الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

حمّام عز الدين في طرابلس... نموذج حي للعمارة المملوكية

المصدر: النهار
ريم قمر
حمّام عز الدين في طرابلس- تصوير فاتن قبيسي
حمّام عز الدين في طرابلس- تصوير فاتن قبيسي
A+ A-

يقع حمّام عز الدين داخل الأسواق القديمة لمدينة طرابلس بالقرب من المدخل الشمالي القديم على امتداد سوق النحاسين. ويشكّل نموذجاً للعمارة الإسلامية التي تنتشر بكثرة داخل أحياء المدينة. وهو يعتبر من أقدم وأكبر الحمامات المملوكية في طرابلس.

بنى الحمام نائب السلطنة عز الدين أيبك الموصلي المنصوري بين عامي 1294 و1298، على أنقاض كنيسة قديمة، وأقام عز الدين حمامه بعدما دخل المماليك إلى طرابلس، ولكنه أبقى على البوابة الغربية التي تحمل عند مدخلها كتابة لاتينية، يعلوها إفريز ناتئ وزخرفتان متواضعتان.

في نهاية القرن التاسع عشر، تأثر الحمام بحركة التحديث العماري التي شهدتها الفترة العثمانية، وذلك بتغطية الأرضيات برخام إيطالي، واستحدث مدخل جديد من ناحية سوق النحاسين.

 
 

 

يتم الدخول إلى الحمام عبر مدخلين؛ الباب الرئيسي المسقوف، وباب ثانوي آخر يفضي إلى شارع النحّاسين. ومن المعروف أن هذه الحمامات كانت تُقصد للاستحمام، في الوقت الذي لم تكن تتوفر الحمامات الخاصة في البيوت. ومع تطور الحياة العصرية، توقّف العمل فيه وأقفلت أبوابه.

 

 

يتبع تصميم الحمام تصاميم الحمامات التي بنيت في الفترة البيزنطية والرومانية،  فكانت تقسم الحمامات إلى عدة أقسام، لكل منها استخدام خاص: المشلح، والوسطاني البرّاني، والوسطاني الجواني والجواني حرارة.

 يدخل الزائر الحمام أولاً إلى ردهة واسعة تعرف بالمشلح، وهي الغرفة المخصصة لخلع الملابس تتوسطها بركة ونافورة مثمنة الأضلاع تعرف بـ"البحرة"، وحولها مصطبات مخصصة لجلوس الزبائن والانتظار قبل بدء الاستحمام وبعده. يقوم هيكل البناء في هذا القسم  على أربع دعائم تؤلف في ما بينها أربعة عقود سريرية مكسورة. وترتكز قبة المشلح على محور مثمن الأضلاع ومعقود الزوايا مبني بدوره على قاعدة مربعة الشكل.

وتحت كلّ مصطبة توجد سلسلة من الفتحات مخصصة لوضع أحذية الزوار التي كانوا يخلعونها لانتعال "القبقاب"، وهو عبارة عن صندل خشبي تعلوه قطعة بسيطة من الجلد. كما وفي جنوب المشلح، توجد فسحة مقوسة تعرف بالإيوان، وهي عنصر معماري مألوف في الحمامات كانت مخصصة لجلوس الزبائن والاسترخاء أمام البركة واحتساء الشاي وتبادل الحديث.

 

 

 

ثم يتجه مرتاد الحمام نحو القاعة الباردة، المعروفة بالوسطاني البرّاني، عبر باب متعرج للحفاظ على الخصوصية. هذه الغرفة تساعد في الانتقال التدريجي إلى المنطقة الرطبة. وهي تسمح للزائرين بالاعتياد على الجو الرطب والحار للحمام وكذلك للخارجين بالتحضّر لبرودة المشلح. ضُمّ هذا المكان إلى قاعة المشلح في الفترة العثمانية.

 
 

ويشكل الوسطاني الجواني القسم الأول الحار في الحمام. وتتوفر فيه المياه الدافئة الجارية داخل كوات عند الزوايا الأربع من المكان، وتوجد فيه مقصورتان مخصصتان للعائلات.

 

 

 

أما الغرفة الأخيرة المعروفة بالجواني حرارة، فهي القسم الأكثر رطوبة وحرارة في الحمام. وهي خيار لمن يرغب بالاستحمام في حرارة عالية مماثلة لحمام "السونا". توجد في وسط الغرفة طاولة رخامية مخصصة للتدليك وهي تعتبر النقطة الأشد حرارة في الحمام .

 

 

 

إلى الجهة الشرقية،  يقع الجزء التقني من الحمام، حيث تتم مراقبة مستوى المياه وعملية التدفئة. وهو يحتوي على الموقد وحوضين من النحاس، يسمح الحوض الصغير بالحصول على المياه المغلية والبخار الذي يوزع داخل الجواني حرارة عبر كوة.  ولا يوجد اتصال بين هذه الغرفة التي تعرف بالمرجل وباقي غرف الحمام كما هو متبع في الحمامات التي تعود الى الحقبة المملوكية. ويتم تسخين غرف الحمام الحارة بواسطة شبكة من القساطل المتصلة بموقد المرجل وهي تقع مباشرة اأسفل بلاط الأرضيات.

 

 

تعلو كل ردهة قبة فيها عيون كثيرة مغطاة بأقداح زجاج زُيّنت بأشكال هندسيّة جميلة، تُستخدم للإنارة، وفي أعداد منها ثقوب صغيرة تسمح بتنفيس بعض الاحتقان البخاري داخل الحمام.

 

 

وتتميز جدران الحمام بنقوشها وزخارفها التي تتنوع بين الغرف وخصوصاً في المشلح. وهي عبارة عن زخارف فنية مرسومة تمثل حقبات تاريخية مختلفة. أما في الأقسام الداخلية الرطبة، دهنت اللياسة بشكل متجانس باللون الأبيض. وخلال الحقبة العثمانية، طُلي أسفل الجدران بالإسمنت ودهن باللون الأحمر.

 

 

 وشهد الحمام أعمال ترميم أعادته إلى حالته السابقة، وهو اليوم يستقبل الزائرين الراغبين بالتعرف إلى أقسامه واكتشاف نظام عمل الحمامات التاريخية القديمة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم