مشكلة لبنان الأكبر في أن اللبنانيين لم يدركوا أن الطائفية والدولة المدنية المعاصرة لا تجتمعان
في الثاني عشر من تموز من عام 2006، نجح عناصر حزب الله في أسر جنديين إسرائيليين، وكنت في غاية السعادة عند سماع هذا الخبر، ومع كل صاروخٍ سقط على مستوطنة إسرائيلية كانت تعلو صيحاتي "الله أكبر". لمَ لا؟ فالمقاومة من المبادئ السامية. فلم أجد وقتها سبباً مقنعاً لأن ينتقدها أحد. ولكن مع مضي الوقت بدأت أشككُ في قداسةِ هذه الفكرة، فكلما طالبنا في سوريا بأشياءَ بسيطة من قبيل محاربة الفساد أو مجرد محاربة الهدر كنا نتلقى تهماً بالخيانة، فنحن ننتقد الدولة التي تدعم المقاومة. وحينها بدأت ألتمسُ عذراً لمن ينتقد المقاومة من اللبنانيين.
نعم أعلم أن المقاومة قد كسرت شوكة العدو الصهيوني، فذلك جلي في إعلامه، وأعلم أيضاً أن عناصر حزب الله قدموا تضحياتٍ كبيرة. ولكن ما أعلمه جيداً هو أن المقاومة ليست خالصةً في لبنانيتها، وأن نبرتها تعلو تارةً، وتنخفض تارةً أخرى، بالتزامن مع مفاوضات دولية هنا، أو جبهةٍ إقليمية هناك. ولكن علينا أن نكون منصفين، إذ لا يمكننا أن نحرم على المقاومة ما نحلله لغيرها، فنزع سلاح المقاومة هو مطلبٌ خارجي أيضاً، وهذه مشكلةٌ بحد ذاتها.
لم يستطع لبنان التزام حالةٍ من الحياد تحميه من عواصف المنطقة. وخلافاً لذلك، كان رأس الحربة في النزاعات الدائرة، فلو أخذنا الحرب السورية كمثال، سنجدُ أن الأطراف اللبنانية قد دخلت فيها منذ البداية، إذ تم تشجيع السوريين على اللجوء إلى لبنان من قبل بعض الأطراف اللبنانية، وقد تم تشجيع الدولة السورية في المقابل على اعتماد الحل الأمني من قبل أطراف لبنانيةٍ أخرى. إذ لم يدرك اللبنانيون أن الحياد هو خيارهم الاستراتيجي، وأن ذلك سيجعل الدول تتنافس لجذب لبنان المستقل عوضاً عن صراعها داخل الساحة اللبنانية، ولم يدركوا أيضاً أن بلدهم أصغرُ من أن يخاصم أحداً، بما في ذلك سوريا المقسّمة. ونحن هنا لا نقلل من شأن لبنان، ولكننا نتحدث بتجرد وحرص. وبدخول اللبنانيين في تجاذبات المنطقة، رهنوا استقرارهم بالتوافقات الدولية والإقليمية، ومثل هذه التوافقات هي استثناء لا قاعدة في منطقتنا الملتهبة.
مشكلة لبنان الأكبر في أن اللبنانيين لم يدركوا أن الطائفية والدولة المدنية المعاصرة لا تجتمعان حتى في أقوى المفارقات الأدبية، وأن الدولة التي بنوها على محاصصات وتوافقات طائفية، هي دولة ذات أسسٍ هشة، ما جعلها تتهاوى عند أي هزةٍ. وعند مراجعة الوضع في السنوات الأخيرة، سنجد أن البلد في حالةِ شللٍ تام، نتيجة الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين، فكل فريق لديه ما يكفي من الأنصار لشل الحياة السياسية والاقتصادية، ولم يستوعب الفرقاء استحالة إقصاءِ أحدٍ من المشهد السياسي.
قد يبدو سلاح حزب الله المعضلة الأكبر في لبنان، ولكن البت في أمره غير كافٍ، ﻷن البنية المتصدعة للدولة اللبنانية ستفضي إلى مشكلاتٍ أخرى. فما يحتاجه اللبنانيون بشدة، هو وضع أسسٍ جديدةٍ لدولتهم، ونسفُ الصبغةِ الطائفية للأحزاب السياسية، وبناء أحزاب مدنية عابرةٍ للطوائف والمناطق، والخطوة الأولى في هذا الطريق تبدأ بالفرد الذي عليه أن يعي بأن زعيم تياره من صنف البشر، له ما له وعليه ما عليه، لا تجلياً للإله على الأرض. وحين يدركُ اللبنانيون كل ذلك، سنجد لبنان البلد الذي عرفناه يوماً بسويسرا الشرق، وإلا سيبقى البلد رهن المَد والجزر في محيط هذه البؤرة الملتهبة من العالم.
نعم أعلم أن المقاومة قد كسرت شوكة العدو الصهيوني، فذلك جلي في إعلامه، وأعلم أيضاً أن عناصر حزب الله قدموا تضحياتٍ كبيرة. ولكن ما أعلمه جيداً هو أن المقاومة ليست خالصةً في لبنانيتها، وأن نبرتها تعلو تارةً، وتنخفض تارةً أخرى، بالتزامن مع مفاوضات دولية هنا، أو جبهةٍ إقليمية هناك. ولكن علينا أن نكون منصفين، إذ لا يمكننا أن نحرم على المقاومة ما نحلله لغيرها، فنزع سلاح المقاومة هو مطلبٌ خارجي أيضاً، وهذه مشكلةٌ بحد ذاتها.
لم يستطع لبنان التزام حالةٍ من الحياد تحميه من عواصف المنطقة. وخلافاً لذلك، كان رأس الحربة في النزاعات الدائرة، فلو أخذنا الحرب السورية كمثال، سنجدُ أن الأطراف اللبنانية قد دخلت فيها منذ البداية، إذ تم تشجيع السوريين على اللجوء إلى لبنان من قبل بعض الأطراف اللبنانية، وقد تم تشجيع الدولة السورية في المقابل على اعتماد الحل الأمني من قبل أطراف لبنانيةٍ أخرى. إذ لم يدرك اللبنانيون أن الحياد هو خيارهم الاستراتيجي، وأن ذلك سيجعل الدول تتنافس لجذب لبنان المستقل عوضاً عن صراعها داخل الساحة اللبنانية، ولم يدركوا أيضاً أن بلدهم أصغرُ من أن يخاصم أحداً، بما في ذلك سوريا المقسّمة. ونحن هنا لا نقلل من شأن لبنان، ولكننا نتحدث بتجرد وحرص. وبدخول اللبنانيين في تجاذبات المنطقة، رهنوا استقرارهم بالتوافقات الدولية والإقليمية، ومثل هذه التوافقات هي استثناء لا قاعدة في منطقتنا الملتهبة.
مشكلة لبنان الأكبر في أن اللبنانيين لم يدركوا أن الطائفية والدولة المدنية المعاصرة لا تجتمعان حتى في أقوى المفارقات الأدبية، وأن الدولة التي بنوها على محاصصات وتوافقات طائفية، هي دولة ذات أسسٍ هشة، ما جعلها تتهاوى عند أي هزةٍ. وعند مراجعة الوضع في السنوات الأخيرة، سنجد أن البلد في حالةِ شللٍ تام، نتيجة الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين، فكل فريق لديه ما يكفي من الأنصار لشل الحياة السياسية والاقتصادية، ولم يستوعب الفرقاء استحالة إقصاءِ أحدٍ من المشهد السياسي.
قد يبدو سلاح حزب الله المعضلة الأكبر في لبنان، ولكن البت في أمره غير كافٍ، ﻷن البنية المتصدعة للدولة اللبنانية ستفضي إلى مشكلاتٍ أخرى. فما يحتاجه اللبنانيون بشدة، هو وضع أسسٍ جديدةٍ لدولتهم، ونسفُ الصبغةِ الطائفية للأحزاب السياسية، وبناء أحزاب مدنية عابرةٍ للطوائف والمناطق، والخطوة الأولى في هذا الطريق تبدأ بالفرد الذي عليه أن يعي بأن زعيم تياره من صنف البشر، له ما له وعليه ما عليه، لا تجلياً للإله على الأرض. وحين يدركُ اللبنانيون كل ذلك، سنجد لبنان البلد الذي عرفناه يوماً بسويسرا الشرق، وإلا سيبقى البلد رهن المَد والجزر في محيط هذه البؤرة الملتهبة من العالم.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
اقتصاد وأعمال
12/5/2025 9:26:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات
العالم العربي
12/7/2025 2:40:00 PM
ضابط سوري سابق: "بدا الأمر كأنه معدّ مسبقاً. لكنه كان مفاجئاً لنا. كنّا نعرف أن الأمور ليست على ما يرام، لكن ليس إلى هذا الحد"...
سياسة
12/7/2025 9:18:00 AM
"يديعوت أحرونوت": منذ مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات، لم يتواصل الدبلوماسيون الإسرائيليون واللبنانيون مباشرةً
سياسة
12/7/2025 12:00:00 PM
الأسلحة الأميركية للجيش تشمل مركبات وأسلحة متوسطة دفاعية لا هجومية ضمن المساعدات الدورية...
نبض