الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

تلوّث الليطاني... الدولة لم تصرف الاعتمادات وتمعن فساداً

المصدر: "النهار"
علي عواضة
علي عواضة
تلوّث الليطاني... الدولة لم تصرف الاعتمادات وتمعن فساداً
تلوّث الليطاني... الدولة لم تصرف الاعتمادات وتمعن فساداً
A+ A-

اختلاط مياه نهر الليطاني جنوباً بالمياه الآسنة أمر بات معلوماً للجميع، وتلوث قعر بحيرة القرعون أصبح أمراً طبيعياً بالنسبة للدولة اللبنانية، لا بل أصبحت تتعامل مع الملف وكأن التلوث من الكماليات، حتى أنها قررت حجب الاعتمادات من الموازنة العامة لعام 2020 المخصصة لرفع التلوث عن حوض نهر الليطاني والتي نصّ عليها القانون 63 لعام 2016.

ورغم حجم التحديات الكبيرة التي تفرضها قضية الليطاني نظراً لما فيها من تهديد للثروة المائية وصحة اللبنانيين، تتعامل السلطة التنفيذية مع هذا التحدي بكثير من الاستخفاف، فيما الأموال المخصصة للوزارات لم تصرف بعد لمعالجة الأزمة، بينما محطتا التكرير في المرج وتمنين ما زالتا تنتظران الفرج لإنشائهما.

المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية، أكد في حديثه لـ"النهار"، أن "الحلّ يكون بتوقف الدولة عن تلويث نهر الليطاني من خلال إقامة وتشغيل مشاريع الصرف الصحي بشفافية، ومن خلال إقفال دكاكين تراخيص وأذونات استثمار المحافر والمقالع والكسارات".

علوية، أكد أن المشكلة الأساسية ليست بالتمويل لكون 80% من الاعتمادات لم تصرف، بل بالإهمال والهدر، والمشكلة هي بالفساد وانعدام المسؤولية، مطالباً الحكومة الجديدة بتطبيق القانون رقم 63، ومتابعة خارطة الطريقة، وصرف الاعتمادات في وزارة المالية للوزارات، مطالباً بالشراكة بين الوزارات والمجتمع المدني والإعلام لإنقاذ المنبع الأول للمياه في لبنان.

واتهم علوية الدولة بتلويث النهر من خلال السكوت عن إهمال الوزارات المعنية وصرف مياه الصرف الصحي لمجرى النهر، ومن خلال استيراد الأسمدة التي تستعمل من قبل المزارعين في محيط النهر، ومن خلال إعطاء التصاريح للمصانع التي ترمي داخل مجرى النهر، والمشكلة تحوّلت لأكثر من خطيرة، فالمواطنون معرضون لشتى أنواع الأمراض نتيجة وجود نهر يضم 46 مليون متر مكعب من المجارير، وآلاف الهكتارات المروية بالصرف الصحي.

في بداية عام 2019، قامت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بأخذ عينات من مياه الشفة من الشبكة التي تصل إلى المشتركين في عدة بلدات بقاعية. وجاءت النتائج كالتالي:



المساحات المروية بالصرف الصحي

إن المساحات التقديرية للأراضي الزراعية الواقعة ضمن مسافة 2 كلم من جانبي النهر تبلغ حوالي 8396 هكتاراً وذلك بالاعتماد على خرائط استخدامات الأراضي (LAND USE) حيث إن هذه الأراضي كلها قابلة للريّ من النهر بشكل مباشر عبر مضخات زراعية. وبحسب المعنيين والخبراء في المنطقة، فإن أكثر من 1000 هكتار من هذه الأراضي يُروى حالياً من النهر والروافد مباشرة، أي من مياه ملوثة بالصرف الصحي بنسب متفاوتة. وكانت الدولة اللبنانية قد أتلفت حوالي 20 هكتاراً منها في الصيف الماضي. والجدير بالذكر أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني كانت أوقفت العمل بمشروع ري القناة 900 الذي يتغذى من مياه بحيرة القرعون لري حوالي 2000 هكتار من الأراضي الزراعية.

عدد السكان الذين يستفيدون من مياه شفة ملوثة

تؤكد نتائج الفحوصات المخبرية التي أجرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في مختبر كلية الصحة التابع للجامعة اللبنانية عدم سلامة مياه الشفة وعدم صلاحيتها للاستعمال المنزلي في عدد من المناطق الواقعة في الحوض الأعلى والتي تتغذى من مصادر شمسين، ما يتطابق مع العديد من الفحوصات المخبرية التي قامت بها سابقاً مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية وكلية الصحة ـ الفرع الرابع، والسفارة الفرنسية في بيروت، إضافة إلى عدد من المختبرات الخاصة. تختلف مصادر التلوث بسبب اهتراء الشبكة حيناً أو تلوث النبع أو البئر أو عدم كفاءة المعالجة أحياناً أخرى.

تشير المعطيات إلى أن عدد المشتركين في محطات شمسين يبلغ 7000 مشترك تقريباً، ويقدر عدد المستفيدين من هاتين الشبكتين حوالي 50000 نسمة. مع الإشارة إلى أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في صدد استكمال الفحوصات المخبرية لمياه الشفة لتغطية كافة التجمعات السكنية الكبيرة الواقعة في الحوض الاعلى.

العدد التقريبي للمقيمين على ضفاف النهر

تفيد المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في تقرير سابق أن عدد النازحين المقيمين ضمن مخيمات على ضفاف نهر الليطاني وروافده قد بلغ 68645 نسمة في حين تبلغ أرقام اللبنانيين المقيمين ضمن القرى القريبة جداً من النهر وبحسب الإحصاءات المركزية حوالي 100 ألف نسمة موزعين على قرى في أقضية زحلة والبقاع الغربي وبعلبك.

كمية الصرف الصناعي غير المعالج

بعد المسح الميداني الذي قامت به المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على المصانع في الحوض الأعلى والتي بلغ عددها 185 مصنعاً، تبين أن معدل تصريف الصرف الصناعي يبلغ 10268 متراً مكعباً يومياً أي حوالي 4 ملايين متر مكعب سنوياً.

والجدير بالذكر أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ستستكمل المسح على كافة المصانع المرخصة أو غير المرخصة والتي يقدر عددها بــ 865 مصنعاً، ما يجعل هذا الرقم قابلاً للزيادة مع عمليات استكمال المسح.

كمية الصرف الصحي غير المعالج

بالاستناد إلى المعطيات والأرقام والإحصاءات المتداولة عن عدد السكان في حوض الليطاني الأعلى يتبين أن معدل التصريف اليومي لمياه الصرف الصحي يبلغ 128154 متراً مكعباً/يوم أي ما يعادل حوالي 46 مليون متر مكعب سنوياً تصب بمعظمها في النهر مباشرة أو تتسرب إلى المياه الجوفية، وذلك في ظل غياب أو تعطل محطات التكرير، وهي تشمل ضمناً الصرف الصحي الصادر عن النازحين في قرى الحوض الأعلى.

الإصابات السرطانية في الحوض الأعلى لنهر الليطاني: حقائق وأرقام



هناك العديد من الإسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان ومن ضمنها الأسباب البيئية كتلوث الماء والهواء. عند التفكير في الأسباب الممكنة وراء الإصابات المرتفعة بالسرطان في الحوض الأعلى لنهر الليطاني، لا يسعنا التفكير إلا بالمشكلة الاساسية التي يتعرض لها لبنان عموماً وسكان حوض نهر الليطاني خصوصاً، ألا وهي تلوث نهر الليطاني الذي تحول إلى نهر للصرف الصناعي والصحي والزراعي، فأصبح ناقلاً للأوبئة والأمراض وأدى إلى تلوث المياه الجوفية والآبار والأراضي الزراعية.

هناك العديد من المواد المصنفة كمواد مسرطنة. يضم الجدول أدناه أكثر خمسة ملوثات مياه منتشرة ومرتبطة بالسرطان اكتُشفت حتى تاريخنا هذا، بالإضافة إلى المصدر المسؤول عن تسربها في المياه، وأنواع السرطان التي يمكن أن تتسبّب بها.

*يتواجد أيضاً الديوكسان بتركيزات عالية في مكبات النفايات وحولها كونه شائعاً في الكثير من المركبات.

بالإضافة إلى هذه الملوثات المثبتة كمواد مسرطنة، هناك العديد من المواد المشكوك في تسببها بالسرطان والتي ما زالت قيد الدراسة، نذكر منها: الفليورايد، رابع كلوريد الإيثيلين والجراثيم.

‌أ. الملوثات المسرطنة في الحوض الأعلى لنهر الليطاني:

1،4-ديوكسان

المصانع المسؤولة عن صرف هذا الملوث في النهر هي مصانع مستحضرات التجميل والمنظفات والدهانات التي بلغ عددها 9 في المسح الأولي (الذي ضم 192 مؤسسة صناعية) الذي قام به الفريق الفني للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، 6 مصانع من أصل 9 كانت ملوثة للنهر وتصب صرفها الصناعي فيه أو في شبكات الصرف الصحي دون أي عملية معالجة.

يتواجد أيضاً الديوكسان بتركيزات عالية جدا في مكبات النفايات كونه شائع في الكثير من المركبات، ان وجود مكب للنفايات في بلدية بر الياس يزيد مشكلة تلوث النهر حيث يتسرب الديوكسان من النفايات في المكب فتزيد نسبته في المياه.

الزرنيخ

تم إعداد دراسة في ربيع صيف 2016 حول نسب الملوثات في نهر الليطاني، ومن بين هذه الملوثات تم قياس نسبة الزرنيخ التي كانت فوق الحد الأقصى المسموح به لصرف الزرنيخ في النهر حسب القرار 1/8 الصادر عن وزارة البيئة في العام 2011 والذي يبلغ 0.1 ملغ/ليتر فقط، وفوق الحد الأقصى المسموح به في مياه الري والذي يبلغ 0.1 ملغ/ليتر أيضاً.

الكروم 6

يصدر الكروم 6 عن عمل مصانع الدهانات والدباغة. يبلغ عدد مصانع الدهانات التي تم الكشف عليها في المسح الأولي 4 مصانع، 3 منها ملوثة للنهر، أي إن احتمال وجود الكروم 6 في مياه النهر موجود.

نواتج التطهير الجانبية السامة

تتواجد البقايا النباتية والحيوانية المتواجدة في نهر الليطاني (أبرزها بقايا المسالخ والمزارع)، عند تسرب مياه النهر إلى المياه الجوفية، تحمل المياه هذه المخلّفات معها فتتفاعل مع الكلور عندما يضاف بشكل عشوائي إلى المياه بهدف تنظيفها من مسببات الأمراض، يقتل الكلور الجراثيم المسببة للأمراض لكنه يتفاعل مع المواد العضوية في البقايا المذكورة أعلاه فيشكل نواتج التطهير الجانبية السامة المسببة للسرطان.

النترات

يوجد عدة أسباب خلف تواجد النترات في النهر، أهمها الإسراف في استعمال الاسمدة التي تؤدي إلى التسرب الزراعي المحمّل بالنترات، بالإضافة الى المزارع التي ترمي مخلفاتها في النهر، ولا يخفى أمر تحويل 69 بلدة في أقضية زحلة، البقاع الغربي وبعلبك، تحويلها الصرف الصحي إلى نهر الليطاني مباشرة.


الوضع البيئي في بحيرة القرعون، للاطلاع على الملف اضغط هنا 


واعتبر الباحث العلمي البروفيسور كمال سليم أن الحوض الأعلى هو المشكلة، أما الحوض الأسفل فمشاكله صغيرة ومعالجتها سريعة.

واعتبر سليم أن المصلحة اتخذت إجراءات جيدة جداً، خصوصاً أن الليطاني هو نهران ولا تواصل بين الجزءين، وحتى سد القرعون هو سد بين الجزءين. عندما يمتلئ السد يصبح 220 مليون متر مكعب، ويصبح في محيطه فائض ويرمى في النهر. إذاً، مصادر الليطاني الأسفل مختلفة عن الأعلى.

وأكد سليم أن المشكلة الكبيرة هي في الجزء الأعلى، وتنقسم مشكلة الليطاني الأعلى إلى قسمين:

غياب محطات التكرير وغياب الموزانات، "وفي حال بدأنا التنظيف من اليوم فإننا أمام 5 سنوات من العمل المستمر لتحسين جودة المياه، ومن المستحيل الوصول إلى صفر تلوث في الليطاني، خصوصاً أن بعض المعامل ترمي سمومها في النهر".

وبحسب سليم، فإن المشكلة لم تتغير، فبحيرة القرعون أصبحت مكباً فعلياً، إذ إن سعتها المطلقة 220 مليون متر مكعب، واستوعبت السنة الماضية 460 مليون، وبدل استفادة الدولة من تلك المياه في الري والشرب فهي لا تُستعمل إلا لتوليد الطاقة نتيجة نسبة التلوث المرتفعة جداً والإفرازات من البكتيريا المضرة.

وأكد "أن صرف مياه المجاري والنفايات الصناعية في الليطاني وبحيرة القرعون، كأحد مصادر المياه، كما غيره من أنهار وبحيرات، له الكثير من المحاذير لأنه يتسبب بحدوث استنزاف ونضوب الأوكسجين الذائب في مياه النهر نتيجة لنشاط الكائنات الدقيقة وخاصة البكتيريا حيث إن أعدادها بالملايين". وتنشط تلك البكتريا، وفق سليم، و"تؤكسد المواد العضوية وتستهلك الأوكسجين الذائب الموجود في مياه النهر ما يؤدي إلى انخفاض تركيز الأوكسجين الذائب، وهذا الانخفاض في تركيزه قد يصل إلى درجة تحدّ من نشاط الكائنات الأخرى كالأسماك، وقد تؤدي إلى نفوقها عند استنفاد الأوكسجين تماماً، وهنا ينشأ ما يُعرف بالتحلل الذاتي للأنهار".

السنة الماضية كانت مطرية، وهذه السنة أيضاً، فكميات المياه المتجددة كبيرة، كانت في بداية السنة 80 مليون متر مكعب وأصبحت 160 مليون في ظرف شهرين فقط، إلا أنّ المشكلة الوحيدة هي التلوّث، فالمياه المتجددة التي تتدفق من النهر تحمل معها الملوثات من المواد الكيميائية والفوسفات وغيرها، ما يسبب ضراراً على البيئة المائية لنهر الليطاني وعلى بحرية القرعون أيضاً.

تجدر الإشارة إلى أنّه بالرغم من أنّ البكتيريا الناتجة عن الملوثات تحتاج إلى حرارة مرتفعة للتكاثر، إلا أنّها تأقلمت مع الحرارة المنخفضة وتتكاثر بشكل مستمر، وبالتالي فإن جرّ هذه المياه إلى سد بسري يقتصر استعمالها في إنتاج الكهرباء فقط، علماً أنّ مخطط البنك الدولي يقضي باستجرار نحو 60 مليون متر مكعب من الليطاني إلى سد بسري، وهذا يجعل المعالجة تبدأ من نهر الليطاني وليس من بحيرة القرعون. ومن المعروف، كما يقول سليم، أن مياه المجاري غنية جداً بالمواد العضوية بالإضافة إلى "النتروجين والفسفور ما يؤدي إلى زيادة عمليات التمثيل الغذائي للطحالب والسيانوبكتيريا. 

إذاً، وبحسب اعتراف الدولة نفسها، وبحسب الخبراء، فإن نهر الليطاني أصبح بحالة يرثى لها، فيما قررت الدولة وقف الأموال المخصصة للوزارات، وتأجيل انشاء محطات التكرير، بينما اعداد البكتيريا المضرة في ازدياد، كذلك عدد المصابين بالأمراض السرطانية بازدياد ايضاً، وحتى تستيقظ الدولة وتفهم خطورة الوضع سيبقى الشريان الرئيسي للمياه ملوثاً وسيبقى المزارعون يروون مزروعاتهم بمياه آسنة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم