الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

تماسكُ الجيش حفاظٌ على فكرة الدولة والكيان وعلى الواقع الجيوبوليتيكي للمكوّنات اللبنانية

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
الجيش اللبناني.
الجيش اللبناني.
A+ A-
مع عودة الذكرى في كل عام، يعود شريط أحلامنا هو نفسه، وجود جيش لبناني قوي، شبيه بجيوش العالم، يحقق الانتصارات الوطنية ويرسم التوازنات وقواعد الاشتباك، لا العروض العسكرية فقط. جيش يملك الـF16، ، أو "البلاك هوك"، عسكرياً. وسياسياً، له حرية الوجود على كل بقعة من كيلومترات لبنان الـ10452، وأن تكون صواريخه مدماك توازن الرعب لا صواريخ الميليشيا، أن يكون قرار الحرب والسلم في وزارة الدفاع ومجلس الوزراء لا في ملعب سيّد الشهداء، وأن يكون الفصل في الميدان لعسكر وضباط يتمتعون بالمناقبية والوطنية، لا لمقاتلين يستنسبون الوطنية، وحتى الحرب تُخاض غبّ الطلب.
 
جلجلة المرارة الوطنية التي تمرّ على لبنان استثنائية. الأزمة أخلاقية ووطنية وانتمائية قبل أن تكون اقتصادية أو معيشية أو مالية. والخيارات السياسية في السنوات الأخيرة، هي البوصلة على من يريد لبنان الدولة ولبنان الدويلة. وهي التي أعادت إحياء طروحات كالتقسيم والفدرالية وأقلّه اللامركزية الموسعة.
وإذا كانت ركائز النظام ما زالت قائمة بدائرتها الردعية والحِمائيّة (بمعنى الحماية في المعجم المعاصر)، هي لوجود جيش يحافظ على وحدة قراره نسبياً وقدرة على التماسك وفكرٍ همّه "لبنان أولاً" والحفاظ على "الكيان"، أثبتته الأيام والممارسة، من نهر البارد مروراً بعرسال وصولاً إلى الطيّونة، إلى خطابات قائد الجيش جوزف عون عن الحفاظ على الكيان، ووحدة لبنان ومحاربة الإرهاب وحماية المؤسسات، بموازاة قوى سياسية محدّدة اعتبَرت من تجارب الكيانات الحزبية المسلحة الموازية للشرعية، على رغم الفارق بسببية هذا الوجود بينها وبين "حزب الله".
 
ربما من نقاط ضعف الجيش بأنه ليس المحتكِر الوحيد للقوة، وبعدم وجود استراتيجية عسكرية متماسكة، لكنّه، المؤسسة الأهم وربما الأوحد التي حمت علاقات لبنان بالغرب، وبالمجتمعَين العربي والدولي. فقائده اليوم مرحّب به على طاولة الدول العظمى غربياً وعربياً. وهمُّ استمرارية وصمود الجيش موجود على الأجندة من الأمم المتحدة إلى الجامعة العربية، ومن واشنطن وأوروبا إلى الرياض وقطر وكل دولة عربية وخليجية معنية بالوضع اللبناني.
 
فالجيش، الحاضر أبداً، رغم الأزمة المالية، على الجبهات الأمامية، وفي حماية ما تبقى من مؤسسات الدولة، والموجود اليوم على تخوم عين الحلوة يستنفر وحدات النخبة للحفاظ على الاستقرار وعدم تفلّت الفوضى وحماية السلم الأهلي، يُتقن في الوقت نفسه فنّ التعاطي بحذر مع اللعبة السياسية وتجاذباتها، وهو نجح في تكوين مساحة مشتركة مع الأطراف كافة، راسماً بشكل مباشر وغير مباشر خطوطاً حمراً للحفاظ على التوازن بحدّه الأدنى، وعلى الأمن الوجودي والاجتماعي للمكونات كافة، وعلى الاستقرار الداخلي بين اللبنانيين، محققاً ثقة شعبية عارمة، بموازاة ثقة كبرى من الدول العظمى، من هنا، تبرز مسؤولية السياسيين الكبرى في التخفيف عن كاهل الجيش عبر إنقاذ الدولة اللبنانية من الانهيار بإعادة التعافي إلى المؤسسات العامة والقطاعات كافة، واستمرار إيجاد السبل لتدعيم بناء الجيش وتقويته مادياً وقتالياً، إلى تعزيز مكانته كمؤسسة عابرة للطوائف.
 
فالمصلحة المشتركة عربياً ودولياً وداخلياً، صمود الجيش، وإلاّ فإن البديل، سيكون تعزيز سطوة الميليشيات، عودة التنظيمات الإرهابية، انفلات الوضع الأمني، وإطلاق مشاريع وإيديولوجيات وأفكار غريبة عن الواقع اللبناني.
 
فالجيش اليوم، وعلى مساوئ الترهّل والمرض الذي يصيب فكرة الدولة، وتكريس مفاهيم جديدة على مستوى الدستور والممارسة السياسية، وفي ظل وجود فريق يمتلك السلاح والإيديولوجيا، هو حتى الساعة، صمام أمان، وعنصر توازن وقوة ردع، شئنا أم أبينا، بين من يتمسكون بفكرة الدولة والآخرين دعاة الدويلة. هو عامل أمان لتفادي أي نزاع مناطقي أو طائفي يمكن أن يجرّ إلى الفوضى المفتوحة، أو إلى حرب أهلية جديدة. هو عنصر محافظ على الجغرافيا السياسية، عبر حماية الأمن السياسي والوجودي لكل مكوّن، وهو الحامي لفكرة الدولة. وهو أيضاً مساحة مشتركة لعيش التنوع. فاذا انهار الجيش انهارت منظومة العيش المشترك في لبنان كلياً. اذ ليس أمراً عابراً، وجود ضابط مسيحي يترأس قيادة الجيش ويعطي الأوامر لعسكر من طوائف أخرى، هذا التفصيل غير موجود إلّا في لبنان.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم