الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الشركات الناشئة وروّاد الأعمال أولوية لمستقبل الاقتصاد... تجربة دبي

المصدر: النهار
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
د. وليد صافي
 
تعدّ الشركات الناشئة وريادة الأعمال من الأسس القوية والحديثة لأيّ اقتصاد. ويتلاقى هذا التوجّه العالمي مع التغييرات الكبرى التي فرضتها الثورة الرقمية على بيئة العمل والأعمال، إذ باتت ريادة الأعمال المبنيّة على المعرفة والابتكار، أساساً للانخراط في الاقتصاد الرقمي، الذي يعدّ أيضاً من أهمّ التحولات التي نشهدها في القرن الحادي والعشرين. ولا شك في أنّ الفرص التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة للازدهار الاقتصادي ولتطوّر المجتمعات والأفراد كبيرة جداً. ولكنها تتوقف على وعي الحكومات وصنّاع القرار، كما ذكرت عدة تقارير صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وذلك عبر القيام بالإصلاحات في المناهج التربوية وأسواق العمل ومناهج الأعمال لتطوير المهارات واتفاقيات العمل والعقود الاجتماعية القائمة.
 
تحديات الإصلاح هذه تترافق اليوم مع التحديات الكبيرة التي طرحها انتشار فيروس كورونا، الذي تحوّل وباءً عالمياً فرض لمواجهته سياسات الإقفال الكليّ، الأمر الذي سبّب خسائر كبيرة في الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية ولا سيما في الدول النامية، كما فرض تحدّيات هائلة على بيئة الأعمال وقدرتها على التأقلم مع كلّ أشكال تداعيات هذه الجائحة.
 
طبعاً، وعلى الرغم من المبادرات الفردية وبعض التوجهات والجهود في القطاع الخاصّ في لبنان، وكذلك في مصرف لبنان، لا نستطيع أن نتحدث عن مثل هذا التوجّه العالمي في البناء على الشركات الناشئة وريادة الأعمال، وتكريسه في لبنان بناءً على رؤية جديدة من الحكومة اللبنانية، تعطي لهذا التوجه فرصة لتطوير الاقتصاد اللبناني.
 
كذلك لا يمكن القول، بأننا في مرحلة بناء البيئة الثقافية والإدارية والقانونية والتكنولوجية الملائمة لهذا المنحى الجديد. وذلك لأمر بسيط، هو أنّ صنّاع القرار في لبنان، لم يدركوا حتى هذه اللحظة حجم التحوّلات الكبيرة، لا في بيئة الأعمال ولا بيئة العمل ولا أيضاً في الدور الاقتصادي التقليدي للبنان الذي، برأيي، يلفظ آخر أنفاسه، ولا سيما مع التحوّلات الجيوسياسية والجيواقتصادية التي حصلت في العقدين الأخيرين، وأهمها ما نشأ في العامين الماضيين.
 
ومن المفيد في لبنان أن نتطلع إلى تجربة إمارة دبي في هذا المجال. فالإمارة أدركت التحوّلات العميقة التي تجري، فأقامت البيئة الملائمة للشركات الناشئة وريادة الأعمال. وتشكّل حالياً الشركات الناشئة نحو 50% من الشركات المسجّلة في دبي وتولد 47% من الناتج المحلي الوطني. كما أنّ مجلس دبي لمستقبل ريادة الأعمال والبيئة الابتكارية، يواكب باستمرار التحديات التي تنشأ. وكان آخرها تحدّي تحوّل جائحة كورونا إلى وباء عالمي، وأثره على قطاع ريادة الأعمال والابتكار والاستثمار، ولا سيما على المستوى المحلي.
وقد أثبتت آخر استطلاعات الرأي في دبي، أنّ أعمال 59% من مؤسسي الشركات المشاركة في الاستطلاع، قد تأثرت بالأزمة. فيما أكد نحو 53% من المشاركين، أنهم اضطروا لإجراء تغييرات استراتيجية لاستمرار أعمال مشاريعهم أو تنميتها.
 
وبناءً على نتائج هذه الاستطلاعات، قامت دولة الإمارات بمجموعة مبادرات تحفيزية، ولا سيما في مجال تطوير آليات إصدار التراخيص والتأشيرات، وإدارة التدفقات المالية، والاعتماد بشكل متزايد على مفهوم العمل عن بعد. ومواكبة التغييرات في قطاع التكنولوجيا والابتكار، وتحديث التشريعات والأنظمة الخاصّة، في ظل التغييرات العالمية وخاصّة في قطاعات الصحّة والتعليم والطاقة والعمل عن بعد وغيرها. كذلك تعمل دولة الإمارات على تعزيز البيئة الابتكارية في أكثر من مجال ومنها: دعم أصحاب العمل في خفض تكاليف إيجار المكاتب ومرافقها، تأجيل سداد المدفوعات والرسوم والضرائب المستحقة، خفض رسوم التراخيص التجارية، توفير القروض وخيارات التمويل المرنة، وأخيراً تعزيز المناطق الحرة.
 
بناءً على هذه التجربة الرائدة، يمكن القول بأنّ مسؤولية الدولة تبقى الأساس في رسم التوجهات الاقتصادية الجديدة، وكذلك بناء البيئة الملائمة لتسهيل تفعيل هذه التوجهات في القطاع الخاصّ.
 
تؤكد التجربة اللبنانية قدرة القطاع الخاص على التأقلم، ويكمن الإبداع في لبنان في الثروة البشرية الهائلة التي لدينا. ولكن يحتاج القطاع الخاصّ إلى سياسات حكومية حديثة ومتماسكة، وإلى تجديد في الكثير من التشريعات. إذاً نحن بحاجة إلى بناء بيئة استثمارية جديدة تستند إلى الابتكار. السؤال الذي يطرح نفسه، إلى متى سيستمر هذا المناخ القائم في لبنان؟ الذي يدمر بشكل منهجي قدرات اللبنانيين ويطيح الفرص كافّة؟ وإلى أيّ متى سنستمر في المكابرة، وعدم إنتاج رؤية جديدة للاقتصاد الوطني تأخذ بالاعتبار نتائج التحوّلات الكبرى؟
 
إلى أن تظهر بعض العقلانية في تصرّفات ومواقف مَن هم في دائرة صنع القرار، وإلى أن يتم التوقف عن إنتاج عوامل تعطيل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية من أجل مكاسب صغيرة، تبقى تجربة دبي في مجال الابتكار وريادة الأعمال تجربة رائدة ويمكن الاستفادة منها.
 
*أستاذ في الجامعة اللبنانية
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم