الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الاستراتيجيّة الدفاعيّة الخاصّة بلبنان

المصدر: "النهار"
الجيش.
الجيش.
A+ A-
د. فؤاد أبو ناضر
 
يحتاج لبنان، في ضوء التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية الجِسام إلى تعزيز استراتيجيته الدفاعية. أنا أطالب، منذ عام 2008 بالاقتداء بالحرس الوطني السويدي (هيمفارنت)، والتأكيد على الحياد والدعوة إلى اعتماد اللامركزية الإدارية. باتت هذه المبادئ اليوم تفرض نفسها، ويبدو أنّ الظروف أصبحت مواتية لتنفيذها.
 
ممّا لا شكّ فيه أنّه ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية-الروسية، بدأت السويد تتخلّى عن سياسة الحياد، علماً أنّها طالما رفضت الانضمام إلى أيّ حلف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي، واكتفت بتوقيع اتفاق شراكة مع الحلف.
 
على الرغم من ذلك، يبقى الحرس الوطني السويدي نموذجاً تجدر دراسته وتطبيقه في لبنان، فيؤدّي دوراً خاصاً، بحيث أنّه يشكّل ذراعاً من أذرع القوات المسلّحة ويقدّم الخدمات الداعمة في زمن السلام كما خلال الأزمات والأحداث الكبيرة، مثل الفيضانات وحرائق الغابات وانتشار الأوبئة، أو بحثاً عن أشخاص مفقودين. في النزاعات المسلّحة، يجب على الحرس الوطني أن يكون قادراً على تقديم الدعم للقوات المسلّحة، خاصّة في مجال حماية المطارات والمنافذ الحدودية والموانئ وغيرها من البُنى التحتية الحيوية. ينقسم الحرس الوطني إلى وحدات حراسة أو وحدات قتال، وتتولّى الأولى مهمّة الدفاع عن المنشآت المدنية والعسكرية في مكان معيّن. أمّا وحدات القتال القليلة فهي وحدات متحرّكة وقادرة على أداء المهام المختلفة مثل المراقبة الجوّالة. يستمدّ الحرس الوطني السويدي أهميته من انتشاره الإقليمي، فتتبع تشكيلاته المختلفة مباشرة إلى المناطق العسكرية، ويجري بالتالي استنفارها في غضون ساعات قليلة عند الحاجة.
 
يسهل تطبيق هيكلية هذه المؤسسة في بلد متجانس مثل السويد، على عكس لبنان المؤلّف من 18 طائفة مختلفة. على الرغم من ذلك، أقترح اعتماد نموذج حرس وطني يتكيّف مع المتطلّبات المحلية اللبنانية، ويُنظّم على مستوى المناطق في إطار المقاربة الإقليمية المذكورة أعلاه.
يغطّي الحرس الوطني كامل الأراضي الوطنية ويكون تابعاً من حيث تكوينه واستراتيجيته مباشرة إلى وزارة الدفاع وإلى قيادة الجيش خلال المهام العسكرية. كما يُستدعى أفراد الحرس الوطني من الاحتياط في حال الاعتداءات الخارجية. يتعاون الحرس الوطني مع قوى الأمن الداخلي في مهام حفظ الأمن الداخلي ويكون خاضعاً لقيادة قوى الأمن الداخلي. أمّا في مهام حفظ النظام، فيكون بمثابة الشرطة المجتمعية وشرطة مكافحة الإرهاب. ويكون الحرس الوطني خاضعاً لسلطة رئيس الجمهورية، قائد القوات المسلّحة بحسب الدستور وإلى سلطة الحكومة. باختصار، ينبغي ترسيخ مبدأ وحدة الدفاع والتصوّرات الاستراتيجية التي تشمل كذلك إعلان مبدأ الحرب والسلام.
 
تكون مخازن أسلحة هذا الحرس الوطني خاضعة للسلطة الحصرية للجيش وقوى الأمن الداخلي، وستُحفظ إمّا في ثكنات الأخيرة، أو في مكان آخر يبقى سرياً. وبذلك تحتفظ القوات المسلحة اللبنانية (أي الجيش وقوى الأمن الداخلي) بشرعية وحصرية استخدام الأسلحة، وتفرض قيوداً على منح رخص حمل السلاح وتديرها وتتحكّم بها.
 
يتوجّب أيضاً إعادة هيكلة للقوات المسلحة وإعادة تنظيم أجهزة استخبارات الدولة (الجيش والأمن العام وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة) بهدف تعزيز وحدتها وتكاملها.
 
وأخيراً وليس آخراً، من الضروري صياغة استراتيجية دفاعية وطنية لمواجهة كلّ عدوان خارجيّ، وسياسة أمن داخليّ لمكافحة الإرهاب والاتّجار بالمخدرات وأشكال الجرائم المختلفة، وتلافي العودة إلى الأمن الذاتي وتشكيل الميليشيات، بأيّ ثمن.
 
كما أنّه من الصعب، بل من المستحيل، دمج الوحدات شبه العسكرية كتلك التابعة لـ"حزب الله" ومقاتليهم وأسلحتهم، بالجيش لما قد يثيره ذلك من معارضة داخلية.
 
لا تكمن مشكلة الجيش الأساسية في عجزه عن الدفاع عن لبنان، ولكن في غياب القيادة والقرار الصارم والحازم من جانب السلطة السياسية. أنا أؤيّد وأدعم تشكيل دولة قوية مبنية على النظام اللامركزي/ المناطقيّ على غرار إسبانيا أو إيطاليا، والحياد الإيجابي (على غرار الحياد المتّبع في عُمان بقرار منها، والذي سمح لها بأداء دور الوسيط بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران)، ودولة دائمة معترف بها دولياً (على غرار تركمانستان). قدّم إعلان بعبدا (لعام 2012) مبدأ إبعاد لبنان عن المشاكل الإقليمية. إلاّ أنّ بلدنا عليه أن يتّخذ خطوات إضافية تتماشى مع بروتوكول الإسكندرية المؤرّخ في 7 تشرين الأول 1944. تعترف هذه الوثيقة التأسيسية لجامعة الدول العربية باستقلالية السياسة الخارجية للدولة اللبنانية على النحو المنصوص عليه في الميثاق الوطني، أي أنّها تعترف صراحة بحياد لبنان.
 
يُعتبر الدفاع مسألة استراتيجية يجب أن يؤدّيها الجيش وتكون مقبولة من قِبل رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان، بدءًا بلجنة الدفاع البرلمانية. وبالتالي يجب وضعها قيد التنفيذ.
 
إلاً أنّه من الضروري قراءة علامات الزمان. فيما يتعلّق بمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقّعة بين دول جامعة الدول العربية في حال نشوب صراع إسرائيلي-عربي جديد، والموقّعة في 7 حزيران 1950، تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأخيرة تُعتبر في حكم الملغاة. في الواقع، إنّ مجلس الدفاع المشترك الذي تمّ إنشاؤه يخضع لسيطرة مجلس الجامعة الذي يتخذ قراراته بالإجماع. مع ذلك، وقّعت مصر والأردن ويعض دول الخليج معاهدات سلام مع إسرائيل. في السياق عينه، اندرجت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة (في 13-16 تموز 2022) إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في مساعٍ لتطبيع العلاقات بين البلدين. وتدافع هذه التطورات الدبلوماسية عن إلغاء هذه المعاهدة، ناهيك عن الحاجة إلى وضع حدّ لما يُسمّى بـ"معاهدة الأخوّة" بين لبنان وسوريا.
 
في مواجهة رغبة الإدارة الأميركية في تعزيز قدرات الدفاع الإقليمي لاسيّما ضدّ إيران، من الأهمية بمكان أن يضع لبنان نفسه خارج أيّ تحالف عسكري. وعليه أن يطوّر استراتيجية الدفاع الخاصة به والمبنية على الأُسس الآتية: تكريس حياد لبنان، التشديد على اللامركزية الموسّعة وتشكيل حرس وطنيّ.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم