الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف تساعد تقنية "التعرف على الوجه" في تحديد هوية ضحايا حرب أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
كاهن يصلّي على أكياس الجثث في مقبرة جماعية في الحديقة المحيطة بكنيسة القديس أندرو في بوتشا (7 نيسان 2022 - أ ف ب).
كاهن يصلّي على أكياس الجثث في مقبرة جماعية في الحديقة المحيطة بكنيسة القديس أندرو في بوتشا (7 نيسان 2022 - أ ف ب).
A+ A-
أعلنت شركة التعرّف على الوجه "Clearview AI" (كليرفيو) الشهر الماضي أنّها وضعت تقنيتها المتعلقة بالتعرّف على الوجه باستخدام الذكاء الاصطناعي، في تصرّف الحكومة الأوكرانية التي تخوض حرباً ضد القوات الروسية. وقرّرت السلطات الأوكرانية اللجوء إلى هذه الطريقة المتطوّرة الأكثر إثارة للجدل حول العالم، للتعرف على جثث الضحايا.
 
وقد عُثر مؤخّراً على جثة رجل في خاركيف في شرق أوكرانيا وسط الركام، رأسه مائل إلى الأسفل، وقد غطّت الكدمات عينيه، وجسده عارٍ، باستثناء سرواله داخليّ، ويملك وشما على كتفه الأيسر، من دون معرفة ملابسات وفاته.
 
لكن السلطات الأوكرانية عجزت عن تحديد هويّته، فقرّرت اللجوء إلى طريقة التعرّف على الوجه باستخدام الذكاء الاصطناعي، عبر نظام "كليرفيو". وللغاية، استقت الشركة مليارات الصّور من منصّات التواصل الاجتماعيّ لإنشاء قاعدة بيانات ضخمة لما يسمّيه رئيسها التنفيذي ومؤسّسها هوان تون ذات "محرّك بحث عن الوجوه"، مشيراً في حديث لـ"بي بي سي" إلى أنّ النظام يعمل على غرار محرّك "غوغل"، و"لكن بدلاً من استخدام سلسلة كلمات أو نصوص للبحث، تُستخدم صورة للوجه".
 
وقد واجهت الشركة سلسلة تحدّيات قانونيّة، إذ رفع كلّ من "فايسبوك" و"يوتيوب" و"غوغل" و"تويتر" بلاغات وقف وكفّ يد ضدّ "كليرفيو" لمطالبتها بالتوقّف عن استخدام الصور من المنصّات، في وقت فرض مكتب مفوّض المعلومات في المملكة المتّحدة غرامة على الشركة لعدم إبلاغها الأفراد بأنّها عملت على جمع صورهم.
 
أمّا اليوم، فقد أثار استخدام التقنيّة من قبل الحكومة الأوكرانية تساؤلات حول الآثار المترتّبة على إقحام تكنولوجيا قويّة كهذه في حرب نشطة، خصوصاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا، إذ وضع مؤسس "كليرفيو" استخداماً آخر لهذه التكنولوجيا.
وفي ضوء انتشار صور جثث وأخرى لأسرى الحرب، أشار الى أنّ "هذه التقنية قد تكون مفيدة في تحديد الهويّة والتحقّق من الأخبار"، حيث عُرضت على الحكومة الأوكرانيّة وتمّ قبولها.
 
وفي خاركيف، التقطت السلطات صورة لوجه القتيل، وهو مرفوع الرأس، وعيناه تتّجهان نحو الكاميرا، قبل تشغيل قاعدة بيانات "كليرفيو"، فجاء البحث بصور عدّة لشخص يُشبه القتيل إلى حدّ بعيد.
 
إشارة الى ان استخدام تقنية التعرّف على الوجه للتعرّف على الموتى ليس بالأمر الجديد، ولا تُعدّ "كليرفيو" المنصة الوحيدة المستخدمة للقيام بالعملية في أوكرانيا.
 
ويقول مدير الأبحاث في "بيلينغكات" (Bellingcat) أريك تولر، وهي منظمة متخصّصة في الصحافة الاستقصائية: "نحن نستخدم هذه التقنيات منذ سنوات".
 
في العام 2019، استخدمت "بيلينغكات" تقنية التعرف على الوجه للمساعدة في التعرف على رجل روسيّ صوّر تعذيب وقتل سجين في سوريا، وإن يكن استخدام التقنية في أوكرانيا أوسع نطاقاً من استخدامها في أيّ صراع سابق.
 
ويقول تولير إنّه يستخدم منصّة التعرف على الوجه "فايندكلون" (FindClone) في روسيا، والتي تعمل كما "كليرفيو"، وإنّها كانت مفيدة بشكل خاص في التعرف على الجنود الروس القتلى.
 
أضاف: "حتى الأشخاص الذين ليس لديهم حسابات إلكترونية يمكن العثور عليهم. "فقد لا يكون لديهم ملف تعريف على وسائل التواصل، لكنّ زوجاتهم أو صديقاتهم قد يكون لديهن... وأحياناً قد يكون لديهم ملفات شخصيّة ويعيشون في بلدة صغيرة، فيها قاعدة عسكريّة كبيرة. أو قد يكون لديهم الكثير من الأصدقاء"، واصفاً "فايندكلون" بـ"أداة تحقيق".
 
حديث تولير نقطة أساسية في فهم قوّة تقنية التعرّف على الوجه، إذ تدلّ على أنّه حتى لو لم يكن لدى الشخص ملف تعريف على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل، يبقى العثور عليه عبر الإنترنت ممكناً، وإن من خلال ظهوره في خلفيّة صورة عشوائيّة على الإنترنت، إذ إنّه موجود في قاعدة البيانات.
 
وهذا يعني أيضاً أفراد الجيش أو الأمن، الذين بالكاد يسجّلون أيّ ظهور على الإنترنت، اذ يمكن تعقّبهم.
 
 
ما مدى دقّة هذه التقنية؟
يشير النقّاد إلى أنّ تقنية التعرّف على الوجه ليست دقيقة دائماً، معتبرين أنّه خلال الحرب يمكن أن يكون للأخطاء عواقب وخيمة.
 
في أوكرانيا، لا يقتصر استخدام "كليرفيو" على تحديد هوية الجثث، فقد أكّدت الشركة أيضاً أنّ الحكومة تستخدم التقنية عند نقاط التفتيش للمساعدة في التعرف على المشتبه بهم ممّن تعتبرهم "أعداء".
 
وفي الإطار، أطلعت الشركة "بي بي سي" على رسالة بريد إلكترونيّة من وكالة أوكرانية تؤكّد أنّ النظام قد استُخدم للتعرّف على الأحياء. وجاء في رسالة مسؤول أوكراني طلب عدم ذكر اسمه: "النظام أعطانا الفرصة للتأكّد من دقّة بيانات المشتبه بهم المحتجزين بسرعة".
 
ويُشير البريد إلى أنّه "أثناء استخدام (كليرفيو)، تمّ إجراء أكثر من ألف استعلام بحث لإجراء التحقق وتحديد الهوية المناسبين"، على رغم أنّ هذا الأمر يُثير قلق بعض المحللين.
 
ويقول كونور هيلي، خبير في التعرف على الوجه في منظمة "IPVM" التي تقوم بمراجعة تكنولوجيا الأمن: "من المهم أن تدرك القوات الأوكرانية أنّ هذه ليست طريقة دقيقة بنسبة 100 في المئة لتحديد ما إذا كان شخص ما حليفها أو عدوها". ويشدّد على ضرورة أن لا تتحول التقنية إلى "تقنية حياة أو موت".
 
بدوره، دق ألبرت فوكس، من مشروع مراقبة تكنولوجيا المراقبة التابع لمجموعة المراقبة، جرس إنذار، واصفاً استخدام "كليرفيو" بـ"كارثة حقوقيّة في طور التكوين".
وفي حديث لمجلة "فوربس" قال فوكس: "عندما ترتكب تقنية التعرف على الوجه أخطاء في وقت السلم يتمّ إلقاء القبض على الناس خطأً. وعندما ترتكب تقنية التعرف على الوجه أخطاءً في منطقة حرب، يتم إطلاق النار على الأبرياء".
 
في المقابل، دافع تون ذات عن دقة تقنية "كليرفيو" التي أسّسها، قائلاً إنّ الاختبارات وجدت أنها "دقيقة بنسبة تزيد عن 99 بالمئة".
 
لكن استخدام "كليرفيو" يطرح قضيّة الخصوصية التي كانت مثّلت إشكاليّة للشركة في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تسحب الصور المتاحة للجمهور من شركات مثل "فايسبوك" و"إنستغرام" لبناء قاعدة بياناتها، في الوقت الذي لم تسأل "كليرفيو" شركات التواصل الاجتماعيّ، أو أيّ شخص في الواقع، عمّا إذا كان بإمكانها جمع الصور، ولم تُمنح الإذن لاستخدامها.
 
في العام الماضي، غُرّمت "كليرفيو" من قبل مكتب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة لعدم إبلاغ الأفراد بأنّها كانت تجمع صوراً لهم من منصات التواصل الاجتماعي.
 
يوافق تون على أنه لا يزال هناك جدل حول شرعية تقنية التعرف على الوجه، لكنه يعتقد أنّ "كليرفيو" تعمل ضمن القانون، قائلاً إنّ التكنولوجيا "أسيء فهمها".
 
في تشرين الثاني من العام الماضي، ذكرت "بي بي سي" أنّه تم وضع خطط في الصين لاستخدام تقنية التعرف على الوجه لاستهداف الصحافيين. وقال تون إنّ "كليرفيو" لن تسمح بهذه الأنواع من عمليات البحث، حتى لو كان من الممكن استخدامها بهذه الطريقة، مؤكّداً أنّ "كليرفيو" لا تعمل مع الحكومات الاستبدادية وأنّ الشركة لن تعمل مع روسيا.
 
وتبقى الإشكاليّة قائمة، وذات بُعد حقوقيّ، وتطرح سؤالا مفاده بأنّه إذا كانت تقنية التعرف على الوجوه مفيدة للسلطات الأوكرانية في وقت الحرب، فهل تعيدها ببساطة إلى "كليرفيو" في وقت السلم؟
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم