النهار

إيران وإسرائيل: لاحرب... لا سلم... ولا نهاية
د. خالد محمد باطرفي
المصدر: "النهار"
إيران وإسرائيل: لاحرب... لا سلم... ولا نهاية
جدارية "انتفامية" من إسرائيل في طهران (أ ف ب).
A+   A-
بعد نكسة ١٩٦٧ نشأت بين مصر وإسرائيل حرب استنزاف استمرّت سنوات حتى حرب العاشر من رمضان 1973. وبينما تحاشى الطرفان حرباً تقليدية، سعى كل طرف لاستنزاف الآخر. فإسرائيل ركزت على إنهاك الخزينة المصرية في حرب طويلة، مكلفة لبلد اشتراكي خرج للتوّ من حرب اليمن التي استمرّت معظم سنوات الستينيات وأحرقت الأخضر واليابس.
أمّا مصر، فقد اختارت، بدعم من الأشقاء العرب، والنفط الخليجي، العمليات الاستخبارية والضربات النوعية التي أغرقت سفناً حربية وضربت معاقل العدوّ في سيناء وأبقته في حالة تحفّز دائم ومكلف.

سادت أجواء المنطقة حالة اللاحرب واللاسلم لست سنوات حتى حرب رمضان، التي اشتركت فيها مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية بدعم سعودي سياسي ومالي وتسليحي، وحررت معظم سيناء، وبعض الجولان، وتوقفت دون غزة والضفة الغربية. ثم استمرّت بعدها حتى الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل أنور السادات للقدس، عام 1977 وأنجبت اتفاقية السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني في كامب دايفيد عام 1979.

تعود منطقة الشرق الأوسط إلى حالة ما قبل 1977 و 1973 و 1967 ولكن هذه المرة بين إسرائيل ودولة أعجمية، إيران، وميليشيات عربية. مناوشات واستهدافات، اغتيالات وعمليات نوعية. والنتيجة، استنزاف لجميع الأطراف وداعميهم ونذر حرب تؤثر على خطط التنمية والنشاط الاقتصادي والحياة الطبيعية لجميع بلدان المنطقة.

واليوم، كلا البلدين في مأزق أوقعا نفسيهما فيه. فلا طهران ولا تل أبيب تريدان السلام ولا الحرب. فالسلام بالنسبة للأولى يعني خسارة "قميص عثمان" ورايات القدس التي جمعت حولها الثوار والمجاهدين وبرّرت كل المحطات العربية التي مر بها طريق القدس، تدميراً واحتلالاً، و "الاقتصاد المقاوم" الذي أعادها عقوداً إلى الوراء وقلب عليها جيلاً كاملاً من الإيرانيين الطامحين إلى بلد أكثر رخاءً ونماءً وطمأنينة. والسلام نهاية لمشروعها التاريخيّ لاستعادة الإمبراطورية الفارسية التي حكمت يوماً الهلال الخصيب والخليج واليمن.

أما إسرائيل فقد أنقذتها عملية "7 اكتوبر" الإيرانية الإخوانية من حالة السلام التي تضغط حليفتها الأعظم، أميركا، لتحقيقها مقابل ثمن لا يمكن أن تقبله، دولة فلسطينية. فتل أبيب، بصقورها وحمائمها، بحكوماتها وشعبها، لا يمكن أن تتخلى عن هدفها العقائدي التاريخيّ لمصادرة فلسطين، من البحر إلى النهر، والتوسّع لاحقاً لبناء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.

وكل من الدولتين لا تستطيع شن حرب شاملة، مباشرة، على الأخرى بدون حلفاء. وفي حالة إسرائيل تأبى أميركا وحلفاؤها الدخول في حرب مباشرة مع حليفها الخفي، وعميلها السري. فهي بحاجة إلى طهران كتهديد دائم للخليج ومزعزع قوي لوحدة العرب والمسلمين.

وفي حالة إيران ترفض روسيا والصين تزويدها بالدعم العسكري أو حتى التسليحي النوعي والاستخباراتي الدقيق مخافة الدخول في مواجهة مباشرة مع حلف الناتو والإضرار بمصالح الشركاء العرب. ولأن إسرائيل خط أحمر لكليهما، ولا مصلحة ترتجى من تحالف ضعيف، ومعركة خاسرة.

حكومة نتنياهو تريد جر رجل واشنطن في حربها مع إيران لإنهاء مشروعها النووي والصاروخي وكسر محورها المقاوم بدون إسقاط النظام التخادمي أو إنهاء مليشياته المزعزعة لأمن المنطقة العربية.

وإيران تدرك عواقب ردّها على استفزازات إسرائيل وتجاوزاتها المتزايدة لقواعد الاشتباك المتفق عليها وضرب هيبتها في الداخل والخارج ومصداقيتها أمام جمهورها. فهي قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها النووي الذي تأمل أن يشكل رادعاً يحول دون التعدي عليها، ويدخلها نادي القوة النووية الكونية. ومشروعها التوسعي يكاد يكتمل في ثلاثة بلدان عربية، العراق وسوريا واليمن. وهذا كله يمكن أن ينتهي إذا دخلت في مواجهة نارية مباشرة مع "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأصغر".

وبناءً على ذلك، فإنّني لا أتوقع حرباً "حقيقية" رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في قلب طهران، وحماية الحرس الثوري، وقادة "حزب الله" في قلب بيروت، ومظلة "حزب الله". وسيكتفي الملالي بحرب استنزاف عن طريق الوكلاء وربما طلقات صاروخية متفق على مكانها وزمانها وحجمها مسبقاً. وترضية جمهورها بسوالف "الصبر الاستراتيجي" و"الحرب النفسية" و"الاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين"، وأن يترك الأمر للانتقام الإلهي وإرادة الإمام الغائب.

وهكذا تعود المنطقة إلى حالة الاستنزاف، والتوتر، حالة اللاحرب واللاسلم. ويكتفي المتصارعون بضرب الأهداف الرخوة، كالإبادة الجماعية والاغتيالات والمناوشات والعمليات الجراحية. وسيكتفي قادة العالم بإدارة الصراع وضبط قواعد الاشتباك والاستمتاع بالمسلسل الجهنمي الدموي ما دام بغير دمائهم ولم تصل الحرائق إلى أبوابهم.

@kbatarfi

الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 12/4/2024 10:55:00 AM
قررت محكمة فرنسية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وضع نهاية في 6 كانون الاول (ديسمبر) الجاري لأكثر من 40 عاما أمضاها لبناني اسمه جورج ابراهيم عبدالله في سجن بمنطقة جبال "البيرينيه" الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، هو "لانيميزان" البعيد 120 كيلومترا عن مدينة تولوز، والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية يوم الجمعة المقبل، وقد أصبح عمره 73 عاما.

اقرأ في النهار Premium