الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

مبدأ الديون البغيضة في القانون الدولي ومدى إمكان إفادة الدولة اللبنانية منه

المصدر: "النهار"
باسكال فؤاد ضاهر- محامٍ ودكتور في الحقوق
مبدأ الديون البغيضة في القانون الدولي ومدى إمكان إفادة الدولة اللبنانية منه
مبدأ الديون البغيضة في القانون الدولي ومدى إمكان إفادة الدولة اللبنانية منه
A+ A-

نشأت نظرية الدين البغيض أو  Odious debt في العام 1927، في مؤلّفَين للفقيه الروسي ألكسندر ناوموفيش زاك (Alexander Naumovich Zak) المتخصص بالتشريعات المالية الدولية، موضوعهما "إلتزامات الأنظمة الوارثة"، أحدهما بعنوان "آثار تحوّلات الدول على ديونها العامة والتزاماتها المالية الأخرى – دراسة قانونية ومالية"، والثاني بعنوان "أيلولة الديون العامة للدولة".

واعتبر زاك طيَّ مؤلّفَيه أنّ الديون البغيضة هي ديونٌ شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة ككل، طالما أنها لم تؤدِّ إلى تلبية احتياجات أو مصالح الدولة، بل استُخدمت لتدعيم النظام على حساب المواطن وتوزيع المغانم على الفئة الحاكمة دون النظر إلى حقوق الشعب.

وأكّد أيضاً أنّ الديون تمثل الحكومة وليس الدولة التي تعني الأرض وليس الكيان الحكومي المحدد. وهذه الديون البغيضة يتم التعاقد عليها واستخدامها في أغراض يعرف المُقرض أنها تخالف احتياجات ومصالح الأمة، ومن صورها الزيادة في ثروات القابضين على النظام في البلد المعني، ومن والأهم من أشخاص مستعارين مقابل الزيادة المطردة في نسبة الفقر في هذا البلد، حينها يكون هذا الدين غير ملزم للأمة بل هو دين مترتب على النظام، أي هو دين شخصي تعاقد عليه الحاكم ليس إلاّ.

وقد تنامت هذه النظرية في القانون الدولي بحيث أقّر مفاعيلها المؤتمر الدولي المنظّم من قبل الأمم المتحدة لتمويل التنمية المنعقد في مونتيري، المكسيك، تاريخ: 18-22 آذار/2002، لاعتماده مبدأ يوجب علـى المدينـين والدائنـين اقتسـام مسـؤولية المشـاكل المتصلة بـالديون غـير المقـدور علـى تحمّلـها، ومؤكداً في هذا الإطار على أنه ولتخفيف عبء الديون ينبغي اتخاذ تدابير تنفَّذ بصورة حثيثة وعلـى وجـه السـرعة، مشيراً إلى إمكانية إلغـاء هذه الديـون وغـير ذلـك من الترتيبات عند الاقتضاء.

أما الخبير الدولي المعيّن من قبل الأمم المتحدة، فذكر في تقريره المساق تحت عنوان "آثار الديون الخارجية للدول وما يتصل بها من إلتزامات مالية دولية أخرى في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان وخاصة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية"، المقدّم منه سنداً لقرار مجلس حقوق الإنسان الرقم 25\\16، والمرفوع من قبل أمين عام الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة بتاريخ 7 آب/2014، أنّ الإنتقال إلى السلام يمثّل تحدّياً سياسياً وقانونياً واقتصادياً كبيراً من زاوية محاسبة الدول أو الجهات الفاعلة من غير الدول على ما قامت به خلال فترات الصراع، وفي الحالات التي يكونون بالإضافة إلى غيرهم من الجهات الإقتصادية الفاعلة قد ساهموا مالياً في نجاح الحكومات التي انتهكت بشكل صارخ حقوق الإنسان.

ومن هذا المنطلق، أعلن مجلس حقوق الإنسان في دورته الرابعة والثلاثين، تاريخ: 27  شباط - 24 آذار/2017،  أنّ عبء الديون المتزايد الذي تواجهه أشدّ البلدان النامية مديونية، وهو لا يُحتمل، يشكّل إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون إحراز تقدّم في تحقيق تنمية مستدامة محورها الإنسان، التي من المفترض أن تكون هادفة إلى القضاء على الفقر، مشيراً بالتالي إلى أن خدمة الديون الباهظة تحدّ بشدة من قدرة كثير من البلدان النامية وحتى بعض البلدان المتقدمة على النهوض بالتنمية الاجتماعية وتقديم الخدمات الأساسية من أجل تهيئة الأوضاع الضرورية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأعرب عن قلقه من أنّه وعلى الرغم من إعادة جدولة ديون البلدان النامية مراراً وتكراراً، لا تزال تسدد سنوياً مبلغاً أكبر من المبلغ الفعلي الذي تتلقاه كمساعدة إنمائية رسمية، كما كرّر تأكيده على أنّ أنشطة صناديق الاستثمار الانتهازية تحول دون تمكين المواطن من التمتع بحقوقه، وخلص إلى الطلب من الدول أن تنظر في تنفيذ أطر قانونية لتقليص أنشطة صناديق الاستثمار الانتهازية الجشعة داخل ولاياتها القضائية.

لذا، نرى أنه من الجدير الإحاطة بما تقدّم لناحية إمكان اعتماد هذا المبدأ في التعاطي مع الجهات الدولية والداخلية، للقول إنّ الديون المطلوب تسديدها هي ديون بغيضة. وممّا يعزّز ذلك القيمةُ الباهظة للديون المطلوب تسديدها وحقيقة الواقع المعيشي للمواطن اللبناني الفاقد لأيّ من مقومات الحياة السليمة إضافةً إلى الزيادة المحققة في نسبة فقر المواطنين مقابل تجمع رأس المال بيد فئة محددة، وعدم تنفيذ أيّ مشروع يحقق زيادة في معدلات التنمية، فضلاً عن التنفيذ الخاطئ للمشاريع. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الدائن، حال استثماره، كان على علم مسبق أنّ مخاطر عدم التسديد عالية، فالإقتصاد في الدولة اللبنانية هو ريعيّ وبالتالي فإن إمكانيات الدولة في اقتصادها غير سليمة؛ وبالرغم من ذلك، تعمّد الدائن القبول بالمخاطرة غاضًّا طرفه عمّا تمّ بيانه.

تجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى القرارات التي قد يذهب إليها البرلمان الأوروبي بعد جلسته التي عقدت بتاريخ 14\\11\\2019، حول تحقيقه في مصير الهبة المشروطة المقدمة من الإتحاد الأوروبي والتي لم تستثمر في بناء معمل فرز للنفايات في مدينة الفيحاء.

وقد يكون من المفيد بيان صور هذه القروض الدولية البغيضة، المحددة كالآتي:

*صورة الدين غير المشروع  

هو دين لا يمكن أن يُلزِم المُدين على تسديده لأنّ أساسه، كما السندات المالية، والضمانات أو الشروط والأحكام التي تتعلق به، مخالفة للقانون (الوطني والدولي على حد سواء)، أو للمصلحة العامة، أو لأن الشروط والأحكام المتعلقة بهذه القروض وفوائدها غير عادلة، وقاسية، وتعسفية، أو غير مقبولة، لأنها تتضمن تدابير سياسية تنتهك القوانين أو المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، أو لأنه دين ناتج عن تحويل دين خاص (أو تجاري) إلى دين عام بضغط من الدائنين، والأهم، كما في حالتنا، إذا لم يستعمل القرض لصالح الشعب.

صورة الدين غير القانوني  

هو دين ينطوي على خطأ جسيم من جانب الدائن (كاللجوء إلى استخدام الرشوة، أو التهديد، أو النفوذ). ويمكن أيضاً أن يتعلق الأمر بدين يحتوي على شروط مخالفة للقانون الدولي أو المصلحة العامة.

صورة الدين البغيض  

هو دين ينتهك المبادئ الديموقراطية (التي تشتمل على الموافقة والمشاركة والشفافية والمراقبة والمسؤولية)، واستُخدِم من قبل النظام ضد المصالح العليا لشعب الدولة المدينة، أو قد جرى نهبه والإستيلاء عليه بشكل ممنهج من قبل رجالات النظام، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال ابتكار مشاريع وهمية و/أو تنفيذها بصورة سيئة ومتصلة بأشخاص و/أو شركات مستعارين لحكام ذاك البلد؛ أو دين ينتج عنه إنكار الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية للمواطنين، مع علم الدائن بما تقدم أو قدرته على ذلك. وفي هذا النوع من القروض، لا تشكل موافقة السلطة التشريعية في البلد المقترض عذراً يحول دون تحقيق المسؤولية ودون وصف هذه الديون بالبغيضة، ذلك أنّ البرلمان في هذه الدول ليس ناطقاً باسم الشعب بل يمثّل أداةً بيد النظام، الأمر الذي دفع الخبير المستقل المعنيّ المعين من قبل الأمم المتحدة إلى القول في تقريره إنّ حلّ هذه الشائكة يتحقق من خلال صدور إعلان مشروعية هذه الديون من عدمها عن آلية دولية للتحكيم.

صورة الدين الذي لا يُحتمل  

هو دين لا يمكن تسديده دون إحداث ضرر بالغ بقدرة الدولة المدينة على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان الأساسية، كالتي ترتبط بمجال التربية والتعليم، والماء، والرعاية الصحية، وتوفير السكن اللائق، أو الاستثمار في البنى التحتية العامة والبرامج اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أو يمكن أن يكون ديناً سوف يؤدي تسديده إلى عواقب وخيمة على مواطني الدولة المدينة والتي تتضمن تدهور مستويات المعيشة الضرورية.

وفي هذا البحث المقتضب، نورد أنّ نظرية الديون البغيضة قد تمثّل سلاحاً بيد الدولة اللبنانية يمكّنها من مواجهة الدائنين من جهة، وإسباغ الحماية على المواطن اللبناني من جهة أخرى، لا سيما أنّ جميع صور هذه الديون البغيضة المساقة أعلاه متحقّقة في حالة الديون المطالبة بتسديدها الدولة اللبنانية، مؤكدين أيضاً على فاعلية هذه النظرية واتخاذها مساراً تنفيذياً، لاعتمادها وللاستفادة من مضمونها من قبل عدد من الدول كإعلان رئيس جمهورية الإكوادور "رافائيل كوريا" في شهر كانون الأول من العام 2008، أنّ الديون الوطنية على الإكوادور هي ديون بغيضة وغير شرعية بحجّة أن الذي لجأ للتعاقد عليها هو النظام السابق الفاسد والمستبدّ.

وقد نجح في تخفيض الديون قبل مواصلة دفعها. وأيضاً، لجأت "هاييتي" بعد أن أطيح برئيسها "جان كلود دوفالييه" إلى هذه النظرية، واعتمدت مساراً يهدف إلى إلغاء ديونها للمؤسسات المتعددة الأطراف، والحجة في ذلك كانت عدم استخدام هذه الأموال بطريقة فضلى تحقّق مصلحة الشعب. وفي شهر شباط من العام 2008 صدر قرار عن مجلس النواب الأميركي بتأييد 66 عضوًا قضى بإلغاء ديون هاييتي.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم