الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

اليوم العالمي للمرأة والحرب على أوكرانيا وكتابي

المصدر: النهار
جدارية في الأرجنتين لسيدة أوكرانية مصابة (أ ف ب)
جدارية في الأرجنتين لسيدة أوكرانية مصابة (أ ف ب)
A+ A-
غسان صليبي
 
أحببت هذه السنة أن أعيّد المرأة في يومها العالمي، وفي 8 آذار بالتحديد، من خلال توقيع كتابي الجديد "نساء يواجهن الظلم، حكايات وتأملات"، في معرض الكتاب العربي.
 
عندما حددتُ موعد التوقيع بالاتفاق مع "دار نلسن"، لم يكن بوتين قد بدأ غزوه لأوكرانيا. كما لم يكن من المتوقع أن يحل يوم المرأة العالمي والعالم أجمع متخوّف من تحوّل الحرب على أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، نووية هذه المرة.
 
عندما نحتفل عادة بيوم المرأة العالمي، نحتفل بالحياة وبالجمال وبنضال النساء من اجل المساواة بين البشر بعيدا من العنف. فيما لا نشهد الا القباحة والموت واللامساواة التي يفرضها منطق القوة والعنف، ونحن نترقب بقلق مسار الحرب على أوكرانيا.
 
مشهد الحرب تطغى عليه صورة الرجل القوي والعنيف. صحيح اننا نلمح في خلفية المشهد الحربي بعض النساء، لكن النساء في معظمهن خارج لعبة الحرب بل يشكلن المشهد النقيض لها، الذي يشمل الملاجئ والنزوح والتصدي لمآسيها الإنسانية عبر الإغاثة وتضميد الجروح والدعم النفسي.
 
***
قبيل يوم المرأة العالمي الذي يُعتبر من أهم المناسبات في روسيا، أحبّ بوتين الاحتفال بالمناسبة على طريقته، اي بالكلام عن الحرب، فخاطب النساء قائلا: "على السلطات الأوكرانية أن تدرك انها إذا استمرت في فعل ما تفعله فستجعل مستقبل "وضع الدولة" الأوكرانية موضع شك، وإذا حدث ذلك تتحمل المسؤولية التامة عن ذلك". اي إذا استمرت الدولة الأوكرانية في مقاومة الاحتلال الروسي، فسيؤدي ذلك إلى أن تصبح هذه الدولة- بشعبها وسلطتها وحدودها- "موضع شك"، اي بتعبير اوضح غير قابلة للحياة، بفعل قتل الشعب وتدمير المؤسسات واستباحة الحدود.
 
لا أعرف إذا كانت النساء الروسيات وهن يستمعن إلى بوتين يتكلم عن أوكرانيا في اليوم العالمي للمرأة، تذكرن صورة الرجل الذي يهدد المرأة التي تقاوم عنفه واحتلاله لإرادتها، بفقدان "وضعها" في الزواج أو في العمل أو في الأطر الاجتماعية الأخرى التي تشارك فيها. ليس صعبا على النساء تذكّر صورة هذا الرجل العنيف وهن يستمعن إلى بوتين، الذي عوّد النساء الروسيات على استعراض ذكوريته من خلال نشر صوره يركب حصانا وهو عاري الصدر، أو يمارس الرياضات التي تتطلب قوة في العضلات. فضلا عن كونه نموذجا للرئيس المتسلط.
في الواقع لا اعرف إذا كانت النساء الروسيات في الإجمال معجبات ببوتين. فإحدى مشكلات النساء الأكثر خطورة في جميع البلدان وليس في روسيا فقط، والتي تساهم في خضوعهن للرجال وعدم سعيهن لمواجهة التمييز بين الجنسين، هو إعجابهن للأسف بأمثال بوتين.
 
ما أحوجنا لإعادة قراءة كتب تولستوي، المفكرالانساني اللاعنفي العظيم، ومن بينها "الحرب والسلم". أو كتب دوستويفسكي العبقري الذي تغوص رواياته عميقا في النفس البشرية، ومن بينها "الابله"، هذا الإنسان البسيط والطيب، على عكس بوتين تماما. ما أحوج الغرب، خاصة في هذه الايام، وهو حامل لواء حقوق الانسان والحريات، ما أحوجه لإعادة قراءة هذه الكتب وغيرها لكتّاب روسيين كثر، لعله يخفف عنصريته تجاه "الجنس الروسي"، ويكف عن منع الثقافة والفن الروسيين أو التحريض ضدهما.
 
***
كنتُ نشرتُ دراسة عن المبادرات والتحركات الجماعية المدنية التي نُظِمت في لبنان لمواجهة الحرب، والتي لاحظت عزة بيضون عن حق، في معرض استشهادها بدراستي في أحد كتبها، انه فاتني أن أذكر فيها أن معظم هذه الأفعال كانت بقيادة نساء.
 
كتابي الجديد الذي يتكلم عن مواجهة النساء لأشكال متعددة من الظلم، لا يعرض حكايات لنساء وهن يواجهن الحرب مباشرة. لكن في نصوصه حكايات لنساء ثلاث على الاقل واجهن تداعيات الحرب أو الاحتلال. أعرض أدناه فقرات صغيرة من نصوصي حول هذه الحكايات.
 
حكاية إمرأة اولى، وهي لبنانية واجهت ولا تزال تواجه بعناد أحد أشكال الحرب، الخطف وإخفاء المخطوفين حتى اليوم، وذلك من خلال قيادتها لتجمع "أهالي المفقودين والمخفيين قسرا": "عنيدة وداد حلواني. لا أقصد العناد النضالي فحسب، بل العناد الاصلي، العناد الوجودي. فوداد لا تريد ان تصدّق ان الحبيب يمكن ان يترك حبيبه بهذه البساطة. فلا موت مثبت، ولا حادث ولا زلزال. ولا تريد أن تصدق أن الدولة لن تبذل جهدا من أجل مواطنين مفقودين وأهل مفجوعين. اعتقد يا عزيزتي وداد انك تفتشين عن مفقود واحد، هو الإنسان في بلادي، ولا تريدين أن تصدقي انه "مخفي قسرا" في أقبية المذهبية وفي دهاليز الاستبداد والتبعية الاقليمية".
 
حكاية أمرإة ثانية، وهي نازحة سورية في السابعة والعشرين من عمرها، أحرقت نفسها لأن الأمم المتحدة ابلغتها أن طلبها للهجرة إلى أوروبا لا يزال عالقا: "رغِبَت ز.ج، كما سمّاها الاعلام، أن تعيش في بلاد قالوا لها إن حكامها يحترمون شعبهم ويؤمّنون له معيشة لائقة، وأن لا مستبد هناك يقتل ويسجن ويهجّر مواطنيه. في بلاد قالوا لها أيضا انه ليس مسموحا فيها بأن يضرب الرجل المرأة، ومسموح فيها للمرأة بأن تحب الرجل".
 
حكاية إمرأة ثالثة، وهي فلسطينية تواجه الاحتلال الاسرائيلي من خلال الإضراب عن الطعام تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال: "تعرف عنان أن مشكلات القلب التي تعاني منها لا تسمح لها بهذه المخاطرة. لكنها لا تبالي بهذه الاعتبارات، فهي لا تفصل نفسها عن شعبها، تتألم حين يتألم وتفرح حين يفرح وتُضرب حين يُضرب. فهذه المرأة النقابية والسياسية، التي تحسب في العادة لموازين القوى، تنكفئ فجأة بلا حسابات ولا تقديرات للعواقب، وتترك الساحة للمرأة الفلسطينية في داخلها، للمرأة الفلسطينية دون مواصفات أخرى، المتأهبة دائما لبذل حياتها من أجل شعبها وأرضها".
***
كل عيد وانتن بخير أيتها النساء، فيما انتن تواجهن الحرب والاحتلال وجميع أشكال الظلم.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم