الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

متطوعو "فرح العطاء" تحت أرض قصر العدل وفهد لـ"النهار": "يضخّون الرجاء"

المصدر: "النهار"
كلوديت سركيس
كلوديت سركيس
متطوعو "فرح العطاء" تحت أرض قصر العدل وفهد لـ"النهار": "يضخّون الرجاء"
متطوعو "فرح العطاء" تحت أرض قصر العدل وفهد لـ"النهار": "يضخّون الرجاء"
A+ A-

لا شيء سوى الغبار وعبقته عند مدخل المستودع المنسي من زمان. هي تغطي الملفات والمكان. ملفات من الخمسينيات مشردة هنا وهناك. تتضمن حقوق المتقاضين في محكمتي التمييز الجزائية والمدنية. وتشكل أرشيف هاتين المحكمتين في قصر العدل في بيروت المبعثر على الرفوف وفي الخزائن مع مرور الزمن منذ الحرب والقذائف التي استهدفته في الثمانينات حين اتت الحرائق التي خلفتها على جزء منها.

وفي زمن السلم بقيت الملفات تُشَقع فوق بعضها. الى أن أتى الفرج على يد شابات وشبان متطوعين في جمعية "فرح العطاء"، عقدوا العزم على ترتيب ما خلفه الزمن من فوضى ورائحة عفن وغبار. وشمروا عن سواعدهم لترتيب هذا النفق وتوضيبه وتنظيفه وإعادته الى الحياة. وجوهم التي اختلطت بالحماسة والغبار تبعث على الامل، يعملون بصمت على نحو منظم. توزعوا على طاولات مجموعات لاعادة توضيب الملف، فيما مجموعات أخرى تنفض الغبار حتى غمرت الوجوه والنظارات واللباس. إنتشروا في هذا المستودع ورائحة شغف العطاء تتعالى من حركتهم والتزامهم في إكمال هذه المهمة الصعبة في مؤسسة عامة عنوانها العدالة. هم يشاركون في إعطائها بإيمان ورجاء بشعور مفعم بالعزم والتحدي يتركه هؤلاء الطلبة الجامعيين في النفوس من خلال ما يؤدونه من مهمة لا يعرف مشقتها وأهميتها إلا من يعايشون قصر العدل .

ولبدء الورشة فصل الشبان في الجمعية المستودع عن المرآب الطويل بحائط خشبي لتبيت الملفات في الخزائن وعلى الرفوف بأمان مما خرَبه الزمن. الامر كان يحتاج الى همة لتنظيم الوصول الى ملف كان من سابع المستحيلات التمكن منه لتشرده في هذا المستودع. والآن بدأت الامور تعود الى نصابها بهمة متطوعي "فرح العطاء" ومشاركة رئيسها المحامي ملحم خلف ميدانيا بالعمل معهم، وكذلك عميد الطلبة في الجامعة اللبنانية الاميركية والمساعد القضائي المتقاعد منذ عام 2010 محمد موسى الذي يحضر من بلدته زبدين في قضاء النبطية خصيصا متطوعا قديما في الجمعية ليؤازر المتطوعين. فتعددت الوجوه المغطاة بالكمامات إتقاء من موجات الغبار الضبابية ورائحتها، مثل تعدد الايادي الفتية المغطاة بالقفازات.

معاونة القطاع العام

حضر وزير العدل ألبرت سرحان الى مكان الورشة وإطلع على عمل المتطوعين. يخبر رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد "النهار" الذي كان معهم أيضا انه شارك في عملية التنظيف والترتيب الخميس الماضي عندما أحضر معه ملابس خاصة بهذا العمل الى ديوان مجلس القضاء وشمَر عن ساعده بدوره. ويقول عن ظاهرة الشابات والشبان الذين يعملون كخلية نحل لازاحة هذا الهم عن الصدور أن" ثمة أزمنة يقتضي الافادة منها. فمنذ أحداث عام 1985 وإصابة محكمة التمييز وإحتراق قسم من ملفاتها جرى نقلها الى هذا المستودع وجرى توضيبها ولكن مع الزمن تحتاج الى إعادة ترتيب وتوضيب والتأكد من وضعها مع إعادة الكشف على الملفات المتضررة. يجري إعادة تأهيلها بتنظيفها وترتيبها والتأكد من كل الملفات وفقا لدفاتر السجلات القديمة للملفات. حتى إذا انتهى العمل يكون قد عُرف مكان كل ملف تمهيدا لمكننة هذه السجلات التي تسهل عملية الوصول الى الملف". ويضيف ان "الورشة ماضية بمساعدة "فرح العطاء" ومساعدين قضائيين لتتولى بعدها الاقلام دورها في الارشفة".

ويرى في حماسة المتطوعين الشباب "أملا للبنان فهم مستقبله أنزلوا الفرح في قلوبنا ولبنان يتجدد دائما مع كل جيل جديد ويضخون رجاء جديدا وتجددا وإنطلاقة مستمرة. يقومون بعمل مهم للأقلام والمواطنين. فهذه الملفات هي حقوقهم ويتم الحفاظ عليها. وكل منها ينطوي على حق نحافظ عليه". ويصف القاضي فهد ما يشاهده من "إندفاع العنصر الشبابي اللبناني بعطاء مجاني وخطوة جميلة في تعاونه مع القطاع العام ويثبت تمسكه بالدولة ومؤسساتها. ويشكل اليوم خطوة نحو تمسكه بالقضاء اللبناني وأهميته ودوره في دولة القانون وحفظ حقوق الناس".

حس المواطنة

وبلباس العامل مع رفاقه في الجمعية يقول خلف: إختبرت "فرح العطاء" كل أنواع التغيير للمجتمع. واليوم راجعت نفسها واتجهت نحو رافعة الوطن الذي هو القضاء. فاذا اردنا النظر الى كيفية النهوض ببلدنا نكون نتطلع الى كيف يستطيع القضاء ان يرفعنا الى أعلى ،وكيف يمكن ان نساعد ، وتبين لنا انه يجب ان نشمر عن سواعدنا لنرى كيف يمكن ان نساند السلطة القضائية. فعندما تعرف هذه السلطة مدى مساندة المواطنين لها عندها تشعر بمدى وقوفها الى جانب المواطن. نحن هنا كمواطنين وليس كجمعية لاننا نحب لبنان وسنبقى فيه لانه بلدنا .ويجب ان نعرف كيف نحافظ عليه . سنغير ما يوجعنا فيه".

ويضيف "ينطلق عملنا من ثلاثة مبادىء . الكبدأ الاول مبدأ أساسي هو حس المواطنة المجرد من أي مصلحة ، والذي يؤكد على الخدمة المجانية التي يجب ان نتحلى بها دائما. والمواطن الصالح هو الذي يعطي من ذاته من دون أي تردد. المبدأ الثاني هو ان وراء كل ملف حقوق للناس يبحثون عنه وعلى المحاكم ان تتمكن من الوصول إليه لبته. فثمة مشكلة في الوصول الى هذه الملفات وكانت الحاجة الى همة لتوضيبها وترتيبها وتنظيفها وإعادة جدولتها وتنظيمها. فحقوق الناس أساسية. والمبدأ الثاث قناعتنا أن القضاء هو رافعة الوطن ،وحجر الزاوية في إعادة بنيان البلد ومن دونه لن يكون أي تحول لا بالنسبة الى الفساد او إعادة المحاسبة . كله كلام رنان نسمعه. نحن نريد أن ندعم السلطة القضائية. وكل ما نفعله هو لنقول للناس أن ثمة رجاء في لبنان. وهذا ما نركز عليه دائما لايماننا انه لا يمكن لأحد أن يغير في بلدنا إلا نحن. وهؤلاء الشبان والشابات الذين قدموا من عكار وطرابلس والنبطية وبيروت والزلقا هم جامعيون في الغالب وفي كليات الحقوق .هم المستقبل .كما ساعدنا قضاة متدرجون وابناء قضاة. كل ذلك يبين مدى إلتزامنا بما نفعله ولتسليط الضؤ على إمكانية التغييرمن خلال ذواتنا . فكفى تهبيطا للعزيمة وأمثولات كلامية، ليشمروا عن سواعدهم ويقدموا على مبادرة ونحن نعاضدهم".

عميد الطلبة في كلية الجامعة اللبنانية الاميركية الدكتور مكرم عويس بالكاد بانت عيناه لاكتساء وجهه وملابسه بالغبار يقول وهو يحمل فرشاة التنظيف في يده  أشارك في التنظيم والتنظيف من خلال فرق عمل تعمل على تخلية هذه الممر الطويل لنتمكن من طلاء الجدران وتنظيف الرفوف ".


مواطن صالح

ويشير المتطوع في الجمعية المساعد القضائي المتقاعد محمد موسى ان ثمة ملفات لم يتم مسها منذ أن إنتقلت العدلية من مكانها القديم في جزء متواضع للمحاكم من السرايا الحكومي الى مكانها الحالي . وهو يتذكر حضوره جلسات محاكمة في العدلية القديمة يقول ان حملة التنظيف بدأت منذ حوالى شهر. نحاول حفظ الملفات في مكان مرتب لا نش فيه وبتسلسل يسهل الوصول إليها مراعاة لحقوق الناس. وعندما تضيع ملفات فهذا يعني ان ثمة حقوقا ضاعت. والجمعية في عملها فرحة بالعطاء. وسنثابر في هذه العملية حتى الانتهاء منها بعد حوالى شهرين". ويتطلع الى تنظيف مستودعات أخرى في العدلية.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم