الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فوز إمام أوغلو... بداية نهاية "عملاق" السياسة التركيّة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

تقويم النتيجة الأولى

تكمن المفارقة في أنّ الحزب الحاكم تمتّع بفترة زمنيّة مقبولة لإعادة تقييم النتائج وتصحيح الأخطاء السابقة إضافة إلى اعتماد تكتيكات انتخابيّة جديدة. استخدم "العدالة والتنمية" خلال الحملة السابقة خطاباً استقطابيّاً حادّاً بينما تجنّب "الشعب الجمهوريّ" ذلك عبر التركيز على القضايا الاجتماعيّة عوضاً عن المسائل السياسيّة الخلافيّة. يبدو أنّ ذلك أثمر نتائج إيجابيّة بالنسبة إلى إمام أوغلو وهي عبّرت على الأرجح عن مجتمع تركيّ أنهكته خطابات التراشق الحادّة.

جاء ذلك في وقت تعاني تركيا من نسبة بطالة تخطّت 14% بدءاً من نيسان الماضي، ومن المتوقّع أن تستمرّ على هذا المنوال الشهر المقبل على الأقل. أمّا في الفترة نفسها من السنة الماضية فقد بلغت 10.1%. كذلك انكمش الاقتصاد التركيّ بنسبة 3% في الربع الأخير من السنة الماضية مع توقّعات بانكماشه حوالي 0.3% إضافيّة هذه السنة. كذلك، خفّضت وكالة "موديز" التصنيف الائتمانيّ التركيّ إلى درجة عالية المخاطر منذ حوالي عشرة أيّام.


خلال الحملة الثانية، بدا أنّ الرئيس التركيّ تفادى مهاجمة أوغلو بالاسم، لكنّه ذكّر بماضي حزبه المناهض للمتديّنين. على الرغم من ذلك، لم ينتج هذا الأسلوب المكسب المنتظر، خصوصاً أنّ أوغلو اعترف بأخطاء الماضي وركّز على مستقبل لا يستثني أحداً من المواطنين الأتراك بمن فيهم مناصرو "العدالة والتنمية". كذلك، يظهر أنّ تركيز أوغلو على المشاكل الاقتصاديّة أدّى فعله في قسم كبير من مواطني اسطنبول، خصوصاً بعدما انتقد التبذير الذي حدث في الإدارات السابقة.

أسلوب جديد

في هذا الوقت، أشار بعض النقّاد إلى طريقة ترشيح بن علي يلدريم الذي تأخّر في تقديم استقالته من رئاسة المجلس النيابيّ وكأنّه ذاهب إلى منافسة محسومة النتائج سلفاً. لكن في الحملة التي سبقت انتخابات يوم أمس، ركّز يلدريم على الاختلاط أكثر مع الناخبين والتقاط الصور معهم، وهو أسلوب لم يستطع تعديل كفّة الميزان. وفي مشهد الانتصار ثمّة دلالة لافتة إلى أنّ أوغلو، رجل أعمال ورئيساً سابقاً لبلديّة أحد أحياء اسطنبول، استطاع هزيمة رجل سياسيّ بارز كان وزيراً للنقل وآخِر رئيس للحكومة التركيّة قبل التعديل الدستوري وإلغاء المنصب ورئيساً للمجلس النيابيّ. يظهر ذلك أنّ سكّان اسطنبول لم يقيموا وزناً كبيراً للإرث السياسيّ خلال عمليّة الاقتراع.


علاوة على ذلك، كان هنالك حوالي 1.7 مليون ناخب ينتمي معظمهم للحزب الحاكم لازموا منازلهم في 31 آذار. هدف مسؤولو "العدالة والتنمية" إلى تعبئتهم لإعادة الانتخابات، لكن من دون أن ينجحوا في ذلك. باستثناء صفقة "أس-400"، لم ينسَ إروغان تفادي مشكلة أكبر مع الولايات المتّحدة فأطلق سراح المواطن الأميركيّ من أصل تركيّ سيركان غولجِ خلال الحملة الانتخابيّة كما أبقى على الاتّصال الهاتفيّ مع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. من جهة ثانية، سمح أردوغان لرئيس حزب العمّال الكردستانيّ عبدالله أوجلان بمقابلة محاميه لأوّل مرّة منذ سنوات كي يستطيع أقلّه تحييد الصوت الكرديّ، لكن من دون جدوى.

منافسة لإردوغان على الرئاسة؟

في حديث إلى "نيويورك تايمس" قارن مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سونر كاغابتاي بين أوغلو وأردوغان الشاب، لتمتّعهما المشترك بمواقف حيويّة وروحيّة ثوريّة ذاكراً أنّ أوغلو "أصبح إردوغان الجديد". يثير ذلك المزيد من التوقّعات حول ما إذا كان أوغلو سيشكّل المنافس الحقيقيّ لإردوغان في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. فالمفارقة تكمن في أنّ إردوغان أطلق مسيرته السياسيّة عندما تولّى رئاسة بلديّة اسطنبول أواسط التسعينات. ومع بدء المقارنات الزمنيّة والشخصيّة إضافة إلى الزخم الذي يتمتّع به أوغلو، تصبح الاحتمالات أكثر جدّيّة.



لكن بالمقابل، لا يمكن تخطّي واقع أنّ تحالف "العدالة والتنمية" و "الحركة القوميّة" حصدا حوالي 52% من الأصوات التركية على المستوى العام في انتخابات آذار. وبالتالي، لا تزال الصورة غامضة بالنسبة إلى كيفيّة سيرورة الأمور بعد أربع سنوات بالنسبة إلى الرئاسة التركيّة. غير أنّ ما تحقّق أمس قد يترك تداعياته على المدى القريب.


هل يستسلم "العملاق"

تمثّل اسطنبول، إلى جانب كونها مسقط رأس إردوغان، محرّكاً اقتصاديّاً ضخماً بالنسبة إلى تركيا إذا تساهم بأكثر من 30% من إجماليّ الناتج المحلّي للبلاد. من هنا، لا يستبعد أن يجسّد فوز أوغلو خسارة مصدر إيرادات بارزة للحزب الحاكم. كما أنّ تمكّن "الشعب الجمهوريّ" من إيصال مرشّحه إلى رئاسة بلديّتها قد يؤدّي إلى فتح دفاتر طريقة إدارة "العدالة والتنمية" لأموال البلديّة واحتمال تورّطه في مسائل فساد، ممّا يؤدّي إلى ضرب صورة الحزب الحاكم في السنوات المقبلة.



لذلك، ومع أنّ إردوغان ويلدريم هنّآ أوغلو على الفوز ليلة أمس، من غير الواضح ما إذا كان الرئيس التركيّ سيتخلّى بسهولة عن رئاسة البلديّة، خصوصاً أنّه تحدّث ليلة الخميس الماضي عن إمكانيّة الطعن بفوزه في حال تبيّن ضلوعه في توجيه إهانة لأحد المسؤولين خلال مشادّة كلاميّة. وتحرّك القضاء التركيّ بحقّ رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش بسبب مخالفة مهنيّة يمكن أن يكون قد ارتكبها منذ سنوات عدّة. تشي هذه الخطوات بأنّ احتفاظ "الشعب الجمهوريّ" برئاستي بلديّتي اسطنبول وأنقرة قد لا يكون مضموناً. كذلك، بدأت تركيا اليوم محاكمة عدد من الناشطين ورجال الأعمال الأتراك بسبب تهم بمشاركتهم في مظاهرات متنزّه جيزي في اسطنبول والتي يبدو أنّها إلى اليوم لا تزال تقلق السلطات التركيّة.



في نهاية المطاف، تكثر التحليلات التي تشير إلى احتمال بروز تغيير جوهريّ في المشهد التركيّ. ذكر ناشر الشؤون الدوليّة في صحيفة "فايننشال تايمس" البريطانيّة دايفد غاردنر أنّ "خسارة اسطنبول تمثّل "بداية النهاية لعملاق السياسات التركيّة في هذا القرن". ولهذا السبب تحديداً، لن يكون عبثيّاً التساؤل عمّا إذا كان هذا "العملاق" سيتقبّل هزيمة اسطنبول بسهولة. غير أنّ المؤشّرات الأوّليّة قد لا توحي بذلك.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم