الجمعة - 03 أيار 2024

إعلان

إلى رفيق... لم يتغيّر علينا شيء!

الرئيس الشهيد رفيق الحريري (أرشيفية).
الرئيس الشهيد رفيق الحريري (أرشيفية).
A+ A-
بكر حلاوي
 
رحل من كان يلقّب بالسيّد لبنان "Mr. Lebanon" قبل ١٧ عامًا، تاركاً وطناً يتيماً بدون من يحمل همومه ويجول الشرق والغرب لتأمين مصالحه. ذهب رفيق الحريري في منتصف مشروعه السياسيّ التنمويّ، الذي لم يستطع إنهاءه بفعل الظروف التي نعرفها كلّنا حينذاك، التي بقي إطارها نفسه حتّى اليوم، مع تغيّر بعض أوجه اللاعبين.
 
استطاع الرئيس الشهيد انتشال لبنان من قعر أزماته، وبدأ بوضعه على السكّة الصحيحة في العديد من النواحي. وبعد ١٧ عامًا من اغتياله، للأسف لقد عدنا إلى الخلف!
 
في السياسة، حمل رفيق الحريري هموم وطنه السياسيّة كما الاقتصاديّة، واستطاع من خلال علاقاته و"براغماتيّته" المعروفة، الرقص على الحبال المتقلّبة إقليميًّا. كان الحريري يرسم مكان الانطلاق للبنان في المرحلة التالية إقليميّاً بعد "كامب دافيد"، مع الحفاظ على وحدته وعروبته ومصالحه وسلمه الأهليّ، والآن يتّضح لنا أنّ القطار فات، وأصبح هذا البلد منتظرِاً حلًّا ما، يأتيه من الخارج.
 
سعى "رفيق لبنان" لتحقيق "البحبوحة" لمواطنيه، ونجحت سياساته مدّة ٢٨ عامًا، لكنّه لم يكن يدري أنّه سيسلّم البلاد إلى وحوشٍ كاسرة، ستنهش من جلدِ مواطنيه حتّى تفلسهم بعد ١٧ عامًا منذ اغتياله. السياسات "الحريريّة" لم تُوصل لبنان الى الإفلاس؛ هذه السياسات كانت تهدف إلى تحقيق لبنان المُنتج بعد أن تعبّد البنى التحتيّة لكافة القطاعات. "الحريريّة" ضخّت القوّة للنظام الماليّ اللبنانيّ، ليموّل لاحقاً النمو والإعمار، (الذي كان قد بدأه الشهيد)، لا عجز ٥٠ مليار دولار في الكهرباء!
 
الواضح أنّ رفيق الحريري كان بعيد النظر؛ خطّته الاقتصاديّة كانت واضحة: رفع الأنقاض، تجهيز الأرضيّة، النمو والإعمار. هذا ليس رثاء، بل حقيقة يعرفها كلّ من يُدرك ويحلّل الأرقام، وينظر بتمعّن إلى كلّ ما حدث، ولكن لرفيق الحريري وحده الحقّ أن يقول "ما خلّوه"، لأنّه في كلّ بساطة، اغتالوه.
 
يعرف رفيق الحريري في عليائه تقدير اللبنانيين له، وهذا البلد ومواطنوه لا يزالون يذكرونه بأعماله وإنجازاته بعد ١٧ عامًا من الفراق. إذا قُدّر للبنانيّ الحديث مع الشهيد، سيقول له أنّ شيئًا لم يتغيّر منذ اغتياله. بقيت آثار الفقيد حيّة تُرزق، وكثر القائلون: "لم يَعمَر حجر على حجر من بعدهِ"، وهذه حقيقة لا يستطيع منتقدوه حتّى نقدها.
 
في السياسة أيضاً، لم يتغيّر شيء. ذهبت "سوريا الأسد" وجاء حلفاؤهم من طهران. منتقدو الأب كانوا صغاراً حينها، هم أنفسهم اليوم، بعدما أصبحوا ذئاباً كاسرة ينتقدون وريثه، ويعرقلون أنصاف فرص الحلول.
 
لم يتغيّر علينا شيء، سوى أنّنا كنّا في مرحلة "رخاء اقتصاديّ"، وأصبحنا بلداً مُفلساً ينتظر الفتات من المؤسّسات الدوليّة كي نسدَّ بعض رواتب جنودنا وموظّفينا، الذين تساوت رواتبهم الشهريّة بقيمة أُجورهم اليوميّة حينذاك. ودّعنا جميعاً زمن الحلم بالتقدّم والبناء، وأصبح حديثنا الدائر حول كوارث "كلّ يوم بيومه"، ورفع النفايات من أمام منازلنا، وعدم قدرتنا على الحصول على ما كنّا ندّخره لمثل هذه الأيام.
 
لم ينتظر وريث الحريري، سعد، أن يصل إلى مرحلة التصفية الجسديّة، أو السياسيّة. فلو أكمل المسار مع القوى "الكاسرة" لكان حُوسب من قبل اللبنانيّين كما يُحاسب غيره، عرف حامل الأمانة أنّ مرتكزتَي مشروع والده: السلم الأهلي، والبحبوحة، لن يتحقّقا مجدّداً مع القوى الداخليّة والخارجيّة نفسها، التي عاصرت والده واغتالته. لذا، بعد مصارحة ضميره وروح والده، وجد سعد أنّ شيئاً لم يتغيّر، وفضّل العودة إلى جذور عمل أبيه، بين الناس ومعهم!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم