الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

بين العصيان والالتزام... ماذا ينتظرنا في حال فشل الإقفال مرة جديدة؟

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
"النهار" تدقّ ناقوس الخطر... ما تستهتر!
"النهار" تدقّ ناقوس الخطر... ما تستهتر!
A+ A-
بعد فشل الإغلاق الجزئي، تجرعت الحكومة كما الناس كأس الإقفال العام مع بعض الاستثناءات. هذا القرار الجريء كما وصفه وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، ليس كافياً إذا لم يترافق مع خطوات جدية وخطة واضحة للأشهر المقبلة. لم يعدّ أحد يتحمل الحلول الوسطية أو الجزئية، الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة باتت تقتل الناس أيضاً، الدولة عاجزة وتتخبط في استشاراتها العقيمة، والفيروس يفتك في مجتمع متهالك. الوضع صعب والخيارات محدودة وعلى الجميع تحمل المسؤولية أفراداً ومسؤولين. وأمام ما وصلنا إليه،سؤال واحد يبقى الأهم: ماذا بعد الإقفال؟ وماذا لو فشل الإقفال ولم يأتِ بالنتائج المرجوة؟
 
إذاً نهار السبت الواقع في 14 تشرين الثاني سيدخل لبنان في عزلته لأسبوعين كاملين قابلين للتمديد، الامتحان صعب ودقيق فإما النجاح في تخفيف العبء على القطاع الاستشفائي وتخفيض عدد الإصابات الذي ما زال يواصل ارتفاعه، وإما السقوط في الهاوية مع سنياريوات كارثية باتت أكثر واقعية اليوم في ظل تفشي الفيروس واستنزاف القدرة الاستشفائية التي بلغت قدرتها القصوى.

يرى البعض أن الإقفال هو الفرصة الأخيرة أمام الناس كما الدولة في إحداث التغيير وأن نعود مثالاً للمنهج الناجح والجيد في التعامل مع #كورونا كما حصل في بداية انتشاره في لبنان. ولكن هواجس عدد من الأطباء والمعنيين وشريحة كبيرة من الناس تختصر الأزمة التي ندور في فلكها بصورة مستمرة، عالقون في الاستثناءات والعصيان والوضع الاقتصادي الرديء. وعليه، جاء قرار الإقفال بعد فشل تطبيق توصيات لزيادة قدرة المستشفيات، كما كتب طبيب الطوارئ على تويتر الدكتور مازن السيد أن "التوصيات واضحة، المشكلة في لبنان مشكلة تنفيذ وتحمّل مسؤوليات، اقفال عام يليه احتفال بالأعياد وكأن شيئاً لم يكن".
 
يعرف الأطباء جيداً ما قد تؤول إليه الأمور، صرختهم منذ أسابيع فعلت فعلها في الضغط على المستشفيات الخاصة لتشغيل 10% من أسرتها لمرضى كورونا. لم تعدّ المستشفيات الحكومية وبعض المستشفيات الخاصة قادرة على تحمل العبء وحدها.

برأي مدير مستشفى الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض أنه "برغم الوضع الاقتصادي الصعب، الاقفال العام لمدة أسبوعين فقط هو أضعف الإيمان، وأقل المطلوب، إذا أخذنا الأرقام بالاعتبار. يجب خفض نسبة الانتشار، والحد من الضغوط على المستشفيات والأطقم الطبية المنهكة. علينا جميعاً أن نتساعد لإنجاح هذه الخطوة، كي نكبح العدوى، إلى أن يصل اللقاح".

أول من أمس، وفق الأبيض "بلغت نسبة إشغال أسرة العناية المركزة ٩٤٪ (٣.٥/٣٢٥). وتعدى معدل وفيات الكورونا اليومي العشر. وتدل نسبة الفحوصات الموجبة التي تعدت ١٤٪ أن الوباء ينتشر من غير رادع".

دق الأطباء في الآونة الأخيرة ناقوس الخطر، محذرين من كارثة صحية خطيرة، ولم يخفِ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب السيناريو الكارثي الذي لا يُشيه أي سيناريو آخر، قائلاً إن "إذا التزم اللبنانيون الإجراءات، ونجحنا باحتواء الوباء عبر تخفيض عدد الإصابات، فإننا نكون قد أنقذنا الناس. لقد بلغنا الخط الأحمر في عدد الإصابات، وبلغنا مرحلة الخطر الشديد في ظل عدم قدرة المستشفيات، على استقبال المصابين ونخشى أن نصل إلى مرحلة يموت فيها الناس في الشارع.
"
 
وسواء كان هذا الكلام من باب التهويل أم الحقيقة، يبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة، ماذا لو فشل الإقفال مرة جديدة؟ وما هو السيناريو الذي ينتظرنا خصوصاً أن الأعياد على الأبواب والشتاء سيكون قاسياً بين الإنفلزنزا والكورونا؟
 
 
 
 

 
برأي المدير الطبي في مستشفى أُوتيل ديو دو فرانس" والاختصاصي في الأمراض الصدرية الدكتور جورج دبر أن "المستشفيات اليوم وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى في ظل ارتفاع الإصابات اليومية وعدم مشاركة بعض المستشفيات في زيادة عدد أسرة لمعالجة حالات كورونا. وفي حال بقيت الإصابات في ازدياد، لن يتمكن المرضى من ايجاد سرير في المستشفى، ما سيؤدي حكماً إلى ارتفاع نسبة الوفيات. لذلك كان الهدف من الإقفال لإراحة القطاع الصحي المنهك ولملمة قواه، وخروج المرضى المتواجدين اليوم في المستشفيات للمعالجة بالفيروس."

وأشار إلى أنه "حتى ينجح الإقفال يجب أن يكون شاملاً وعاماً وشبيهاً للتعبئة العامة في شهر نيسان الماضي، ويجب أن يكون مدروساً لمراعاة الوضع الاقتصادي، وأن يكون هناك مؤازرة للقوى الأمنية لتطبيق الإجراءات بشكل صارم. وبالتالي الإقفال والسماح لبعض القطاعات بالعمل وفق قوانين وشروط معينة، ومراقبة مدى تنفيذها وتطبيق الإجراءات سيعطي النتيجة المرجوة."

ويتساءل دبر  "
هل ستتمكن الدولة المشغولة في تأمين الأمن ولملمة آثار انفجار بيروت وترسيم حدودها في تخصيص الطاقة المفروضة لمراقبة مدى تطبيق القطاعات المستثناة من الإقفال بالتدابير والإجراءات؟ هل لدينا القوى الأمنية الكافية لضبط المخالفات، وهل ستلعب البلديات دورها؟ وهل الشعب اللبناني سيكون واعياً في الالتزام بالمعايير الوقائية؟ نحن اليوم رهن كل هذه الأمور لإنجاح خطة الإقفال".

علينا النظر إلى الواقع من منظارين: من ناحية الشعب التي يرزخ تحت ازمة اقتصادية كبيرة وبحاجة للعمل لأن الدولة عاجزة عن مساعدته. ومن منظار آخر، الدولة عاجزة عن تأمين أسرة لإنقاذ الناس نتيجة كورونا. ومن واجباتها المحافظة على كل الشعب.

وأكد دبر أن "الطاقم الطبي منهك اليوم، وأمامنا 6 أشهر قاسية، لا يهم أن يكون هناك سرير بقدر ما يهم أيضاً أن يجد المريض من يهتم به،
خصوصاً في ظل الإصابات التي طالت الطاقم الطبي والهجرة للطاقم الطبي والتمريضي الكبير. وبالتالي في حال لم يتدارك الناس خطورة الوضع، سنصل إلى واقع قاسٍ حيث لن يجدوا مكاناً لهم في المستشفى."
 
وفي النهاية "من واجبات المواطن الالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وغسل اليدين وتفادي التجمعات. وعلى الدولة مراقبة مدى تطبيق الإجراءات على أرض الواقع والتأكد من التزام الجميع بقرار الإقفال. وأي بقعة لم تلتزم فهي ستؤدي إلى كارثة وكأن الإقفال لم يحصل".
 

 
في حين تساءلت رئيسة قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة سهى كنج "ما نفع الإقفال اليوموبعدها تأتي الأعياد وتعود الناس إلى مخالطة بعضها دون أدنى وقاية؟ يجب أن يترافق الإقفال مع التزام المواطنين بإرشادات لمنع انتشار الفيروس. وصلت المستشفيات اليوم إلى قدرتها الإستشفائية القصوى، ونعالج المرضى من المنزل ونطلب منهم شراء جهاز الأوكسيجين لمراقبة حالتهم، وفي حال انخفضت النسبة إلى 94، نطلب منهم التوّجه إلى المستشفى لأنه لم يعد بوسع المستشفى استقبالهم."
 
مستطردة "لستُ مع الإقفال، لأن هذا القرار في الظروف التي يمرّ بها البلد، حيث يرزخ مواطنوه تحت الفقر والعوز سيؤدي الإغلاق إلى تردي أكبر في المجتمع. لذلك كنت اتمنى عوضاً عن اتخاذ قرار الإقفال، اللجوء إلى المراقبة وتشديد المحاسبة ومعاقبة المخالفين، والتوجّه إلى المطاعم والمؤسسات التي لا تراعي المعايير والتدابير لمحاسبتها بدلاً من محاسبة كل الناس. وبالتالي الإقفال في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة يضرّ ولا ينفع."

إذاً الإقفال في هذه المرحلة مسؤولية كبيرة وفق كنج، صحيح أنه في الفترة السابقة كان أمراً ضرورياً حتى تتمكن المستشفيات من تجهيز نفسها. أما اليوم المستشفيات جهزت نفسها على قدر امكانياتها، ولكن السؤال الأهم هل سيلتزم اللبنانيون في التدابير الوقائية؟ صحيح أن المستشفيات الميدانية ستخفف العبء وتساعد في معالجة حالات الكوفيد، إلا أننا في موسم الشتاء وستزيد الحالات الفيروسية بين الانفلونزا وكورونا أو الإثنين معاً، وبالتالي سنصل إلى مرحلة نُبقي المرضى في الطوارئ أو نعتذر عن استقبالهم."

مضيفةً "كنت أشدد على أننا لم نصل بعد إلى السيناريو الإيطالي، أما اليوم وبعد إلزام المستشفيات على استقبال 10% من حالات كورونا، نتمنى عدم الوصول إلى السيناريو الكارثي وعدم استقبال المرضى، ولتفادي ذلك نحتاج إلى وعي جماعي".

وتأمل كنج أن "يحرص وزير الصحة ونقيب المستشفيات الخاصة على مراقبة المستشفيات والتأكد من تخصيص أسرة لمرضى كورونا، في حين أن بعض المستشفيات لا تستقبل حالات كورونا. لذلك ندعو إلى التدقيق للتأكد من إلتزام المستشفيات وتحمل مسؤوليتها، وبالتالي لن يتعذر علينا عدم معالجة المرضى وسنجتاز هذا الامتحان بالوعي والتعاون المشترك".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم