الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما الأخطاء التي ترتكبها الشركات في مقاربتها لسياسة الاحتفاظ بالموظّفين؟

المصدر: "النهار"
(تعبيرية- شاترستوك).
(تعبيرية- شاترستوك).
A+ A-
استقال شخص واحد على الأقل، من أصل كلّ أربعة أشخاص، من وظيفته هذا العام، ويمكن أن تزداد هذه النسبة قبل نهاية 2021، بحسب بيانات شركة Visier التي ينظر تقريرها الأخير في الأسباب خلف الاستقالات الطوعيّة في أكثر من 50 شركة أميركيّة، ولما يزيد عن 500000 موظّف في مختلف القطاعات.

في حين يضع عدد كبير من استطلاعات الموظّفين خلال عام 2021 تقديرات بشأن نسبة الأشخاص الراغبين في ترك وظائفهم، مثل استطلاع أجرته شركة PwC، وجاء فيه أنّ 65 في المئة من الأشخاص كانوا يبحثون عن وظيفة جديدة في آب الماضي، كشفت بيانات Visier للفترة الممتدة من كانون الثاني إلى آب، أنّ 25 في المئة من الأشخاص استقالوا من وظائفهم، وفق تقرير "سي أن بي سي".

وفي هذا الصدد، علّق إيان كوك، نائب الرئيس لشؤون البيانات التحليلية الخاصة بالأشخاص لدى شركة Visier، بأنّ هذه النسبة تشكّل "زيادة كبيرة"، حتى مقارنةً بالأرقام التي سُجِّلت في عام 2019، حين ترك 22 في المئة من الموظفين وظائفهم في ضوء المعدلات القياسية التي سجّلها تبديل الموظفين، وكذلك تراجُع سوق العمل قبل انتشار جائحة كورونا.

وقال كوك في مقابلة مع برنامج Make It عبر قناة "سي إن بي سي": "يُغيّر الأشخاص وظائفهم بمعدلات غير مسبوقة"، معتبراً أنّه أمر غير مفاجئ نظراً إلى إعادة النظر في قيم العمل والقيم الشخصية خلال الجائحة، إلّا أنّه يُشكّل مفاجأة لأصحاب العمل الذين يجدون أنفسهم في مأزق.

وقد غادر 4.3 ملايين شخص وظائفهم في آب الماضي، وهو رقم قياسيّ جديد، بعدما سُجِّلت معدلات مرتفعة لتبديل الموظفين خلال أشهر الربيع والصيف لعام 2021. ويَظهر تأثير هذه النزعة بصورة خاصة لدى الشركات في بعض القطاعات، مثل الترفيه والضيافة، والتصنيع، والتجزئة وغيرها من قطاعات الخدمات.

يقول كوك إنّ القادة الذين ينظرون إلى النزعة الحالية المتمثّلة بانتقال الموظفين من وظيفة إلى أخرى على أنّها من نتائج التوقّف لفترة وجيزة في العمليات المعتادة، وليست ناجمة عن خلل شديد أصاب القوة العامّة، يقعون في سوء التقدير بشأن الخطوات الواجب اتّخاذها للاحتفاظ بالموظفين وبناء القوة العاملة المستقبلية. ويشير في هذا السياق إلى حدوث "تحوّل جوهريّ في الطريقة التي يجب أن يتمّ من خلالها التفاعل بين الموظفين وأصحاب العمل".

ويلفت تقرير Visier إلى أنّ بعض العمّال لديهم استعداد أكبر من الآخرين لمغادرة العمل طوعاً، ومنهم العمال الذين تتراوح فترة توظيفهم من 5 سنوات إلى 15 عاماً، والعمال في الفئة العمرية 40-45 عاماً، والنساء.

يقول كوك إنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الموظفين الأكثر استعداداً لترك وظائفهم في هذه الأيام ليسوا فقط المهنيين الشباب الذين يميلون أكثر إلى الانتقال سريعاً من وظيفة إلى أخرى نظراً إلى سنّهم والمرحلة الحياتية التي يمرّون بها، وهو أمرٌ يتوقعه أصحاب العمل ويكونون مستعدين له. ولكن حين يغادر مهنيّون من ذوي الخبرة الواسعة وظائفهم وهم في منتصف مسيرتهم المهنية، تخسر الشركة الكثير على مستوى الإلمام بشؤونها الداخلية، وتواجه خللاً أكثر حدّة على صعيد فرق العمل والقيادات لديها. هذا فضلاً عن أنّ استبدالهم يستغرق وقتاً أطول وكلفته أعلى.

يتابع كوك أنّ مغادرة الموظفين المخضرمين وظائفهم بمعدلات أعلى من المعتاد تجعل اللحظة الراهنة حدثاً "فريداً من نوعه ومدمِّراً". واللافت في هذا السياق، بحسب كوك، هو أنّ "الأشخاص يعيدون النظر في مسيرتهم المهنيّة، وفي التوازن بين العمل وعيش حياتهم، وفي طريقة انخراطهم في العمل. وهذا ما يجب أن يأخذه أصحاب العمل في الاعتبار، إذا كانوا يريدون الاحتفاظ بموظّفيهم".

ويشكّل ارتفاع معدلات الاستقالة لدى النساء مصدر قلق لاسيّما وأنّ التكافؤ الجندري لا يزال محدوداً جدّاً في عدد كبير من القطاعات.

يقول كوك: "ينبغي على كلّ شركة أن تنظر عن كثب في حيثيات استقالة موظفيها، وأن تضع استراتيجيات لتغيير هذا المسار". ويلفت في هذا الصدد إلى أن عدداً كبيراً من أصحاب العمل لا يزالون يتعاطون مع هذه المسألة مثلما كانوا يفعلون قبل الجائحة، ويطبّقون مقاربة عامة للاحتفاظ بالموظفين، مثلاً من خلال القيام بمراجعات بشأن التعويضات، ووضع برامج لتقدير الموظفين، وإجراء استطلاعات للوقوف عند مستويات خبرات الموظفين، ومواءمة الأدوار والأداء مع معدّلات السوق.

ولكن "ما يجري الآن مختلف عن كلّ ما جرى سابقاً. يجب اعتماد مقاربات مختلفة في التعاطي مع البيانات"، كما يقول كوك الذي يتابع أن أصحاب العمل غالباً ما يرتكبون خطأ توصيف الحلول من دون أن يحدّدوا أوّلاً أين يحدث الاستنزاف، أي على مستوى القسم أو الفريق أو حتّى على المستوى الفرديّ.

لذلك، بدلاً من إجراء استطلاعات على صعيد الشركة لقياس انطباعات الموظفين، ينصح كوك قادة الشركات بالنظر أوّلاً إلى أنماط الاستقالات، أي مَن هم الموظفون الذين يغادرون الشركة، وفي أيّ قسم يعملون، وكيف تؤثّر أعداد المغادرين المتزايدة في سير العمل. فهذا يعطي القادة فكرة عن الأقسام والوظائف التي تعاني من مشكلات ومن تداعيات ترك الموظفين لعملهم، بدلاً من قياس انطباعات الموظفين على مستوى الشركة ككلّ.

وحين تحدّد الشركات الفئات التي هي الأكثر حاجة إلى المساعدة من أجل الاحتفاظ بالموظفين، يمكنها اتّخاذ خطوات استهدافيّة لدعم هؤلاء العمّال بدلاً من تطبيق برامج ومبادرات عموميّة.

وفي هذا السياق، يعطي كوك مثالاً عن شركة أرادت معالجة مشكلة انتقال الموظفين بسبب تأثيرها على إيراداتها. وحين نظر القيّمون على الشركة إلى أنماط الاستقالات، وجدوا أن النساء هن الأكثر عرضة لترك وظائفهنّ بسبب غياب المرونة في دوام العمل، ما يؤثّر في قدرتهنّ على العناية بأطفالهنّ وبالأشخاص الذين هم تحت رعايتهنّ. وقد حمل المديرون هذه البيانات إلى المسؤولين التنفيذيين، ثمّ أعدّوا استراتيجية لتغيير نظام المناوبات وإفساح المجال أمام الموظفين لتكييف دوام العمل بطريقة تناسبهم على نحوٍ أكبر.

يلفت كوك إلى أنّه من الضروريّ اعتماد مقاربة استهدافيّة ومركَّزة، حتّى في التعامل مع الموظّفين الذين أبدوا رغبتهم في المغادرة. ويقول في هذا الإطار: "لعلّ الردّ الأسوأ على مغادرة العمال وظائفهم هو التفكير في أنّه لا يمكن فعل أيّ شيء على الإطلاق للاحتفاظ بهم. من الممكن دائماً التدقيق في دوافع كل شخص على حدة والأسباب التي تقف وراء قراره بالمغادرة، واستحداث فرص بهدف دفعهم إلى العدول عن قرارهم".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم