الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

قصر "نسب" التنوخي: حكايات مستمرّة منذ أكثر من 700 عام (فيديو)

المصدر: "النهار"
قصر "نسب" التنوخي.
قصر "نسب" التنوخي.
A+ A-
فؤاد بو غادر

"جدّ والدتي، سليم رستم كنعان، اشترى القصر من سلالة الأميرين يوسف وقعدان شهاب بعد بيعهم القصر بسبب ضيقتهم المالية"، يروي جميل أبو عسلي، نجل وريثة قصر "نسب التنوخي" عفّت كنعان. يعيش في القصر اليوم عفّت وسمير أبو عسلي وولدهما جميل. "حبّه للمباني الأثرية" كان السبب الرئيسي لشراء الجدّ هذا القصر الذي بُني قبل أكثر من 700 عام.  
 
بنى الأمير حسين بن خضر بن محمّد التنّوخي قصر التنّوخيين في عبيه في القرن الثالث عشر (717 هجري)، على شكل قلعة ليكون مكاناً عسكرياً لصدّ الهجمات. حينها، لم يهتمّوا كثيراً لهندسته وزخرفته، إلاّ أنّ مكان بناء القصر هو موقع استراتيجي يطلّ على النّافذة البحريّة بهدف مراقبة وصول البيزنطيين والصليبيين. عبيه واحدة من أقدم البلدات في الجبل وأهمّها، يعود تاريخها للقرن الثامن منذ قدوم الأمراء التنّوخيين من شبه الجزيرة العربيّة، واستقرارهم فيها.
 
 
"نسعى لإعادة ترميم هذا المبنى الأثري، الشاهد الوحيد على الإمارة التنوخية، ضمن إمكانياتنا المتوفرة"، يقول سمير أبو عسلي. تشير العائلة إلى أنّ هذا القصر يحتاج الى الاهتمام به من وزارة الثقافة اللبنانية على الأقلّ، أو من الدول العربية المرتبطة بالحقبة التنوخية. "لو لم يسرقوا أموالنا في المصارف لكنّا أتممنا ترميم هذا القصر من مالنا الخاصّ"، يضيف أبو عسلي، مشدّداً على أن هذا المعلم في خطر الانهيار، لكنّهم يحاولون جاهدين إحياءه وإعادته للحياة.
 
تعود أهميّة هذا القصر، إلى كونه آخر ما بقي من الإمارة التنّوخيّة، الى جانب مسجد الأمير منذر في وسط البلد، والمحافظة عليه هي بمثابة المحافظة على أثر هذه الحقبة. الأميرة التنّوخيّة "نسب" هي من أهمّ الأمراء التنّوخيين، زوجة الأمير "قرقماز "المعنيّ ووالدة الأمير "فخر الدّين" الثاني المعني الكبير، الذّي وحّدَ الجبل، وامتدّت إمارته من عكّا في فلسطين إلى تدمر في سوريا.
 
وُلدت الأميرة نسب وترعرعت في هذا القصر، وتميّزت بالحنكة السياسية، واطّلاعها الواسع على الطبّ وعلم الفلك.
 

يستمتع سكان القصر اليوم برواية فصول من تاريخ حفظوه ويرددونه على مسامع الزوار:

أُطلِق على هذا القصر اسم "نسب" تكريماً للأميرة التّي تمتّعت بثقافة وذكاء مميّزين، حيث إنّها شاركت في إدارة الحكم في الفترات التي كان يذهب خلالها الأمير فخر الدين إلى توسكانا، وكذلك حكمت خلال فترة نفيه إلى تركيا قبل أن يُقتل.  
 
بعد الأمراء المعنيين، تسلّم الحكم الأمراء الشهابيون، وفي عام 1782، بنى الأميران يوسف وقعدان شهاب (ابنا عمّ الأمير بشير الثاني)، الجناح الشّهابي. لذلك، يُقسم القصر إلى قسمين: القسم التنّوخي والقسم الشهابي.
 
بعد تشييد القصر، بدأ الأمير قعدان بتحضير انقلاب عسكريّ ضدّ الأمير بشير في بيت الدّين. وعندما علم الأمير بشير بخطّته، أرسل جنوده لتدمير البيوت في عبيه وإحراقها، وأقدموا على حرق القصر أيضًا. هرب الأميران يوسف وقعدان إلى مدينة جبيل، إلى حين إصدار الأمير بشير قراراً بالعفو عنهما، حيث عادا مهزومَين، وباعا القصر لسليم رستم كنعان في عام 1802.
 
خلال القرن التّاسع عشر، كانت عبيه منطقة علميّة مهمّة. ففي تلك الفترة، وصل الإرساليّون الأميركيّون إلى لبنان، وأسّسوا مدرسة تحوّلت في ما بعد إلى حرم للجامعة الأميركيّة في بيروت (AUB). وأوّل عمليّة جراحيّة تمّت في عبيه، حتى إنّ العهد الجديد من الإنجيل تُرجِمَ في هذه المنطقة على أيّام فان دايك.
 
بعدما اشترى سليم كنعان القصر، سكن في قسم منه وحوّل القسم الثاني إلى فندق لاستقبال الإرساليين، وبعدها الى مصرف. في عام 1946، وبعد عودة جميل سليم كنعان الى لبنان، صنّفت مديريّة الآثار هذا القصر كأقدم قصر مسكون منذ بنائه في لبنان حتّى يومنا هذا، ضمن أعمال الجرد الأثري التي قامت بها بالتّعاون مع وزارة السّياحة والثّقافة والتّعليم. اهتمّت عائلة كنعان بالأدب والعلم والثّقافة، فكانت أبواب القصر دائماً مفتوحة أمام الكتّاب والفنّانين و الأدباء، كما أولوا القصر اهتماماً خاصّاً وحوّلوه إلى متحف حيّ، ومكان للفرح من خلال إقامة الحفلات والنشاطات الفنيّة.
 
أثناء حرب الجبل في الثمانينيات، اضطرّت العائلة إلى مغادرة القصر. فترك القصر في وضع يُرثى له. استرجعت عائلة كنعان القصر في عام 2012، وقرّرت إعادة ترميمه على الرّغم من عدم تلقّيها أيّ دعم من الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة. وانتهت أعمال التّرميم في القسم الشّهابي، إلّا أن القسم التنّوخي لا يزال على حاله. قصر نسب أصبح اليوم جاهزاً لاستقبال كلّ الناس وحاضراً للمناسبات الاجتماعية والثقافية.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم