السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في عيد المعلّم... لن أنسى أستاذي المرحوم عبد القادر الأسمر

المصدر: "النهار"
عبد القادر الأسمر.
عبد القادر الأسمر.
A+ A-

حسين قاسم

بشعور يغلبه الامتنان، أستذكر اليوم أستاذي في اللّغة العربيّة عبد القادر الأسمر، ابن الفيحاء طرابلس، الذي أصبح مدير مدرسة لبايا الرسمية في البقاع في مطلع السبعينيّات، وذلك قبل انتقاله للمعترك الصحفيّ.

 في عهده، شهدت مدرستنا نهضة علميّة بارزة. كنت تلميذه في صف البريفيه. بيد أنّه تمتّع بصفات إداريّة لامعة، تمّ تعيينه مديراً للمدرسة على أثر صراعات على منصب الإدارة، في بلدة فقيرة، لا بناء مدرسيّ فيها، بينما تعداد تلامذتها فاق الـ500. توزّعت الصفوف حينذاك في معظم أنحاء البلدة.

 بحنكته الموصوفة، أدرك الأستاذ عبد القادر التناقضات في قرية تعصف فيها الصراعات العائلية في مرحلة نهوض اليسار، وسط إهمال الدّولة للمناطق الأطراف.

لكن الأستاذ عبد القادر قبل التّحدّي. لم يُشعر المدير السابق أنّه صار خارج دائرة الإدارة، فاستمرّ يأخذ برأيه. وصار يستشير الأستاذ الطّامح للإدارة بشؤون المدرسة، مع حرص على إعطاء الأولويّة للتّحصيل العلميّ وسط الظّروف كلّها. أيضاً، تفاعل بحكمة مع بداية نهضة اليسار في لبنان، بعد هزيمة حزيران وقرب بلدتنا من جبل الشيخ والعرقوب وبداية دخول العمل الفدائيّ الى البلاد.

في أحد الأيام، طالَبنا بانتخاب رابطة طلابيّة، فاستجاب الأستاذ عبد القادر فوراً، وتشكّلت رابطة لأوّل مرّة في بلدة لا تعرف سوى انتخاب مختار. والمصادفة أنّه تم انتخابي بالاجماع رئيساً للرابطة، فصرت على تماس يوميّ معه.

 لا أذكر يوماً أنّنا تعاركنا أو اختلفنا، على الرّغم من أنّنا حوَّلنا الرابطة الى بؤرة ثورية كما هو حال مفردات ذاك الزمان. أسّسنا مجلة حائط نشرنا فيها أخبار انتصارات فيتنام، وحركات التحرّر في العالم، وصعود فالتينا تريشكوفا الى الفضاء. وكانت الاولوية لفلسطين وقضيتها، مع ملازمة صورة الفدائي البطل الذي سيحرّر فلسطين، ناهيك عن نشاطات دوريّة ومحاضرات عن مواضيع مختلفة، واحتفالات بمناسبات أعياد المرأة والطفل والعمّال. وعرَضنا فيلم "ذهب مع الرّيح" في بلدة بالكاد تسمع بالتلفزيون. ساعدنا موقع الإدارة في منزل يضمّ صالوناً كبيراً، وكان منزل المرحوم أبو صالح علي صالح عقل أحد جذور السنديانة الحمراء.

بدوره الأستاذ عبد القادر كان مرحباً دائماً. كان فقط يردّد على مسامعنا "طالما أنّ نشاطاتكم لا تؤثّر على جهودكم التعليميّة فاعملوا ما شئتم".

أذكر كم كان فرحاً عندما أبلغته قرارَ الحزب بتعليق نشاطاتنا قبل الامتحانات، وكذلك قراراً صارماً بأنّ كلّ تلميذ يرسب في الامتحان سيفصل من الحزب. وبدَوري أبلغتُه بتعليق نشاط الرابطة أيضاً. قبّلني على جبيني، وشدّ على أيدينا وجهودنا ونضالنا.

اليوم، في بروكسل، كلّما شعرت أنّني أكتب بحرية دون ضغوط السلطة... بصفتِه مديراً لمدرستنا كان بمثابة السلطة- أتذكّر كم كان ديمقراطيّاً يحترم الرأي الآخر. لم نكن نتشارك اتجاهه السياسي حينها. لذلك كنت أتعجّب لاحترامه لنا لا بل تشجيعنا. لكنّه كان ديكتاتورياً في حرصه على مستوى دراستنا، فالدراسة بالنسبة له كانت خطّاً أحمر لا يتساهل به أبداً.

لروح أستاذي عبد القادر الأسمر الرحمة والسلام، والامتنان له ولباقي الأساتذة الذين رفعوا من شأن مدرستنا وقريتنا، وأقول لهم أنّ بصماتهم وجهودهم ما ذهبت هدراً، فلبدتنا لبايا شهدت وما تزال نهضة علميّة ومنها تخرج الطلاب من مختلف الاختصاصات، وهذا بفضل المرحوم عبد القادر الأسمر وبفضل المدرسين الذين درّسوا فيها من طرابلس وسعدنايل وبرجا وإقليم الخرّوب وعكّار والبترون وشمسطار وقليا وجب جنين وكامد اللوز والمنارة والمنصورة.

لن ننساك أستاذي عبد القادر الأسمر.

الطالب حسين قاسم

هكذا كنت أوقع ما أكتبه في مجلة الحائط.

 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم