسرائيل فككت مستوطناتها وانسحبت منه في 2005، ولم تحرك ساكناً عندما قتلت حماس أكثر من 300 من السلطة الفلسطينية واستولت عليه في 2007، بل إن التقارير تشير إلى أنه في عامي 2022 و2023، اعتقدت الحكومة الإسرائيلية أن زعيم حماس الراحل يحيى السنوار كان منشغلا عن الحروب بحكم القطاع، فراحت تسعى لمساعدته في ذلك، ووافقت على مليارات لحماس، وضاعفت عدد رخص العمل لفلسطينيي القطاع داخل إسرائيل، واعتقد الإسرائيليون أن الفلسطينيين انشغلوا، أخيراً، بشؤون الحياة وكسب العيش عن الحرب والقتال.

 

وفي السياق نفسه، وقّعت حكومة نفتالي بينيت على اتفاقية فتحت الفرصة للبنان، تحت سيطرةحزب الله، بالتنقيب عن الطاقة في المياه الإقليمية. حتى نتنياهو، بعد عودته إلى الحكم، لم ينقض الاتفاقية على الرغم من معارضته لها يوم كان في المعارضة أثناء توقيعها.

هذا الاعتقاد نفسه كان قد دفع الرئيس السابق باراك أوباما إلى الاستماتة لتحقيقالصفقة الكبرى“ مع إيران الإسلامية بتوقيع اتفاق نووي درّ على طهران مليارات الدولارات، في 2016. ووقعت إيران بدورها صفقات بقيمة60  مليار دولار لشراء طائرات وعقود نفط مع أميركا وأوروبا، وبدت إيرانمثل حماس وحزب اللهمهتمة بالاقتصاد والحكم أكثر من الحروب.

 

نسفت 7 أكتوبر كل النظريات القائلة إن الإسلامويين ليسوا عقائديين، وإنهم، مثل باقي البشر، يسعون إلى حياة كريمة وأمن يفتح المجال أمام النمو الاقتصادي. الإسلام السياسيطريقة(cult) تخلط التاريخ بالحاضر والخرافة بالواقع، فتصبح الهزائم انتصارات، والفقر واللجوء هرباً من الحروب كرامة وعزّة.

 

هجوم حماس يوم 7 أكتوبر أقنع العالم بأن إيران الإسلامية الشيعية متطرفة مثل كل التنظيمات الإسلامية السنية، من القاعدة إلى "داعش" إلى النصرة وغيرها، وأن لا حلول مع هذه التنظيمات إلا بالقضاء عليها تماماً.

 

لم يفهم اللبنانيون التغيير الدولي، أو أنهم فهموه ولا قدرة لديهم على إنتاج سياسة تختلف عن سياسة الزمن العثماني المبنية على الوجهاء والقبضايات ومخاتير الأزقة.

 

في 2005، لعب زعيم الدروز وليد جنبلاط دوراً قيادياً محورياً حقق ما لم يكن في الحسبان. لكن جنبلاط اكتوى بطعنات حلفاء الداخل وتخلي حلفاء الخارج، فتقوقع في جبله ملتزماً السياسة الدرزية التاريخية التي تنحاز للأقوى، وعندما تحتار في تنبؤ رابح، تنكفئ على ذاتها وتقوم بأقصى ما يمكنها لحفظ نفسها والبقاء.

أما الموارنة، فلم ينجبوا من يشبه أبرز زعيمين في تاريخ لبنان كميل شمعون وبشير الجميل. كل زعماء الموارنة ما عدا هذين الاثنين هم من طراز مخاتير الأزقة.

ومثل الموارنة، لم ينجب السنة رياض الصلح أو رفيق الحريري آخر.

 

أما الشيعة، فقد أظهرت الحرب حجم إمبراطوريةحزب الله“ التي تمضي إسرائيل في تدميرها: حجم مهول لا في العسكر والسلاح فحسب، بل في الأموال والذهب، والعديد، والانتشار، والتحصينات. والحال هذه، من الصعب أن يختار الشيعة مشاركة الحكم مع من كانوا يحكمونه، لكن الفراغ الذي سينجم بعد الحرب سيؤذيهم.

 

أمام عجز لبنان وطوائفه عن ممارسة السيادة، لن يصدق العالم وعود بيروت بتنفيذ القرار 1701، أو أي قرار آخر، وقد استبقت إسرائيل ذلك بإعداد خطتها هذه المرة بطريقة لا تأخذ في الحسبان دولة لبنان، متعظة من تجربتها الفاشلة في الركون إلى لبنانبمساعدة أمميةقبل 18 عاماً، لضمان أمن شمالها.

 

ستأخذ إسرائيل من لبنان ما تريده بقوتها العسكرية، وستترك لبنان في مهب الرياح، فإن أدرك اللبنانيون ضرورة وقوفهم لسد الفراغ، قد يستعيدون سيادتهم، وإن واصلوا حذلقتهم الكلامية، التي لم تنعد تنطلي على العالم، فسيملأ الفراغ اللبناني أول الواصلين، وقد تكون المحصلة عودة الوصاية، أي وصاية ما عدا الإيرانية.

 

* باحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.