الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رفعُ الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب سيكون خطوة "رمزية" فقط؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إيرانية تقف في باحة مقام الإمام الرضا في مدينة مشهد (أ ف ب).
إيرانية تقف في باحة مقام الإمام الرضا في مدينة مشهد (أ ف ب).
A+ A-

مع تحول مطلب إيران برفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب إلى عقبة أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي، برز جدال بين المراقبين عمّا إذا كان يجب على إدارة الرئيس جو بايدن الإقدام على هذه الخطوة أم الإحجام عنها. قال مراقبون إنّ إعادة برنامج إيران النووي "إلى الصندوق" أهم من قضيّة تصنيف الحرس الثوري على لائحة الإرهاب. بمعنى من المعاني، يجب التضحية بهذه القضيّة "الثانوية" لصالح تحقيق الهدف الأهمّ.

 

"لا يخدم واشنطن ولا يؤذي إيران"

دافعت مراسلة "فورين بوليسي" في بيروت أنشال فوهرا عن وجهة النظر هذه كاتبة أنّ على واشنطن الاستعداد لتقديم التنازل بما أنّ مماطلة إيران في العودة إلى الاتفاق يعني أنّها ستحقّق الخرق النووي خلال شهر تقريباً. وسبق أن فرضت واشنطن جميع أنواع العقوبات على الحرس منذ 2007، وتعهد المسؤولون الأميركيون مواصلة فرض عقوبات عليه بصرف النظر عن التصنيف. لذلك، لن يغيّر شطب تلك المجموعة عن قائمة الإرهاب الكثير على الصعيد العمليّ خصوصاً أنّ التصنيف لم يمنعها من نشر الفوضى في المنطقة.

من جهة ثانية، كتبت فوهرا أنّ الطريقة الأساسية الوحيدة لإضعاف هذه المجموعة لا تكمن في فرض العقوبات بل في دفع المعتدلين إلى التمتّع بسلطة أكبر داخل النظام، حيث لا تستطيع واشنطن فعل الكثير في هذا السياق. وختمت تحليلها بما قاله مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية" علي واعظ عن هذا التصنيف: "إنّه لا يساعد الولايات المتحدة؛ إنّه لا يؤذي إيران".  

ما لم تذكره فوهرا خلال عرض وجهة نظرها، هو الخسائر البشرية التي لحقت بالجنود الأميركيين بسبب تورط الحرس الثوري في العمليات التي استهدفتهم في العراق قبل التصنيف. قدّرت واشنطن أنّ أكثر من 600 أميركي قتلوا على يد مجموعات مدعومة من الحرس. كشفت واشنطن هذه المعلومات في 2019 بعدما كانت التقديرات السابقة أقل من ذلك. لهذا السبب، يصبح شطب الحرس عن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية أكثر إحراجاً بالنسبة إلى الإدارة الحالية.

كذلك، إذا كان تصنيف الحرس على لائحة الإرهاب لم يكبح نشره للفوضى في المنطقة بحسب وجهة نظر فوهرا، فإنّ سيطرة "المعتدلين" على المشهد السياسي الإيراني منذ 2013 لم تخفّف هي الأخرى من تلك الفوضى. والأمر نفسه ينطبق على التنازلات التي قدّمها بايدن لإيران والتي لم تؤدِّ إلى تخفيف التصعيد الإيراني في الإقليم. رفعُ الحوثيين عن لائحة الإرهاب في فبراير/شباط 2021 ليس المثل الوحيد.

 

سبب الإصرار

ثمّة سؤال آخر بشأن ما قاله واعظ عن أنّ تصنيف الحرس "لا يؤذي إيران". إذا كان ذلك صحيحاً، فسيكون مشروعاً أيضاً التساؤل عن سبب عرقلة طهران التوصل إلى الاتفاق النووي لتحقيق هذا الهدف. ردّ إليوت أبرامز من "مجلس العلاقات الخارجية" وبهنام بن تالبلو من "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" على فكرة غياب الجدوى من هذا التصنيف كاتبين في مؤسسة "ناشونال إنترست" الأميركية: "من غير المرجّح أن تعرّض إيران اتفاقاً نووياً مهيأً لتحرير ما يقدّر بـ130 مليار دولار من الأموال المجمدة للخطر بسبب إلغاء تصنيف يعتبره البعض مجرّد ‘رمزية‘".

وأشارا إلى أنّ مسألة التصنيف تشمل حظر منح تأشيرات سفر أو هجرة للمسؤولين السابقين والحاليين في الحرس إلى الولايات المتحدة. ويؤمّن التصنيف مساحة أوسع للتحرك القضائي ضد الحرس لأنّه يحمل معه معايير مختلفة من الأدلة بشأن "الدعم المادي". وهو يوفّر أيضاً شبكة أوسع خارج الحدود الأميركية لاستهداف من يقدّمون الدعم المادي للحرس. علاوة على ذلك، يؤمّن التصنيف لضحايا الحرس حقاً خاصاً لهم بالتحرك في المحاكم الفيديرالية لمحاسبته. إنّ إلغاء بايدن التصنيف سيعرقل ضحايا الحرس في الحصول على التعويض، كما أوضحا.

تشير مجلة "ناشونال ريفيو" إلى ما يؤكّد هذه العرقلة وهو توقيع بيل كلينتون "قانون حماية ضحايا الاتجار والعنف" سنة 2000 والذي نص على عدم إعادة الأموال إلى إيران وحكومات أخرى حتى يتمّ الفصل في المحاكم الأميركية بشأن "الأضرار الناجمة عن الأعمال الإرهابية ضد المواطنين الأميركيين". في هذا الإطار، "لا تزال الحكومة الإيرانية والكيانات الإيرانية والمسؤولون الإيرانيون مدينين للأميركيين بنحو 53 مليار دولار بحسب أحكام محاكم فيديرالية معلّقة".

قد يكون هذا الرقم هو ما يدفع الإيرانيّين إلى التشديد على مطالبهم. وفي جميع الأحوال، من غير المستبعد أن يكون الطرفان قد دخلا لعبة شدّ حبال تلبغ ذروتها في الأسابيع القليلة المقبلة. نقل كاتب العمود في "واشنطن بوست" ديفيد إغناشيوس عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إنّ بايدن لن يقبل بشطب الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب. أشاد إغناشيوس بهذا الموقف مشيراً إلى أنّ خطوة الشطب ستؤدّي إلى زيادة التوتّر في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين والإسرائيليين.

 

افتراض "الرمزية" لا يلغي سؤالاً آخر

إنّ قدرة واشنطن على الصمود في مواجهة الضغط الإيرانيّ ليست مؤكّدة، خصوصاً إذا كانت ترى أنّ الوقت لا يصبّ في مصلحتها. كذلك، قد يلعب الموفد الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي، وهو أحد أبرز مناصري الاتفاق مع إيران داخل الإدارة وربّما أحد أبرز الممسكين بدفّة التفاوض، دوراً في تليين موقف بايدن. ومع انشغالها بالحرب الروسية على أوكرانيا، قد "ترمش" واشنطن أولاً وتقبل بشطب الحرس عن لائحة الإرهاب.

رأت فوهرا أنّ المطلب الإيرانيّ برفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب يهدف إلى تحقيق الرئيس ابراهيم رئيسي مكاسب داخلية. وهذا ما يقوله أيضاً مسؤولان إيرانيان، سابق وحالي، في حديث إلى وكالة "رويترز". تتعلّق القضيّة بـ"كرامة" المؤسّسة والديبلوماسيين الإيرانيين، وبادعاء فريق التفاوض الجديد أنّه حقق مكاسب أكبر من تلك التي حققها فريق الرئيس السابق حسن روحاني.

حتى مع وضع الحسابات السياسية والاستراتيجية جانباً، ثمّة أسباب للتساؤل عن مبرّرات أخذ هواجس إيران الداخلية بالحسبان بدون هواجس بايدن الداخلية. يواجه الرئيس الأميركي امتعاضاً متزايداً داخل الكونغرس من إبقاء السلطة التشريعية غير مطلعة إلى حد بعيد على أجواء التفاوض مع إيران. وتوقّع أحد النواب الجمهوريين أن يخلق القرار المحتمل برفع الحرس عن لائحة الإرهاب شرخاً بين الديموقراطيين.

ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة بالنسبة إلى بايدن كي يتّخذ قراراً نهائياً بشأن الوضع القانوني للحرس الثوري. فمبرّرات العودة إلى الاتفاق النوويّ، أقلّه من وجهة نظر الإدارة، ستتضاءل بمرور الوقت، وكذلك مبرّرات رفع الحرس عن قائمة الإرهاب مع مواصلته استهداف المصالح الأميركية في المنطقة. ولن يساعد في ذلك أيضاً إعلان قائد القوة البرية في الحرس الثوري محمد باكبور اليوم أنّ قتل جميع القادة الأميركيين لن يكون كافياً للثأر لمقتل قاسم سليماني. المؤكّد أنّ اتّخاذ قرار كهذا لن يكون سهلاً على أبواب الانتخابات النصفية.

 
*نُقل عن "النهار العربي"

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم