الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

الانشقاق الكبير.. هل هو قدر البشر؟

المصدر: النهار - محمد عبدالله فضل الله - كاتب وحوزوي
إنّ عبارة "الانشقاق الكبير"في تاريخيتها تنبىء بأحداثٍ تشي بجملة من الانشقاقات تبعاً لطبيعتها وعمقها المؤثر لاحقاً على الوسط الإيماني
إنّ عبارة "الانشقاق الكبير"في تاريخيتها تنبىء بأحداثٍ تشي بجملة من الانشقاقات تبعاً لطبيعتها وعمقها المؤثر لاحقاً على الوسط الإيماني
A+ A-
إنّ عبارة "الانشقاق الكبير"في تاريخيتها تنبىء بأحداثٍ تشي بجملة من الانشقاقات تبعاً لطبيعتها وعمقها المؤثر لاحقاً على الوسط الإيماني. ومن هذه الانشقاقات الكبيرة والأساسية - ذات البعد اللاهوتي المسيحي- قيام عقيدة أسّسها شخص يدعى "نسطور"، ونادى بها معتبراً أن للسيد المسيح طبيعتين بشرية وإلهية، ومشيئتين بشرية وإلهية، وقد نصَّب نفسه بطريركاً على القسطنطينية من سنة 428-431م ( فيليب حتي: موجز تاريخ الشرق الأدنى بيروت 1970 ص 128-129).
إسلامياً كان الانشقاق الكبير عام11هجرية يوم وفاة النبي محمد "ص" وما تبع ذلك من آراء سياسية ودينية حول خلافته، وأدّى وقتها إلى انقسامات لا تزال تطبع بطابعها العام حياة المسلمين إلى اليوم.
ليست الفرق المنشقة تمثل الحقيقة المطلقة التي تحوي الكمال على مستوى الشعور الإيماني والممارسات السلوكية العملية، فدائماً هناك مطبات واندفاعات وتراجع، حسب الظروف الواقعية واللحظات التاريخية بما تضج به من حركة فكرية وسياسية ودعائية تنشط حيناً وتهدأ أحيانا كثيرة...
نعم هو الانشقاق الكبير في الإسلام عندما انحسر التفكير الجماعي، وطغت الأنانية الفردية، وعندما عبد الله بالطقوس والشكلانية وهجر من ساحات التكافل والتراحم والتعاون، عندما غلبت روح الطوائف المتمترسة حول مصالحها الرخيصة، وغاب التلاقي والانفتاح وتحولت كثرة المذاهب إلى نقمة بدل أن تكون نعمة وغنى.
ليس الإيمان رسماً ولا شكلاً عندما يحيا الفرد أو تحيا الجماعة الانفصال والتشتت متناسية أن الإيمان يوحّد ويجمع ويشدّ القوى بعضها إلى بعض، لتكون انعكاساً سلساً للغة الإيمان بكل ما تزخر من خير وجمال.
إلى اليوم لم نخلق كمؤمنين أو غير مؤمنين توافقاً سلمياً وحكيماً بين الإيمان وبين مقتضياته في تجاوز كل أنواع الانكماش على الذات وأهوائها ومصالحها. هنا بدأ مسسل الانشقاق الكبير يتفاعل ويكبر حجمه ودوره، ولا غرابة في ذلك ما بقيت هذه الأنانيات مستحكمة تخنق الذات وتشلّها وتمعن في تفريغها وسجنها في فوضى عمياء.
إن الممارسة للأفكار والمعتقدات معيار ما وصل إليه الفرد كما الجماعة من مستوى يرسم حاضرها ومستقبلها؛ فالممارسة الناجحة تعكس اختمار روح الإيمان وتلبّسه بالكيان الفردي والجماعي، الذي ينجذب إلى عقلية الملاحظة والشكّ والسؤال والاستنتاج؛ بمعنى آخر يحرك طاقاته بإيجابية إلى أقصى الحدود مستفيداً من جذوة الإيمان كي يندفع إلى الخارج بانياً لكلّ ما يؤهل الحياة وينفعها.
حصل الانشقاق الكبير يوم ارتحل النبي "ص" ولم يفهم المسلمون وقتها أن رسالته تستوطن كل شعور مترفع عن الأنا والجهوية والعشائرية، وأنّ الرحمة للعالمين تتسع لكل الناس، وتلزمك بأن تكون إنسان الله العامل بإخلاص وفي سبيله، لا في سبيل نفس أحد من البشر مهما كان شأنه.
لم يفهم المسلمون أنَّ الصنميّة تستوطن في كلّ شخص نحاول تقديسه حتى الثمالة، وبلا وعي وأنَّ النبي "ص" جاهد حق الجهاد كي يحطّم عبادة الأشخاص من دواخل النفس، وأن ينتزع منها هذه البدائية الجهلاء.
المخلصون وحدهم فهموا حقيقة التعارف والتعاون، وكوّنوا عقداً اجتماعياً قائماً على احترام كرامة الإنسان ودمه وماله وعرضه وضرورة نيله لحقوقه في العيش الكريم.
فهم المخلصون أن السطو والفساد يستمران ما دامت الفئات التي عليها تغيير المسار مغيبة، أو مسحوقة، أو هي ذاتها لم تعدّ العدّة لليوم الذي تنتفض فيه وتطلق الصرخة بوجه الطغاة والفاسدين.
نعم إن مسلسل الانشقاقات الكبير مأساة إنسانيتنا جمعاء، يوم افتعلنا أزماتنا الوجودية العميقة وتخلينا عن الغوص في أعماق الأشياء والأفكار، وعشنا على السطح، وحدث الانفصال والطلاق البائن ما بين الاعتقاد والممارسة الصادقة، وحصلت الفوضى وتداخلت الأمور وتشابكت إلى درجات لم تعد تُطاق.
هنا يُمكن لمن آمنوا بالمسيح "ع" أو محمد "ص" أن يحقّقوا غاية عقيدتهم في حياة كريمة عندما يتجاوزون فعلاً لا قولاً تجارب الانشقاقات الوجودية المدوّية عبر تاريخهم، ليتشاركوا مع الجميع النعمة، وليبتعدوا عن الغفلة، وبذلك يصير الجميع واحداً ومتوحداً حقيقةً بالله.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم