الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يجب أن نعلّم أطفالنا حبّ لبنان الذي يئسنا منه؟

المصدر: النهار
فرح نصور
طفلة تحتفل بعيد الاستقلال
طفلة تحتفل بعيد الاستقلال
A+ A-
مع تقاطع عيد الاستقلال واليوم العالمي للطفل، وفي ظلّ المصاعب اليومية التي لا ذنب لأطفالنا فيها، يتساءل كثيرون في شأن تعليم أولادنا حبّ الوطن وإشعارهم به، مهما يئسنا منه نحن أو هجرناه؟ هو سؤال عميق بقدر ما هو مُحزِن. لكن تبقى الثابتة الوحيدة أنّ حب الوطن يجب أن يعلو فوق أيّ شيء، بالرغم من الأزمة والصّعاب.


تسأل آية (أم لطفلة عمرها 3 سنوات) "بأي نفسيّة يرسم الأهالي علم لبنان على وجوه أولادهم في عيد الاستقلال؟ أنا أعتذر إلى ابنتي لأنّني أنجبتها في هذا البلد". ينمّ كلام آية عن غضب كبير، "فالوطن هو المكان الذي يحتوي أبناءه، ويمنحهم حقوقه، فيما لبنان من أكثر الأوطان هدراً لحقوق المواطن؛ وأيّ بلد يستقبلني، ويحترم الإنسان، ويوفّر جميع حقوقي هو وطني". 

وتروي أنّها عندما كانت حاملاً سألَت نفسها، "إلى أين أنا آتية بابنتي؟"، فهي تبحث بشكل مضنٍ عن حليب لها. "ماذا قدّم لها هذا الوطن؟ لماذا يظلمها؟". هناك شعور بالنقمة في ظلّ هذه الظروف، إلّا أنّ هذه الأمّ لا تعوّد ابنتها على كراهية الوطن، ولن تجعلها تنشأ على كره وطنها بتاتاً، "فأنا لا يمكنني أن أجعلها تكره مكاناً مُجبَرة على البقاء فيه". لذلك، تشجيعها ابنتها على حبّ الوطن والوطنية في هذه الظروف الصعبة هو فقط "حفاظاً على صحتها النفسيّة، لكنّني أشعر بأنّني مرغَمة على أداء هذا الدور".

أمّا كلوديا (أمّ لطفلين في الـ3 والـ6 من العمر) فتتحدّث عن احتفال أولادها بعيد الاستقلال في المدرسة، حيث كانوا سعيدين، و"أنا تفاعلت معهم، وشرحت لهم بشكل إضافي عن أهمية هذا العيد ورمزيّة ألوان علم لبنان، وأنشدت معهم أناشيد الاستقلال". لن تمنعهم من الاحتفال بهذا العيد أو التقليل من أهمّيته، ولو أنّ الظروف صعبة، فهم لن يفهموا ماذا تعني كلمة أزمة، فـ"أنا أحبّ لبنان، ولن أشرح لهم شيئاً بعكس هذه القناعة". وبالرّغم من مناقشاتها وزوجها الأمور المعيشية وأحياناً الهجرة، فإنّهما لا يناقشانها أمام الأبناء. 

تعليم الوطنية ضرورة بالرغم من الأزمات 
 
يجب ألا تترك الأزمات والمشكلات المعيشيّة تأثيراً سلبيّاً على الأولاد. ومن المفترض أن يكون لدى الأهالي الثقافة والوعي الكافيان لتجنيب الأولاد هذه الأزمات التي لا دخل لهم فيها؛ هذا ما تؤكّده الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر، وتلفت إلى أنّه من الضروري توعية الأهالي بهذه الأمور، إذ لا ذنب للوطن ولا للطفل، ولا ترى مبرّراً "لعدم قيام الأهل بواجبهم الوطني تجاه أولادهم في ظلّ الأزمة، وعدم مشاركتهم معنى المناسبة، فالعائلة السويّة تُنشئ طفلاً سويّاً على مختلف الأصعدة، ومنها حبّ الوطن". 

ومن النصائح التي تسديها مطر لتعليم الطفل الوطنية: 
 
- تربية الولد على حبّ الوطن والثقة بالنفس والوطن. 
- تعليم الولد حبّ الوطن، وزرع شجرة الأرز لتكبر، سواء هاجرنا أم بقينا، وأنّ لبنان هو الوطن. 
- التعاون مع المدرسة، والتكامل معها في العمل على حبّ الوطن، والسعي إلى وضع أهداف للأولاد تكون مرتبطة بوطنهم. 
- عدم الحديث عن الأزمة وتفاصيلها السلبيّة أمام الأولاد، فذلك يؤدّي إلى ألّا يعيش الطفل طفولته كما يجب. 
- الأهل هم قدوة الولد، وهو يستقي المعلومة الموثّقة منهم. لذلك، إذا تصرّف الأهل بشكل يظهر حبّهم للوطن فسيحذو الأولاد حذوهم.
- لا ينبغي للأهل أن يقولوا "ليس بمقدورنا شراء بذلة جيش لابننا في هذا العيد"، لأنّ ذلك يحدّ من ممارسته لوطنيّته كما يجب. لذلك، يُمكن للمدرسة أن تقوم بهذا الدور كيلا يشعر الولد بنقص معيّن مقارنة بأترابه. 
- القيام بنشاطات بسيطة جداً غير مكلِفة تُظهر حب الوطن، كالمشي في الطبيعة، والحديث عن لبنان وأهمّيته، والمحافظة على نظافته، إضافة إلى تحيّة أيّ عسكريّ نلتقيه على الطريق. 
- استشارة اختصاصيّ نفسي، إذا شعر الأهالي بأنّهم مخنوقون في وطنهم، لكي يجيدوا التعاطي السليم مع أولادهم في هذه الأزمة.
- مصارحة الطفل بما يلائم عمره واستيعابه.
- التوعية على أهمية التنوع، وعدم الحديث عن التفرقة والكراهية والتعصب ضد الآخر أمام الأطفال. 

الوطن ليس فندقاً 

باعتبار أنّ الأهل هم مؤسّسة التنشئة الاجتماعية الأولى، من واجبهم الوطني والمدني والأخلاقي تعويد الطفل على حبّ الوطن. ومفهوم الوطنية يُفترض أن ينبع من الأهل والمدرسة في الوقت نفسه.  
 
في حديثه لـ "النهار"، يفصّل الأستاذ  في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، الدكتور شوقي عطية، دور الأهل، ويراه أساسيّاً جداً، ويُحذّر من معارضتهم المفاهيم التي تعلّمه إياها المدرسة، لأن الطفل سيشعر بالتذبذب. لذلك، يجب أن يكون دور الأهل متمِّماً بل فعّالاً أكثر، وأساسياً في نقل القيم الوطنية لأطفالهم، و"لا يُمكن تبرير وقبول عدم غرس شعور الوطنية لدى الطفل بحجة الأزمة".
 
وينصح عطية بالآتي:
- من المهمّ، وابتداءً من الأعمار المبكرة، وكلّ عام، تفهيم الولد أنّ الوطن ليس سبب الأزمة، إنّما نحن، إذ نحن من نكوّن الدولة والوطن. 
- التشديد على فكرة أنّ "الوطن ليس فندقاً نهجره عندما تتراجع الخدمة فيه"، إنّما على العكس، علينا إصلاحه وتأهيله، وبالتالي، زرع حب الوطن هو واجب مقدّس. 
- تعليم الولد أنّه يجب إعطاء الوطن قبل أن يعطيك، وهذا ما يتعلّمه الأولاد من الجيش، ويمكن أن تكون هذه التضحيات بالصبر، لا بالدم فقط.  


لكن إلى أي مدى يؤثر الجوع والفقر والأزمات الاجتماعية والاقتصادية في اندفاع الأهالي نحو ترسيخ هذه المفاهيم لدى أولادهم؟

من الطبيعي أن تؤثّر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والجوع والفقر في هذا السياق، بحسب عطية، لأنّه في أوضاع مماثلة يصبح تركيز الأهل على تأمين لقمة العيش، ونجد المسكن والطعام في سلّم الأولويات قبل أيّ أفكار ومفاهيم أخرى. بالتالي، مَن يعاني من هذه المشكلات، لن يهتمّ بشكلٍ أوّلي في ترسيخ شعور الوطنية لدى ابنه، "لكن هذا الأمر ليس سليماً، فالانتماء الوطني برأيي هو قبل أيّ انتماء آخر". 
 
ويمكن أن يُستفاد من هذه الأزمة، وفق عطية، ليُدرك الطفل أنّ "الأزمة التي تمرّ علينا هي بسبب غياب الوطنية لدى الكثيرين، سواء من أشخاص في السلطة أو خارجها". وعلينا أن ننصح الولد بأنّه "لتخطّي هذه الأزمة، عليك أن تكون مواطناً صالحاً من خلال تقدير أنّ أي سوء يطالك، سيطال المجتمع". فمع غياب مفهوم المواطَنة، الذي يؤدّي إلى الفساد والتجاوزات، تزداد الأزمة. وإن كان هناك مَن يعتبر أنّ الأزمة تقلّل من الشعور بالمواطنة، فإنّ غياب المواطَنة يزيد من الأزمة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم