الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

الحقبة المظلمة في منظور الماركسيين وخلاص المجتمع العربي

المصدر: النهار - يوسف علي يوسف - العراق
 جاء هذا المقال بأبسط طرح بالنسبة لجزئية التفسير الماركسيّ للحقبة المظلمة
جاء هذا المقال بأبسط طرح بالنسبة لجزئية التفسير الماركسيّ للحقبة المظلمة
A+ A-
الرفاهية بالرغم من كونها العنصر المغيب عن معظم الشعوب العربية، فإن تغييبها يمكن أن يكون أحد دوافع النجاح والنهضة. فقد رأت الماركسية في أحد جوانبها أن المجتمع يزداد معدّل إنتاجه الثقافي كلما ازداد حرج المرحلة، وأخذت بذلك من اليونانين مثلًا في وقت الحروب الشعواء، التي دارت في العقود المنصرمة؛ فقد كانت الحرب الأهلية قد غزت كلّ أنحاء المدن والقرى، ووصلت إلى عمق المجتمع، ممّا سبّب الدمار في شتى أجزاء المجتمع، فحصل تفكّك كبير في أواصر المجتمع اليوناني؛ ومع ذلك أنتجت تلك المرحلة المظلمة خير ما أنتجه اليونانيون من مستوى ثقافيّ وعلميّ، إذ أبدعوا في الرياضيّات والفلسفة والعلوم والأدب وغير ذلك. وإلى يومنا هذا، ربطوا الدين بالعلم، وجعلوا الدين والعلم متلازمين، ووظّفوا العلم لتفسير الدين والتعمّق في مفاهيمه، وخلقوا مفهوماً يحثّ النّاس على الغور في الدين وهو: أن كلّ تطوّر في العلم يؤدّي إلى معرفة الحقيقة، وأن معرفة الحقيقة تقرّب الفرد إلى الآلهة. بالرغم من أن المبدأ الذي يتّخذه اليونانيون مبتدع في حقيقته فإنّه كان سبيلاً ناجحاً لحثّ النّاس على التقدّم في الاتّجاه العلميّ والثقافيّ، والانصراف عن السلوكيّات التي تزيد من تفكّك المجتمع. لذلك يعتقد الماركسيّون أن الضّغط الناشئ من المرحلة هي التي تعتصر أذهان المجتمع لتنتج أشياء نادرة… أنا لا أعتبر المجتمع العربي كالمجتمع اليوناني، فهناك فرق كبير من ناحية طبيعة التفكير، ومن ناحية مستوى الوعي والطبيعة البشرية لكلٍّ من المجتمعين، لكن على المجتمع العربي على الأقلّ أن يُحافظ على المستوى فلا يزيده سوءاً وضحالة؛ فالمجتمع العربيّ اليوم - ومنذ عقود - يمرّ في فترة مظلمة، ولهذه الفترة مقوّمات زاد قوّة عودها المجتمعُ نفسه. فالمجتمع العربي يزداد جهلاً في وقت يزداد العالم علماً، ويقلّ مستوى الثقافة، وتزداد أواصر المجتمع تفكّكاً وضعفاً، ناهيك بالثقافة الدينيّة، التي يزعمها المجتمع العربي، وهي من أكثر العناصر تزييفاً وحضوراً.
لذلك ليس بالضرورة أن يكون الرقيّ الأدبيّ والثقافيّ في فترة الرفاه، بل على العكس، إذ من الممكن أن يكون الرفاه سبباً لتراخي العزائم وانشغال الأفراد بما تؤمّنه الرفاهية من لذة. وقد يرى بعض القراء أن هناك فترات رفاه أنتجت مستوى علميّاً وحضاريّاً وثقافيّاً يُحتذى به، وهذا ما لا يُنكر على الإطلاق. في المقابل، لا يمكن إنكار أن الفترات المظلمة بإمكانها أن تنتج أشياء عظيمة.
إن المجتمع العربي يعتمد على الماضي، وأمجاده كثيرة، ويغازله أكثر، ويمجّد الحضارة العربية، ولا ينظر إلى نفسه، وهو ضائع في زوبعة الجهل والتأخّر العلميّ والثقافيّ والمعرفيّ. لا يُمكن لأيّ إنسان على وجه الأرض أن ينكر الحضارة العربية وبغداد والشام والحجاز، لكن: ثمّ ماذا؟
الماضي يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لما هو أعظم، لا صدفة مضت وأصبحت لوحة للمغازلة من قبل الشعوب. لذلك، عندما اعتقد الماركسيون أن خنق الحقبة تنتج علماً وأدباً وثقافة كان ذلك رأي صائب، لكن الشعوب العربية باتت تفضّل مغازلة الماضي على العمل للخروج من الزوبعة المظلمة.
إن معظم المجتمعات الراقية اليوم مرت بفترات مظلمة، وهذه الفترات كانت أشدّ صرامة من الفترة التي غطّت المجتمع العربي. فبريطانيا والنروج وأميركا والصين واليابان وغيرها بلدان ومجتمعات كثيرة مرّت بعصور أشدّ سوداوية، بالرغم من أنّه كان لوعي المجتمع نقلة كبيرة في مصير تلك الشعوب.
لا يُمكن أن نرمي الأسباب في حضن الحقبة وسوداويتها، فهذه الحقبة هي التي تظهر عصارة أذهان المجتمع. فإذا كان الواقع الحاضر نتيجة مستمرّة، فهذا يعني أن المجتمع الحالي هو مجتمع جاهل خامل لا يستحقّ الوجود؛ وأمّا إذا اعتبر هذه الحقبة فرصة لاعتصار الأذهان للخروج من الزوبعة، فهذا يدلّ على أن مفهوم الوعي متجسّد في كينونة المجتمع، ممّا يجعله مجتمعاً لا يُستهان به في الأيام المقبلة. لذا، فالمفهوم الماركسيّ في تفسير المجتمع وتأثير الحقب على كلّ مستوياته الثقافية والعلمية تفسير منطقيّ بوجود الدلائل، وإن إنكار هذا التفسير وحقيقته يدلّ على جهل وخمول المُنكر لهذه الحقيقة.
جاء هذا المقال بأبسط طرح بالنسبة لجزئية التفسير الماركسيّ للحقبة المظلمة التي تطغى على الشعوب، وهذا لا يدلّ على أن الرخاء نقمة على العلم والأدب، بل العلم والأدب هما نعمة الفترات المظلمة.




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم