الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

لبنان الغد: يحيا خامنئي

المصدر: "النهار"
السيد حسن نصرالله مقبّلاً يد خامنئي.
السيد حسن نصرالله مقبّلاً يد خامنئي.
A+ A-
حسين الحاج حسن
 
صارت المقاربة اليوم في أي نقاش حول النظام الأنجح تطبيقه في لبنان مبنية حصراً على أهواء المجموعات والمكونات المجتمعية المذهبية، أو العائلية، أو العشائرية، أو العرقية أو في أحيان أخرى الجغرافية. كما أن العامل التاريخي لدى تلك المجموعات والتحولات التي عاشتها عبر الزمن، يلعب دوراً محورياً في انحيازها الى مطالب تعكس هذا المسار أو تطيعه.

لم يكن في يوم من الأيام هذا النقاش يدور حول مكمن مصلحة المواطن والإنسان في الدرجة الأولى، أو رفاهية المجتمع وازدهاره وتقدّمه. ولعل الفارق الأعظم بين مختلف المجموعات المتصارعة في لبنان يبقى محصوراً بين من يريد بناء نظام لدولة ذات سيادة يحكمها القانون، وبين من يريد لبنان إمارة تحكمها أهواء سلطان أو وليٌّ لا يفقه في الأمر شيئاً.

إن الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة التي يرزح تحتها لبنان ليست بحدّ ذاتها سبباً وجيهاً وموجباً تدفع للبحث في أساس تكوين هذا النظام أو إيجاد البديل منه؛ فقد عانى لبنان الدولة الحديثة من صراعات واضطرابات قبل الانتداب وبعده، كما ونجا شعبه من مجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، وأعاد بناء بنيته التحتية وحرّك العجلة الاقتصادية ولو ببطء بعد الاقتتال الأهلي.

تشكّل هذه المرحلة المؤلمة من التاريخ التي نعيشها كلبنانيين حالة تشبه المخاض العسير، والتي لا خلاص منها من دون عملية قيصرية قد يأخذ الشفاء منها سنوات عديدة. من الجانب النظري، فإن التحولات الإقليمية الأخيرة وعملية بناء السلام التي تتراكم بين إسرائيل ودول عربية عدة دفعت الأخيرة الى الإشاحة بوجهها عن لبنان كدولة عربية شقيقة، لها ما لها وعليها ما عليها. فقد أصبح لبنان كياناً من دون دولة، يشكل عبئاً على دول المنطقة اقتصادياً وسياسياً؛ وعلى المقلب الآخر، فإن نشاط "حزب الله" العسكري واستثماره في البيئة اللبنانية لتصدير العداء والعنف الذي طاول دول الخليج من دون مهادنة، بات إعلان حرب، وعليه فإن الدفاع والمواجهة أمر محتّم.

بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان وبداية عهد آخر، استطاع "حزب الله" إحكام قبضته على كل مفاصل السلطة الرسمية وأركانها، وجعل منها شاهد زور أو مدافعاً شرساً عن اعتداءات الحزب المستمرة وتصديره الإرهاب والعسكر والمخدرات من لبنان الى كل العالم. ولم تعد تنفع اليوم أي من التبريرات أو الاعتذارات من قبل أي من المسؤولين أو السياسيين لطالما أن رأس الدولة وقنواتها الرسمية لم تشعر للحظة أنها معنية بإدانة أو استنكار أيّ من تصرفات ميليشيا إيران في لبنان.

من الجانب العملي، هناك تغيرات جذرية برزت على المستوى الإقليمي والدولي في تقييم السياسيات المتّبعة، وإعادة تموضع لمصالح دول كبرى وتقسيم النفوذ في ما بينها.

لعقود عدّة، كان الشرق الأوسط يحظى باهتمام ورعاية دولية لا مثيل لهما، أُنفقت عليه أموال طائلة وعلى رأس من استثمر في ذلك كانت الولايات المتحدة الأميركية. لكن اليوم، اختارت أميركا أن تنقل معركتها وصلب اهتماماتها من شرق المتوسط الى شرق آسيا وتحديداً نحو الصين. وعلى هذا الأساس، فإن إدارة الرئيس جوزف بايدن اليوم تعمل على أولويات محددة منها تخفيف حدة الصراعات في المنطقة لدينا أو محاولة الوصول الى تفاهمات معينة تقيها شرّ الدول الشمولية وبعض مجموعاتها. ومن هذا المنطلق، يأتي الحوار والمفاوضات المستمرة بين أميركا وإيران ضمن سياق تأمين الضمانة بأن ظهره لن يطعن خلال أي حرب مستقبلية.

إن التفاوض مع إيران، كما أصبح معلوماً، بات في مراحله الأخيرة؛ إنما يبقى السؤال حول الشروط التي طرحت وما هي المكاسب والضمانات التي حصلت عليها الجمهورية الإسلامية. وبقراءة موضوعية وتقريبية، فإن أميركا وجدت أن الاستثمار في المنطقة اليوم هو رهان خاسر وفيه استنزاف مستمر للمال والطاقات والعديد. وعليه، انسحبت من أفغانستان مسلّمة مقاليد الحكم والسلطة الى من هم الأقوى – أي "طالبان" – متجاهلة كل صراعاتها العسكرية والأيديولوجية وتاريخها الدموي مع هذه الحركة.

وفي السياق نفسه، لم يعد من المستبعد أن يكون "حزب الله" اللبناني – وهو الورقة الأقوى لدى إيران – بنداً أساسياً على طاولة المفاوضات، وعليه فإن إهداء لبنان الى هذا الحزب يصبح أمراً حتمياً. في المقابل يوافق الإيرانيون على استيعاب وإذابة باقي الحركات والميليشيات في المنطقة من "الحشد الشعبي" في العراق، الى "الحوثيين" في اليمن، الى سائر التنظيمات الصغيرة المنضوية تحت لواء "الحرس الثوري".

خليجياً، فإن قرار عدد من دولها الانفتاح على إسرائيل والاعتراف بها كدولة أمر واقع، ومحاولة الاستفادة منها على المستوى الاقتصادي والصناعي والزراعي والأمني والسياحي والخدماتي وغيرها من القطاعات له دلالاته وانعكاساته. فبذلك، تكون قد استعاضت عن لبنان – الملاذ التاريخي والمصيف الآمن – بإسرائيل كدولة ناشئة حديثة، قوية وآمنة.

على المقلب الآخر، فإن تأمين أمن الخليج وضمان استقراره بأي تكلفة أو صيغة لم يعد أمراً فيه شيء من الترف. فاذا كانت نتيجة المفاوضات والزيارات التي حصلت أخيراً مع الإيراني قد تفضي الى حماية الخاصرة السعودية، وإيقاف الاعتداءات على الإمارات العربية المتحدة من قبل "الحوثيين"، فليس هناك أي مانع بعد الآن من إعادة بناء علاقات سوية ومبنية على الاحترام مع النظام الإيراني.

يعتبر مراقبون خليجيون أن الاهتمام العربي وتحديداً السعودي بما ستذهب اليه الأمور في لبنان قد ولّى زمانه، وليس هناك من رغبة في إضاعة الوقت والمال وإسداء النصيحة بعد الآن الى أحدٍ – الحلفاء قبل الخصوم. لا بل يذهب أحد المسؤولين أبعد من ذلك الى اعتبار أن لا كلام ولا حوار في المطلق قبل انتهاء عهد الرئيس الحالي، وانتقال السلطة الى رئيس مقبل.

في الشأن الانتخابي أيضاً، ليس هناك من أحد يكترث الى من سيرث الأصوات الغاضبة، ومن سيحصد الأغلبية النيابية، ومن سيخرج من السباق أو من يربحه. في الحالتين كلتيهما، المؤكد هو أن أداء "حزب الله" وتصميمه وقوته على مدى العقود الثلاثة الماضية، كما وضعف خصومه السياسيين بمعظمهم، قد مهدّت الطريق أمام تسلم هذه الميليشيا كامل مفاصل البلد وإدارتها.

على الصعيد الاقتصادي، المالي والنقدي، لا بوادر إيجابية في الأفق ولا حلول في المدى القريب. تشير إحدى الدراسات التي أجرتها سفارة إحدى الدول العربية أخيراً بالتعاون مع البنك الدولي الى أن التوقعات بأن يتعافى لبنان من أزمته، وبأن يشهد بداية سلوك طريق النمو قد تأخذ ما بين الست والثماني سنوات مشروطة بأن تكون هناك نيّة جدّية وحقيقية من قبل الساسة اللبنانيين بتنفيذ الإصلاحات الضرورية والعاجلة؛ وهو بكل تأكيد ما لن يحصل.

يشير أحد الدبلوماسيين العرب الى أن الفشل الذي منيت به أحزاب حليفة أو مقرّبة يعود الى افتقارها لفكر حقيقي وأصيل تجابه من خلاله الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة والأصولية، كالتي يحملها "حزب الله" في جعبته. لقد كان جلّ ما تريده تلك الأحزاب وعبر جميع الحقبات هو المزيد من السلطة وتقاسم النفوذ والغنائم، والفوز بمزيد من المقاعد النيابية أو الوزارية.

وعليه، فإن ما هو مقبل على لبنان قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير في ظل عزلة عربية وشفقة غربية. هي بداية عصر جديد لنظام جديد لن يشبه ماضيه بشيء، سيكتب عنه التاريخ إنموذجاً للدول الفاشلة، التي حكمتها ثلّة فاسدة، ورعتها عصبة إرهابية.

تبقى في كل ما حصل وسيحصل حقيقة واحدة ومرعبة: فيما ينهار هيكل ما تبقى من لبنان كدولة لعبت دور الوسيط ما بين الشرق والغرب يوماً، ستحلّ عوضاً عنها دولةٌ يحكمها أمين عام "حزب الله"، ويشرّع لها اقتصادات وقوانين تلازم في توجهاتها ما يشعر بأنها تقبل رضا الولي الفقيه في طهران، وينتهي عن كل ما يمكن أن يشعره بالسخط والغضب.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم