الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ترسيم الحدود البحرية بين القال والقيل!

المصدر: "النهار"
الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
A+ A-
محمد فحيلي، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد.
 
احتفظت مكونات الطبقة السياسية بتفاصيل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لضمان عدم اكتشاف شياطين التفاصيل من قبل الصالحين الإصلاحيين في الوطن!

استنفرت دول العالم لإنتاج اتفاق (اللاتفاق وفق الدستور اللبناني) لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل: أميركا وظّفت قدراتها لإنجاح هذا الاتفاق. أوروبا أعطت البركة، إيران وسوريا التزمتا الصمت، روسيا حافظت على الحياد، مكوّنات السلطة السياسية في لبنان وصفته بأنه "إنجاز العهد"، وواكب هذا الإنجاز فائضاً من التبشير باقتراب الحلول لمجموعة الأزمات التي تعصف بالوطن ومستقبل أفضل!

للأسف، يبقى أداء مكونات الطبقة السياسية على ما هو. وما يدعو إلى الاستغراب أن كلّ هذا يحصل تحت أعين المجتمع الدولي وبدعمه ورعايته. عامل الاستقرار الأمني، الذي سوف يُضفي بظلاله على لبنان نتيجة إتمام عملية ترسيم الحدود البحرية، مبالغ فيه، لأن مشكلة لبنان داخلية، وولدت من رحم الفساد وهدر المال العام وسرقة ثروة الوطن، ولا شأن لإسرائيل فيها، ولا تتحمّل الدولة العبريّة مسؤوليتها. إنها محاولة فاشلة لإلهاء الناس عمّا هو أهمّ. والأهم بالنسبة إلى لبنان والشعب اللبناني هو الإصلاحات في المالية العامة وكلّ ما يصبّ في بحر الإيرادات والنفقات.

لطالما وجّهنا أصابع الإتهام إلى الدولار على أنه يتجاوب مع عامل الاستقرار إيجاباً، وها هو اليوم يتجاهل عظمة ترسيم الحدود البحرية ويحافظ على حدوده في السوق الموازية. يتمترس على عتبة الـ40000 ليرة للدولار الواحد ليرسل برسالة، كتبت بالأحرف النقديّة، إلى مكوّنات الطبقة السياسية ليقول: "مش قابضينكم!". للبنان حدود مع إسرائيل، ويجب ترسيم الحدود - كلّ الحدود - بينهما للحفاظ على حقوق وواجبات الطرفين. الفصل بيت الحدود البحرية والبريّة يطرح الثقة من قبل الشعب اللبناني في هذا الترسيم:
 
• ترك الحدود البرية عالقة هو متعمد لاستثمارها، غبّ الطلب، في الفساد السياسي.
 
• التفاوض من أجل الاتفاق على الحدود والحفاظ على ثروات البلدين، وفق ما جاء به المفاوض الملك هوكشتاين، كان الثابت الأكيد خلال المفاوضات حتى لا يكون هناك خاسر ورابح. ولكن مكوّنات السلطة السياسية اللبنانية اعترفت بالتفاوض، وبالنهج الذي تمّ اعتماده خلال التفاوض، وببنود الاتفاق، وقواعد الاشتباك بين الأطراف الثلاثة - لبنان وأميركا وإسرائيل - ولكن رفضوا الاعتراف بأنه "اتفاق" حتى لا يخضع للرقابة وتقييم الجدوى منه، وفق ما نصّ عليه الدستور اللبناني. هذا اللا اتفاق لن يُناقش في المجلس النيابي، ولن يُعرض على مجلس الوزراء، وبذلك لن يكون هناك داعٍ لإقراره حتى لا يكون هناك اعتراف رسمي من قبل الدولة اللبنانية بالدولة العبريّة.
 
• قد يتعثّر التفاوض بين توتال (TotalEnergies) وإسرائيل وينسف كلّ شيء، خصوصاً أن إسرائيل تُعَول على حصتها من شركة توتال، وتفاوض على استلام هذه الحصة قبل أن يصل لبنان إلى مرحلة استخراج الغاز من حقل قانا! وللتسريع بالوصول إلى اتفاق بين الطرفين، انتبهت الخزينة الأميركية إلى أن شركة توتال فشلت في الامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا نتيجة حربها على أوكرانيا، وهددت بفرِض عقوبات على شركة توتال. وبهذا، باتت خيارات شركة توتال جدّ محدودة!
 
• وسؤال وأسئلة كثيرة على ألسنة عدد كبير من المواطنين: كيف سيتم بيع الغاز عند اكتشافه؟ إذا اكتشف الغاز، في حقل قانا، ومن بعد استخراجه، وبعد التأكد من الجدوى الاقتصادية لضخه، هل يباع، برعاية توتال، عبر الأنابيب الإسرائيليّة لأن ذلك هو الأقلّ تكلفة، لأن البنية التحتية موجودة، وباستطاعة لبنان التمسّك بالنأي بالنفس عن ذلك، لأن شركة توتال هي الجهة صاحبة الاختصاص والخبرة، وتكون المكلّفة بالتسويق؟ ممكن! لأن أحد أهمّ بنود الاتفاق هو التفاوض المباشر بين شركة توتال والحكومة الإسرائيلية على حصّتها من حقل قانا وكيفيّة تسديدها.
 
• لن أدخل في بازار الخط 23 والخط 29، لأنّه لا يتعدّى حدود الفولكلور والعهر السياسيّ الذي عوّدتنا عليه الطبقة السياسية.

إسرائيل تستوطن على الحدود الجنوبية للبنان منذ أربعينيات القرن الماضي؛ ومنذ ذلك الحين إسرائيل عدوّة، وتعتدي على لبنان بين الحين والآخر، واحتلّت مساحات كبيرة من لبنان، ولسنوات طويلة، ومرّ على لبنان سنوات رخاء وسخاء وآلام. ولكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي يعاني منها لبنان، ووفق تقارير عديدة، ومن أطراف متنوعة، خارجية وداخلية - البنك الدولي ومؤسّسات التصنيف العالمية، وعدد ليس بقليل من المؤسّسات الأخرى - لن ولم تكن إسرائيل مسؤولة عن هذه الانتكاسة. الفساد، واللا مسؤولية في إدارة الشأن العام، وغياب الحوكمة الرشيدة، وهدر المال العام ومجموعة غير قليلة من أداء الطبقة السياسية الحاكمة هو المسؤول عن هذا الكساد المتعمد. وليس سراً أن الإصلاحات، منذ تاريخ أول ‏مؤتمر لدعم لبنان، باريس 1 (2001)، لا تتضمن ترسيم الحدود مع إسرائيل ولا الثروة النفطية. الأسرة الدولية تطالب الطبقة السياسية اللبنانية التي حكمت البلد وتحكّمت به لسنوات:
• بالحوكمة الرشيدة،
• وقف الهدر والفساد
• وإدارة المال العام بمسؤولية وشفافية
• استقلالية القضاء
• احترام الاستحقاقات الدستورية.
‏‎
‏دائماً نطالب الجميع بالانتباه إلى الفائض من الانبعاثات الإيجابية والوعود الفارغه، سواء جاءتكم من السفيرة الأميركية في لبنان أو من الرئيس الفرنسي في الإليزيه أو من الأسرة الأوروبية أو من الحكّام عندنا في لبنان. الممر الإلزامي لخلاص لبنان هو الإصلاح، ولا بديل عن ذلك! التركيز على الحلول التي تستند على التمويل لإنقاذ البلد: تمويل استيراد الطحين، تمويل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، تمويل استيراد الفيول، وتمويل استيراد الدواء، والتمويل المرتقب من صندوق النقد الدولي كلّها تهدف إلى إنقاذ الطبقة السياسية ومكوّناتها، وليس لإنقاذ الوطن ووضعه على السكّة الصحيحة التي توصله إلى حسن الإدارة والمسؤوليّة والشفافيّة واستقلاليّة القضاء وإلخ...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم