السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"المُحرِّك" جبران تويني لماذا قتلوه؟

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
الشاهد على بيروت الجريحة (حسام شبارو).
الشاهد على بيروت الجريحة (حسام شبارو).
A+ A-
 
هذا الرحيل عمره أعوام، ولا يزال يوجع؛ ليس لأنّ الفقدان عاطفيّ، بل لأنّه على مستوى وطن. يراقب جبران تويني الأحوال من العلياء، ولبنانه في المقتلة والمقصلة. لماذا قتلوه؟ ألأنّه وقف سدّاً في وجع الفجيعة وانهيار المؤسّسات والدولة، أو لأنّه رجل سيادة وكلمة لا تقبل الانحناء؟ ماذا عن لبنان اليوم، المُفجَّر بالنيترات والكذبة واللصوصية والنهش؟ أمثاله شكّلوا عقبة أمام موت الأمل ونزيف الشباب والرقص في الجنائز. سنوات على الرحيل، والرجل حاجةٌ وفارق، خصوصاً في هذه القسوة والتجاوز الفضائحي والتنكيل الوقح بالكرامات. تحلّ الذكرى، وبيروت في عمق المُخطّط لتدميرها ونهبها وكسر شوكتها؛ تتألم، لكنّها تُكابر وتنشد النجاة. لماذا طال الموت جبران وقلمه، وشاء أن يطال "نهاره"، لكنّها كالحرّية، إن نازعت، قاوَمت؛ وإن أُنهِكت، نهضت، بصلابة ورجاء؟
 
 
15 عاماً على الاستشهاد، يستعيدها فارس سعْيد بمرارة. يُسمّي جبران "الشخصية اللبنانية الشابة"، للتأكيد على لبنانيته المُجرّدة من التبعية وتنفيذ الأوامر. يتحدّث عن رجل "والدته درزية ووالده أرثوذكسي، أما خياراته فمارونية وقَسَمه وحّد اللبنانيين". لكنّه يتأسّف على خذلان البعض القسم. "أقسموا على ألا ينقسموا، وبعد 15 عاماً، منهم مَن عاد إلى مربّعاته الطائفية، وقدّم حلولاً جزئية لأزمة وطنية، فكان الحلّ المسيحي للأزمة المسيحية والحلّ الإسلامي للأزمة الإسلامية، ما يناقض قسم الـ2005 ونُبله". 
 
(حسام شبارو).
 
رافقه النائب السابق فارس سعْيد في مسار 14 آذار نحو الحرية، وعاشا معاً زخم الحماسة والأمل بلبنان حرّ. يحبّ جبران، ويُقدِّر تضحياته، مرّات بالكتابة، ودفعة واحدة بالشهادة. يتذكّر إنّه حين شاهد الحشد اللبناني الجامع في ساحة الشهداء، أقسم على حماية لبنان الفكرة، "وهذا الكنز تركه لنا، علينا المحافظة عليه". يعدّد أوجاع اليوم: "قانون انتخاب طائفيّ، حلول طائفية لمأساة وطنية، وصاية مقابل وصاية، أجندات خارجية. كلّها لا تُشبه جبران". يصفه بـ"المُحرِّك": "لم يكن صحافياً أو رجل سياسة أو ناقداً فحسب. كان قادراً على الجمع حوله. جمعت مكاتب (النهار) في الحمراء ثم وسط بيروت اللبنانيين من توجّهات مختلفة حول فكرة الوطن. كان جبران مُحرّكاً لهذه التركيبة. لم يكفّ يوماً عن لمّ الشمل". إذاً، تحقّق ما أرادوا، فلبنان اليوم طريح الزعرنات، مُمزّق، منكوب بالارتماء والتراجع وإذلال ناسه. بالنسبة إلى سعْيد، حقّق القتلة ما أرادوا "مرحلياً"، "لكنّ لبنان سينهض، ونحن أبناء قيامة". في ذهنه تصوّرٌ لقافلة الشهداء، لِمَ سقطوا وأي دماء ستُزهر بعد حين. يرى في اغتيال سمير قصير وجبران تويني، قلمَي "النهار"، "هدفاً واحداً هو إنهاء المدرسة التقدّمية المسيحية العربية المُثقَّفة والمُثقِّفة، ومحو فكرها من الوسط المسيحي. قد ينجحون لمرحلة، إنما الحقّ اللبناني سيعود".
 
(حسام شبارو).
 
ليست هجرة الشباب، في رأيه، خسارة وطنية؛ هم الذين ألهمهم صاحب القَسَم الحلمَ والأمل: "اختلف الوضع عما كان عليه في الحرب، مع العولمة ووسائل التواصل، فلم تعد الهجرة انتكاسة أو عنواناً للفشل، بل هي مشروع تفاعل". ولعلّ جبران حيث هو، لا يفارقه مشهد الشباب في ذلك اليوم من آذار الاستقلال، وهم يملأون "النهار" صخباً وبهجات. كم شهد هذا المبنى في وسط بيروت، المقابل لساحة الشهداء الصولات والجولات والتحوّلات والولادة، فإنْ حاول زلزال آب النيل منه، حوَّل التشظّي حياةً والدمارَ طائر فينيق. نكسة اليوم، برأي سعْيد ليست في الهجرة التي قد تكون موقتة، "إنما في فقدان روح القَسَم، فكلّ مشروع وطنيّ كبير يتطلّب وحدة اللبنانيين، كخروج الجيش السوري ورفع وصاية إيران والنضال من أجل السيادة اللبنانية". يختم بأنّ "قلّة مسيحية ترفع الصوت، وقلّة من السنّة والدروز، كما النُخب الشيعية. أما غالبية الطوائف فتُساكن السلاح وتتواطأ معه".
 
(حسام شبارو).
 
"بذور المستقبل"
يذكر أمين سرّ لقاء قرنة شهوان سابقاً سمير عبدالملك بحُب رفيق النضال جبران تويني، ويشعّ حين يتكلّم عنه، كأنّ الراحل لم يغب سوى بالجسد. يمرّ على آذار الـ2005، والمخاض اللبناني آنذاك لولادة وطن خارج سطوة الوصاية والأجهزة الأمنية. كان جبران مفعماً بالنشاط، كلمته كسيف، صرخته كوخز لإعلاء الحقّ. المشترك بين الشهداء، يقول عبدالملك، مطالبتهم بسيادة لبنان وكرامة أبنائه. يُعدّد بعض الكوكبة؛ جبران وسمير وبيار الجميّل وباسل فليحان ومحمد شطح. "الحريري حين اتّخذ منحى سيادياً، جرى اغتياله". لماذا جبران؟ "لاغتيال جيل تأمّل بالتغيير. كانت المعادلة: الخضوع للأمر الواقع أو الهجرة. بذلنا تضحيات هائلة، وصلت حدّ دفعِ جبران دمه. تأخّر الزرع، لكنّه بدأ يُثمر. ما حدث في 17 تشرين، يُفرح جبران حيث هو. وما يحدث في الانتخابات الطالبية يطمئنه إلى وعي الشباب. هم بذور المستقبل".
 
يتحدّث عن تراكم النضال، "كأنّ روح جبران وجرأة تصويبه المسار الوطني قد تجلّت خير تجليات". يؤمن بأنّه يراقب ويرعى ويبارك، حين يتعلّق الأمر بتحرّك معترض على الظلامية والاستبداد. يعود إلى ما قبل 1975، ومخطّط ضرب "النموذج الاستثنائي الذي يختزله لبنان التنوّع وتقبّل الآخر". بدا هذا البلد بمثابة "تحدٍّ للأنظمة المحيطة، خصوصاً الصهيونية منها، وشاهداً على ما يجري، فكان المطلوب إلغاء الشاهد. أرادوا ضرب النموذج، في مقابل تقوية نماذج العنصرية والدكتاتورية، وهم لا يعلمون أنّ موازين القوى موقتة وظروفها مرحلية".
 
(حسام شبارو).
 
يخطر على البال ما قاله البابا يوحنا بولس الثاني عن أنّ "لبنان ليس وطناً، بل رسالة". كان جبران هذا الرجاء حيال لبنان، في مقالاته وتحرّكاته حدّ فداء النفس". يذكر لقاءات قرنة شهوان والمواعيد شبه اليومية معه. "وحين يدبّ في الأعماق يأسٌ أو وهن، ترفرف روحه وتمنحنا القوّة". يتساءل: "ماذا لو لم يرحلوا؟ ماذا كانوا سيفعلون اليوم؟ هل يستسلمون أم ينهضون بالبلد؟ التضحيات لن تُهدر. مَن تربّى على رجالات من نوع غسان وجبران تويني، سمير فرنجيه وباقات الشهداء، لن يعرف اليأس وإن بلغ الشقاء أقصاه".
 



 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم