الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الفدراليّة اللبنانيّة: جغرافيّة أم طوائفيّة أم سياسيّة؟

د. ميشال الشمّاعي
الفدراليّة اللبنانيّة: جغرافيّة أم طوائفيّة أم سياسيّة؟
الفدراليّة اللبنانيّة: جغرافيّة أم طوائفيّة أم سياسيّة؟
A+ A-

تبرز الفدراليّة في التعريف العلمي للمصطلح على أنّها شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيه مقسّمة دستوريًّا بين حكومة مركزيّة، أو حكومة فدراليّة، أو اتّحاديّة، ووحدات حكوميّة أصغر للأقاليم، أو الولايات؛ ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمداً أحدهما على الآخر، وتتقاسمان السيادة في الدّولة. وتتعدّد الأنموذجات الاتّحاديّة الفدراليّة بين دولة وأخرى في العالم، بحيث لكلّ واحدة خصوصيّتها التي تميّزها عن غيرها.

في العالم سبعة وعشرون بلدًا ركيزتها النّظام الاتّحادي الفدرالي. أتى هذا النّظام لتنظيم الاختلاف الموجود بين المجموعات البشريّة على اختلاف تنوّعها. بعضها اعتمد تنظيم الاختلاف القومي أو الإثني، كسويسرا مثلاً، ومنها من اعتمد تنظيم الاختلاف الطائفي المذهبي والديني، كما هي الحال في يوغوسلافيا السابقة؛ ومنها من اعتمد النّظام الفدرالي لتنظيم الاتّساع الجغرافي للمناطق والأقاليم التي تشكّل كيانات شبه مستقلّة في دولة واحدة، مثل الولايات المتّحدة وألمانيا. وبقيت بعض الدّول حتى تاريخ اليوم، تسعى إلى إدارة تنوّعها واختلافها في أنظمة مختلفة، لكنّها لم تتوصّل إلى الحلّ، ومنها لبنان الذي تتداخل فيه الأسباب الخلافيّة بسبب تشعّبات التعدّديّة الموجودة بين أبنائه الذين يشكّلون مجموعات حضاريّة محتلفة.

من المهم فهم هذه التعدّديّة اللّبنانيّة القائمة على تنوّع المجموعات الحضاريّة فيه التي يحاول بعضهم حصرها تحت المسمى الطائفي – المذهبي. إلا أنّ التعدديّة اللّبنانيّة هي حضاريّة بامتياز، حيث لكلّ مجموعة مميّزاتها الحضاريّة، تبدأ بالعادات والتقاليد المناطقيّة الجغرافيّة، ولا تنتهي بالتراث الفكري الطائفي لكلّ مجموعة حضاريّة. من هنا، برز الخلاف في لبنان حول التّسميات التي من الممكن أن يحملها النّظام السياسي الفدرالي.

تجدر الإشارة إلى أنّ نظام المتصرّفية الذي نشأ في لبنان سنة 1860 حمى الكيانيّة اللبنانيّة لمدّة خمسين سنة لم تشوبها أيّ شائبة خلافيّة مع نموّ زراعي وصناعي-زراعي بغضّ النّظر عن طبيعة الجبل القاسية. فهذه تجربة تستحقّ التكرار والتطوير اليوم لنجاحها؛ لكنّ التعنّت السياسي اللبناني، والإصرار على دمج الزيت مع المياه، لهو ضرب من ضروب المستحيل. ولم تمنع هذه الصيغة السياسيّة يومًا طبيعة العيش معًا التي تنظّم ضمن إطارها المجتمع اللبناني التعدّدي.

لذلك، حصر الفدراليّة في التوزيع الطوائفي والمذهبي سيقزّم القدرة الحضاريّة اللّبنانيّة ويحصرها في كيانات لن تستطيع أن تشكّل اتّحادًا لأنّها ستحافظ على خلافها، ممّا سيزيد من شرذمة للوطن وبالتّالي ستتجدّد النزاعات عند كلّ مفصل. مع العلم أن التداخل الديموغرافي لا يمكن التّغاضي عنه في لبنان بسبب التلاحم العائلي بين مختلف مجموعاته الحضاريّة التي تشكّل مجتمعة: الشّعب اللبناني. هذا الشعب الذي اتّهموه بكونه مجموعة شعوب لم تستطع التّحوّل إلى شعب واحد. من هنا، تبرز الحاجة إلى فدراليّة تجمع بين الجغرافيا اللبنانيّة والديموغرافيا التي تكوّن المجموعات الحضاريّة فيه، مع مراعاة الفكر السياسي الحضاريّ. وذلك لتفادي عمليّات الانتقال التي قد تحصل بين ولاية وأخرى نتيجة للاختلافات التي قد لا يجد لها النّظام الفدرالي للولاية أو الاقليم أيّ حلّ تنظيميّ.

يبقى أن نشير إلى أنّ الزيارات التي قام بها المغفور له المثلث الرحمات البطريرك مارنصرالله بطرس صفير قد رسم فيها الحدود الجغرافيّة لكيانات المجموعات الحضاريّة، من جزّين ومرجعيون وحاصبيّا جنوبًا إلى جبّة بشرّي والقبيّات شمالاً، مرورًا بالعاصمة بيروت، وزحلة ودير الأحمر والقاع بقاعًا. مع العلم أنّ البطريرك صفير، عرّاب اتّفاق الطّائف الذي وضع أسس الصيغة السياسيّة اللبنانيّة القائمة على المناصفة السياسيّة الميثاقيّة في إطار نظام لامركزي إداريّ موسّع.

لذلك كلّه، يبقى الجمع الجغرافي- السياسي بين المجموعات الحضاريّة في لبنان، تحت عنوان النأي بالنّفس الذي تمّت تجربته في زمن الرئيس سليمان، وأظهر نجاح هذه التجربة؛ هو المعيار الوحيد الذي قد تبنى عليه الصيغة السياسيّة الجديدة، من دون الحاجة إلى أيّ ترانسفير طائفي، ومن دون الحاجة إلى أيّ مؤتمر تأسيسيّ لأنّ الكيان، والدولة، والجمهوريّة، والشعب، وعقيدة الدّفاع عن الوطن، والسياسة الخارجيّة، كلّها متّفق عليها في اتّفاق الطائف. وهذا الطرح هو للنقاش لما فيه من خير وسلام لوطننا الغالي لبنان. فهل من يتّعظ؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم