الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تحركات الاتحاد العمالي العام ومعارضته النقابية "متل الاربعا بنص الجمعة"

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
الأربعاء المقبل هو دور الاتحاد العمالي العام، في حين أن الأربعاء الفائت كان دور معارضته النقابية.

فتلبيةً لدعوة "اللقاء التشاوري النقابي الشعبي" دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، بقياداته الشيوعية، المعارضة للاتحاد العمالي العام، الى المشاركة الكثيفة في الاعتصام المركزي أمس الاربعاء، في الاول من شباط الساعة الرابعة بعد الظهر.
 
فلنغضّ النظر عن تتويجه لدعوته، بمقولة لا علاقة لها لا بالزمان ولا بالمكان الذي نحن فيه، وهي أن "العمال والفلاحين صنّاع التغيير". ولنركّز على الاسباب التي استدعت الاعتصام، وهي رفض "سياسات الإفقار والتجويع التي تنتهجها حكومة صندوق النقد الدولي ورئيسها النجيب برفع الدعم الكلي عن شعب بأكمله"، ورفض الضرائب الجديدة والدولار الجمركي، وضرورة المطالبة باستعادة الأموال المنهوبة والافراج عن أموال المودعين وغيرها من المطالب.

يتبادر الى ذهن القارئ، بالاستناد الى المطالب المطروحة، ان الاعتصام كان من المفترض أن يحصل أمام القصر الحكومي. لكن الدعوة نادت بالاعتصام "امام مدخل المجلس النيابي لجهة بلدية بيروت". فهل هذا هو المكان المناسب للضغط من أجل تحقيق المطالب المذكورة في البيان؟
 
الجميع يعرف ان هناك اعتصاماً منذ نحو الأسبوعين أمام المجلس النيابي، لدعم اعتصام نواب التغيير داخله، من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، من خلال جلسات متتالية، بحسب ما نص عليه الدستور. فهل أرادت النقابات الداعية إلى الاعتصام في المكان نفسه، التعبير عن دعم ولو ضمني للتحرك النيابي؟
 
الجواب جاء صريحاً في صلب الدعوة إلى الاعتصام النقابي: "نحن لا يعنينا فراغكم الرئاسي ومحاصصتكم في سلطتكم الفاسدة، بل كل ما يعنينا هو فراغ الأمعاء الخاوية للفقراء والعمال ولجياع شعبنا الذي بات بأسره يحيا على قيد الموت في وطن نهبتم ثرواته وخيراته على مدى 30 عاما".
 
قد يظن البعض أن الداعين الى الاعتصام النقابي، هم ذوو نزعة ثورية فوضوية، لا تعترف بسلطة الدولة، وتريد تكوين حكم عمالي مباشر في المؤسسات كافة، على غرار ما كانت تنادي به النقابية الثورية في القرن الماضي. لكن قيادة التحرك تنتمي الى الحزب الشيوعي اللبناني، الذي يعتنق الماركسية اللينينية، التي تدعو الى إقامة دولة مركزية قوية، تحت عنوان ديكتاتورية البروليتاريا. لماذا اذاً هذا الاستهتار بضرورة وجود سلطات دستورية كشرط لتحقيق المطالب؟
 
بيان الدعوة إلى الاعتصام، يقدم، هنا أيضاً، الجواب القاطع، فهو يطالب "بإسقاط هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي اقل ما يقال فيها انها مجرمة في حق شعبها ومن اجل محاسبتها في الشارع". الرهان هو اذاً على إسقاط هذه الطبقة الحاكمة وفي الشارع. كيف يكون ذلك من خلال توقيت الاعتصام وتحديد مكانه أمام المجلس النيابي، وفي طقس ممطر وبارد؟ هل هناك خطة مستقبلية لاسقاط هذه السلطة، أم علينا انتظار تحركات مماثلة للمرة الالف، وبدون جدوى؟
في المقابل، لا تحملنا التجارب الفاشلة السابقة، على توقع اضراب ناجح للاتحاد العمالي العام، الاربعاء المقبل في ٨ شباط، "على سائر الأراضي اللبنانية".
 
فقد دعا "كافّة الإتّحادات المنضوية في الاتّحاد وكذلك سائر الفئات المتضرّرة، للمشاركة في هذا اليوم وجعله يوماً وطنيّاً وتعبيراً عن الرّفض القاطع لكلّ سياسات النهب والإفقار والتجويع، والضغط لإعادة تشكيل السلطة بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة كاملة الصلاحيات وإصلاح القضاء، ووضع خطة تعافٍ إقتصادية ومالية واجتماعية وتربوية وصحية توقف النهب المنظّم لأموال الناس الذي يمارس من السلطات المصرفية والمالية عبر قرارات وتعاميم وصيرفة تُهلك ما تبقّى من أموال المودعين والفقراء والعسكريين والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود. وتوقف جنون ارتفاع أسعار صرف الدولار وارتداداته السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين والعمال".
 
الواضح من بيان الاتحاد العمالي العام، أنه يتوخى "الضغط" من خلال الإضراب. الضغط من أجل ماذا؟ في البيان رزمة مطالب عامة وقطاعية، سياسية واقتصادية ومعيشية. لكن كلمة "الضغط" جاءت مباشرة قبل جملة "لإعادة تشكيل السلطة بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية". وهو ما كان رئيس الاتحاد العمالي العام قد أكده قبل يومين من البيان، في اجتماع مشترك مع نقابات النقل البري، حيث شدد على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، كمدخل لمعالجة القضايا الأخرى.
 
يعرف القارئ أن انتخاب رئيس للجمهورية، يتم في المجلس النيابي، لذلك يتبادر الى ذهنه أن الضغط يجب أن يحصل على هذه المؤسسة الدستورية، من خلال اعتصام أو تظاهرة في محيطها، او من خلال ضغوط متفرقة على منازل النواب الذين لا يقومون بواجباتهم الانتخابية. لكن الاتحاد العمالي العام اختار الإضراب العام كوسيلة للضغط لتحقيق مطلبه.
 
ليس متوقعاً ان يكون هناك تجمّع شعبي أمام المجلس النيابي خلال الاضراب. فالاتحاد العمالي العام، بقياداته التابعة لأحزاب ٨ آذار، وفي طليعتها حزبا "الثنائي الشيعي"، لن ينضم الى نواب التغيير في اعتصامهم، ولن يضغط على الرئيس بري ونواب "الثنائي الشيعي"، للكف عن التصويت بالورقة البيضاء، والاسراع في انتخاب رئيس من خلال عقد جلسات متتالية. ودعوته إلى الاضراب هي على الارجح لخلق مناخ شعبي، مؤيد لانتخاب رئيس، لكن عن طريق التوافق، كما يطالب "الثنائي الشيعي". وقد يكون ذلك، مواكبة للمجهودات المكثفة حاليا، محليا ودوليا، للاتفاق على رئيس. في هذا السياق، يبدو مطلب "إعادة تشكيل السلطة" في غير محله، فتحرك الاتحاد العمالي العام يخدم استمرارية السلطة نفسها ولو بوجوه جديدة في بعض المواقع.
 
إضافة الى أن الإضراب العام، ليس أداة الضغط المناسبة على المعنيين بانتخاب رئيس، من المستبعد كليا أن يكون الإضراب عاما، والا يقتصر كما في المرات السابقة، على نقابات المؤسسات العامة والمصالح المستقلة. ذلك أن القدرة التمثيلية للاتحاد العمالي العام ضعيفة جدا فهو شبه غائب في معظم المؤسسات الاقتصادية، كما أن صدقيته تجاه معظم العمال والموظفين شبه معدومة. ولا اعتقد أني اظلمه اذا قلت، ان لا خطة تصعيدية مقرّرة، لمتابعة التحرك، بغية تحقيق المطالب.
 
كلٌ من التحركَين النقابيين المذكورَين أعلاه، في يومي الأربعاء، الفائت والمقبل، هو "متل الاربعا بنص الجمعة"، أي خارج الزمان والمكان، تماماً كما هو المعنى المقصود في المثل الشعبي. فمتى يكفّ ممثلو النقابات، بجناحيها الرسمي والمعارض، عن تنظيم تحركات عشوائية، عقيمة وغير جدية، ومكررة في الشكل والمضمون، في وقت بلغت المعاناة الشعبية أقصاها؟ متى ينتفض عمال لبنان وموظفوه على النقابات التي تدّعي تمثيلهم، وينشئون نقاباتهم المستقلة والفاعلة، كما فعل قبلهم عمال وموظفو الجزائر ومصر والسودان والاردن؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم