بيّن الرئيس الحسيني في خطاب استقالته عام 2008 عدم شرعيّة المجلس النيابي المرتبطة بغياب استكمال التقسيمات الإداريّة التي نص عليها الطائف والدستور، عدم تحقيق قوانين تطبيقيّة منها قانون هيئة للإشراف على الانتخابات وغيرها من قواعد الالتزام بميثاقيّة مقدمة الدستور. فما هي مقومات إنشاء هيئة للإشراف على الانتخابات الديمقراطيّة في لبنان؟
بداية نقول أنه بعد تضييع معالم البناء المؤسساتي للدولة الديمقراطيّة الذي نعيشه، لا بد لنا من الاستفادة من مقومات مثل هذه الهيئة في فرنسا، المجلس الدستوري هو رأس هيئة الإشراف عن ضمان نزاهة الانتخابات الديمقراطية في فرنسا، تشرف هذه الهيئة على جوانب مختلفة من العملية الانتخابية، صحة الانتخابات، الالتزام بالقوانين الانتخابية وغيرها.
يتألف المجلس الدستوري من تسعة أعضاء، يتم تعيين أعضائه لتسع سنوات غير قابلة للتجديد، ليكون التعيين ثلاثة أعضاء من قبل رئيس الجمهورية، ثلاثة أعضاء من قبل رئيس الجمعية الوطنية وثلاثة أعضاء من قبل رئيس مجلس الشيوخ. يترأس المجلس الدستوري رئيس يتم تعيينه من بين الأعضاء التسعة. أساس عمل هذا المجلس مرتبطة باستقلاليّة السلطة القضائيّة. يعمل المجلس الدستوري بشكل مستقل عن الحكومة، ليكون دوره ضمان الامتثال للقوانين التي تحكم سير العمليّة الانتخابيّة وفق الدستور.
يشرف المجلس الدستوري على حسن سير الانتخابات الرئاسية والتشريعية. يتولى معالجة الشكاوى والنزاعات المتعلقة بالانتخابات والتحقق من نتائجها. يصدر قرارات بشأن دستورية القوانين واللوائح الانتخابية، يضمن امتثال اللوائح الانتخابية للمعايير ويفصل في النزاعات القانونية الناشئة عن العملية الانتخابية.
يعمل المجلس الدستوري بالتنسيق مع هيئات إدارية وقانونية مختلفة على رأسها وزارة الداخلية المسؤولة عن تنظيم وإدارة العمليّة الانتخابية.
تبقى مسألة استقلاليّة وزير الداخلية مصدر قلق بالغ الأهمية في فرنسا، بسبب حجم الدور الذي يلعبه هذا الوزير في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها. هناك العديد من آليات ضمان عدم تدخله في الانتخابات. فهو يشرف فقط على الجوانب الإدارية من تسجيل الناخبين، الخدمات اللوجستية، ضمان توفر المواد المرتبطة بعمليّة التصويت... ويختلف هذا الدور عن عمليّة الإشراف على نزاهة الانتخابات وشرعيتها التي تقع على عاتق المجلس الدستوري والقضاء. تتابع الجوانب التشغيلية لتنظيم الانتخابات من قبل موظفين مدنيين بما يسمح بإبعاد هذه الوظائف عن النفوذ السياسي. يمكن رفع الشكاوى والنزاعات المتعلقة بالعملية الانتخابية أمام المحاكم الإدارية وهذا يوفر مستوى إضافيّاً من التدقيق القضائي.
تتحكم القوانين ومعايير الشفافيّة بالعملية الانتخابية، نشر نتائج الانتخابات والالتزام بالمعايير الإجرائية تعمل كضوابط على نفوذ الوزير. ويمكن للبرلمان الفرنسي من خلال لجانه التدقيق في تصرفات وزير الداخلية. هذه الرقابة البرلمانية هي ضمان منع إساءة استخدام السلطة المحتملة. تساعد الرقابة العامة والإعلامية على متابعة العمليات الانتخابية ومراقبة تصرفات وزير الداخلية لضمان مستوى متقدم من المساءلة والشفافية.
إضافة إلى المجلس الدستوري، تشرف هيئات أخرى مثل اللجنة الوطنية لمراقبة الحملة الانتخابية Commission nationale des comptes de campagne et des partis politiques على جوانب مختلفة من العملية الانتخابية، بما في ذلك تمويل الحملات، هذا ما يساعد في التخفيف من أيّ تأثير محتمل من قبل وزير الداخلية في توازنات العمليّة الانتخابيّة ومعاييرها الموضوعيّة.
تسعى فرنسا من خلال الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، ضمان الرقابة المستقلة والالتزام الشفاف باللوائح إلى منع أيّ تدخّل غير مبرّر من قبل وزير الداخلية في العملية الانتخابية. من المهمّ الاستفادة من هذه العناوين في مشروع استعادة مكانة العمل المؤسساتي لإحياء مشروع الدولة اللبنانيّة.