السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

قانونان ضد العنف الأسري والتحرّش... ماذا عن "آخر سقطات المُشرّع"؟

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
إقرار قانونين لحماية المرأة من العنف.
إقرار قانونين لحماية المرأة من العنف.
A+ A-
بعد مضيّ ستّ سنوات على إقرار القانون 293/2014 لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، أقرّ مجلس النواب أمس عدداً من التعديلات التي اقترحتها على هذا القانون كلّ من وزارة العدل، ومنظمة "كفى"، والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في عام 2018، من أجل تأمين حماية فعّالة لضحايا العنف الأسري والأولاد.

كذلك، أقرّت الجلسة التشريعية القانون الرامي إلى تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه، ولا سيما في أماكن العمل. وهي سابقة تشريعية يتبنّى لبنان فيها قانوناً يعاقب مرتكبي هذا الجرم ويؤمّن الحماية والدعم لضحاياه. النضال لأجل هذا القانون آتى ثماره بعد سنوات من تقديم أوّل قانون تجريم التحرش الجنسي في لبنان، الذي تقدمت به وزارة الدولة لشؤون المرأة عام 2017، وبنت عليه عدّة جهات رسميّة وخاصة لغاية إقراره في جلسة أمس. 

إلّا أنّ المنظمات والأفراد الذين ناضلوا في سبيل إقرار هذه القوانين سجّلوا عدة ثغرات وتناقضات في الموادّ، بعضها يبطل مفعول القانون وقد يستخدم ضدّ الضحية، ناهيك عن مجموعة تعديلات لم يؤخذ بها.

ملخص التعديلات 

يرد ملخص التعديلات التي أقرّت على قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، في خلاصة أعدّتها منظمة "كفى" وتضمّنت التالي:
- تجريم العنف المعنوي والاقتصادي وتخصيص عقوبة لمرتكبهما.
- تنفيذ قرار الحماية من النيابة العامّة.
- تكليف قاض متخصص بشكاوى العنف الأسري في كلّ مرحلة من مراحل الشكوى. إضافة إلى المحامي العام الأسري، أصبح هناك قاضي تحقيق أسري وقاض منفرد جزائي أسري.
- السماح للضحية بطلب حماية بدون الحاجة إلى وليّ أمرها إذا كانت قاصراً.
- التعديل الجزئي لمطلب حماية الأطفال مع الضحية، بغض النظر عن سنّ الحضانة. وأُقرّت حماية الطفل البالغ 13 سنة وما دون مع الضحية.
- تشديد العقوبة على مخالفة قرار الحماية، بحيث أصبحت سنة حبس تُشدّد عند التكرار.

وفي جديد قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه، عرضت المفكرة القانونية ملاحظات على القانون "المشوب بثغرات وإشكاليات عديدة، في ضوء تعريف التحرش الذي ينصّ على:
أيّ سلوك سيئ متكرّر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحيّة في أيّ مكان وجدت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية وبأيّ وسيلة تمّ التحرّش (بها) بما في ذلك الوسائل الإلكترونية".

ثغرات قانون العنف الأسري

أصدرت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بياناً، أشارت فيه لتعديلات إضافية لم يعتمدها البرلمان. ومن بينها أن "يشمل القانون 293/2014 الجرائم التي ترتكب "أثناء العلاقة الزوجية أو بعد انحلالها"، وبأن تلغى جريمة الزنا وبأن يشمل قرار الحماية حكماً جميع أولاد الضحية القاصرين. كذلك كانت هناك مطالبة بإلزام مرتكب العنف بالخضوع لدورات تأهيلية، وبعقوبات أشدّ صرامة على مرتكبي العنف وعلى مخالفي أوامر الحماية الصادرة لصالح الضحايا".

المحامية والعضو المؤسس في "كفى" ليلى عواضة، فنّدت التعديلات التي لم يؤخذ بها على هذا الشكل:
- تعديل تعريف الأسرة. عوضاً عن ذلك عدّلوا تعريف العنف الأسري عبر إضافة عبارة "يقع أثناء العلاقة الزوجية أو بسببها"، الأمر الذي يوحي بأنّ العنف الأسري المشمول بهذا القانون هو العنف الزوجي، ما يتناقض مع الفقرة الأولى من المادّة 2، المتعلقة بتعريف الأسرة.
- إدراج مفهوم سوء استعمال للسلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها، في تعريف العنف الأسري.
- إدراج إلزام المعنف بالتأهيل في قرار الحماية.
- تخصيص الحماية بالنساء فقط دون سائر أفراد الأسرة.
- تعديل المادّة 3 المتعلقة بتجريم العنف الأسري، وعدّها جريمة قائمة بذاتها. فأبقوا على الاغتصاب الزوجي وجريمة الزنا. كما أنّ التشديد بالعقوبة طال النساء في الدعارة للأسف، بما يتناقض مع روحية القانون التي تهدف إلى حماية النساء من كل أنواع العنف والاستغلال.
في هذا الصدد، تنقل عواضة إدانة "كفى" لهذه العقوبات المشدّدة على النساء في الدعارة، إذ ترى المنظمة أنه "آخر سقطات المشرّع اللبناني، المتمثلة بتشديد العقوبة على نساء ضحايا في قانون لحماية النساء. عوضاً عن حمايته النساء يقوم القانون بتجريم النساء. ففي مجال قانون يهدف لحماية النساء من العنف الأسري، شددنا العقوبة على نساء في الدعارة، ويمثلن شريحة من أكثر النساء هشاشة في المجتمع والأكثر عرضة لأبشع أنواع العنف والاستغلال".
 
وتتابع عواضة: "ما هو الرابط في ذهن المشرّع بين تشديد العقوبة على العنف الأسري وتشديد العقوبة على النساء في الدعارة، فيما المطلوب رفع أيّ عقوبة أو تجريم عن هؤلاء النساء، وهذا مطلب كان مدرجاً ضمن التعديلات المرفوعة؟".

وتكشف أنّ "المرحلة المقبلة هي مرحلة العمل لإقرار قانون واحد يشمل كلّ أشكال عنف ضد المرأة، لكي لا نستمر في تجزئة هذه القضية وتناولها بالتقسيط. نعمل على هذا الاقتراح مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة ووزارة العدل وسنعلنه قريباً".

"التعسف" في قانون التحرش
 
من جهته، أورد المحامي كريم نمّور في المفكرة القانونية قراءة لحظت 12 ثغرة في قانون تجريم التحرش في لبنان.

رأى نمّور أن عبارة "السلوك السيئ" الواردة في تعريف التحرش تجسيد لـ"مقاربة أخلاقية للتحرش تهدف إلى حماية المجتمع لا الضحية"، وتدرج "عنصراً غير موضوعيّ لتوصيف فعل ما على أنه تحرّش"، كما "تبعد ضحية التحرش من قلب فلسفة النصّ القانوني وتستبدلها بحماية الأخلاق العامّة".

ويترتب على اتباع المقاربة الأخلاقية عدّة شوائب، إذ:
- يحصر القانون الملاحقة بالقانون الجزائي، ويقحم السلطات العامّة بالحياة الخاصة.
- يغرق في دهاليز الأخلاقيات ما قد يؤدي إلى تأويل النص القانوني.

وعاقب القانون التحرش أياً كان المكان الذي وقع فيه، لذلك فهو:
- لا يميّز بين أجير وصاحب عمل.
- يفتح باباً واسعاً أمام أصحاب العمل لاستغلال هذا النص لمصلحة إجرامهم.
- لا يأخذ بالاعتبار طبيعة علاقات العمل الهرمية وغير المتساوية في لبنان.
- لم يذكر ماهية عقوبة صاحب العمل المتحرّش، أو الذي أخلّ بموجبه في حماية أجرائه.
ويختم أنّ "الاقتراح لجأ حصرياً إلى المنطق العقابي، ولم يولِ أيّ دور للقضاء المدني أو لمجالس العمل التحكيمية أو للوساطة في قضايا حسّاسة كهذه"، خالصاً إلى أنّ هذه المقاربة الأخلاقية "تحجب التعسف في استغلال السلطة".

إذاً، تتناول المنظمات النسوية والحقوقية المكاسب الجديدة ضد العنف والتحرش كـ"إنجاز" يحسب لها وتقدّر جهودها عليه. لكن الشوائب وأحياناً التناقضات والبنود المستبعدة، تجعل القانونين ترجمة لحقوق منقوصة. الصيغة الراهنة تطلق الضوء الأخضر لجولة نضالية أخرى، لكن تبقى نهايتها مرتهنة بـ"اللحظة السياسية" التي تضبط إيقاع التشريع.  






 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم