في يوم الأبجدية... اكتشف أسرار الأبجدية الفينيقية من خلال ناووس أحيرام ​

يُعتبر ناووس أحيرام من أبرز المعالم التاريخية والتراثية في لبنان، وجزءاً مهماً من التراث الحضاري العالمي. تتجلّى أهمية هذا الناووس كونه يحتوي على أشهر وأطول نص أبجدي فينيقي على الإطلاق، والذي يُعتبر المقياس الأهم لمراحل تطور الأبجدية الفينيقية. خصوصاً وأن النقوش المنحوتة على الحجر التي وجدت محدودة، وكانت مكرّسة بوجه خاص للنصوب الملكية، والإهداءات إلى الآلهة والكتابات الجنائزية؛ وذلك لأن الشعب الفينيقي كان قد استخدم أوراق البردى Papyrus التي أتى بها من مصر للكتابة والمراسلة.  فسميت جبيل لاحقا Byblos نسبة إلى هذه الأوراق.

اكتسب ناووس أحيرام شهرة واسعة وكثرت الدراسات عنه نظراً للكتابة المنقوشة عليه وما لها من أهمية بالنسبة لتاريخ الأبجدية. فالنص الأبجدي على الناووس هو أقدم وأكمل نص بالحروف الأبجدية الجبيلية الفينيقية، وهو يتضمن 20 حرفاً من أصل الحروف الاثنين والعشرين التي تتألف منها الأبجدية الفينيقية الجبيلية.

الأبجدية الفينيقية

 يتفق المؤرخون على أن اختراع الأبجدية ونشرها في العالم يعود إلى الفينيقيين.  تُكتب هذه الأبجدية من اليمين إلى اليسار؛ ولقد اعتمد الجبيليون لأبجديتهم شكلاً تصويرياً أقرب الى الشكل الهندسي منه إلى الرسم. وكانت عبارة عن رموز تعبّر عن النبرات الصوتية الموجودة في اللغة الفينيقية. ولتسهيل حفظها قام الفينيقيون بإعطاء أشكال رمزية مختزلة لحروفهم تتناسب مع معنى كلمة معينة غالباً ما تكون أحادية المقطع.

ونظراً لانفتاح الفينيقيين على شعوب العالم القديمة كافة، وبسبب العلاقات التجارية والثقافية التي أقاموها معهم، فقد انتشرت أبجديتهم في معظم الأقطار. وتلازم هذا الانتشار للأبجدية الجبيلية مع انتشار المستعمرات الفينيقية في الغرب. ولقد تبنى الإغريق هذه الأبجدية وقاموا بترسيخها في أوروبا. ويرتبط انتشار الأبجدية الفينيقية في اليونان بأسطورة قدموس بن أجنور ملك صور خلال رحلته للبحث عن أخته أوروبا التي خطفها كبير الآلهة زوس بعد أن ظهر على شكل ثور. وخلال هذه الرحلة قام قدموس "المعلّم الأول" بنشر الأبجدية في البلاد وعلّم سكانها كيفية كتابتها واستعمالها.

وصف الناووس 

تم العثور على ناووس أحيرام خلال الحفريات الأثرية التي أجريت في جبيل عند التلة الصخرية المشرفة على البحر.  فلقد تم العثور في الموقع أولاً على مجموعة تتألف من تسعة مدافن ملكية، وهي عبارة عن آبار محفورة بالصخر، في قعر كل منها غرفة مدفنية كانت توضع فيها نواويس ملوك جبيل الذين حكموا خلال الاف الثاني ق.م.

في العام 1923 عُثر في قعر هذه المدافن الملكية وعلى عمق حوالي عشرة امتار، على ثلاثة نواويس يعود واحد منها للملك أحيرام.

يتميز ناووس أحيرام بشكله ونقوشه، فهو يتكون من جرن وغطاء منحوتين في الحجر الرملي، ويبلغ وزنه حوالي 6 أطنان ونصف.

أما تاريخ الناووس، فلقد اختلفت آراء المؤرخين حوله؛ ولكن الحروف ونقوش الأشخاص والقطع الأثرية التي كانت موجودة داخله تظهر أنه على الأرجح يعود إلى القرن الثالث عشر ق.م.

يظهر النص المكتوب بالأبجدية الفينيقية في الطرف الأعلى من جرن الناووس. وتحت النص يوجد نقش يمثّل أربع نساء متدليات الثياب على الخواصر، يلطمن صدورهن أو ينتفن الشعر حزناً وتعبيراً عن الأسى العميق. يشير هذا النص إلى أن الناووس تم صنعه من قبل أتوبعل، ابن الملك أحيرام من جُبَلْ (جبيل)، لوالده، ليبقى منزله إلى الأبد.

وعلى أحد الجوانب الأخرى من الناووس يوجد نص آخر، وهو بمثابة لعنة موجهة ضد كل ما يدنّس القبر ويقلق الملك في راحته الأبدية. كما ويظهر نقش يمثل مجموعة من سبعة أشخاص يسيرون باتجاه الملك أحيرام الجالس على عرش يبدو أحد جانبيه بشكل حيوان مجنّح  برأس إنسان. ويحمل أحيرام في احدى يديه كأساً وباليد الأخرى زهرة لوتوس ذابلة تشير إلى موته.  

ويظهر الأشخاص وهم يحملون الهبات، ويرفع بعضهم الآخر يديه للصلاة. كما ويزدان أعلى الجرن بتوالي براعم زهرة اللوتس، واحد منفتح وآخر مطبق، إشارة إلى تعاقب الحياة والموت. ويستند الجرن إلى أسود رابضة متدابرة نافرة الرؤوس والأيدي.

ناووس أحيرام معروض اليوم في متحف بيروت الوطني وهو يعدّ من أثمن موجوداته نظراً لأهميته التاريخية، ومساعدته للعلماء في حل لغز الأبجدية الفينيقية وفك جميع رموزها.