الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لهيب أسعار الغاز يلفح أوروبا... روسيا مسؤولة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مشاهد من العمل في مشروع نورد ستريم 2 - "أ ب"
مشاهد من العمل في مشروع نورد ستريم 2 - "أ ب"
A+ A-

ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا يوم الأربعاء حوالي 25% لتسجّل رقماً قياسياً جديداً وتطرح علامات استفهام عن كيفيّة رسمها لسياسات الطاقة خلال السنوات الماضية. أكثر من 58% من استهلاك أوروبا للغاز سنة 2018 كان مستورداً حيث تشكّل دول أوروبا الغربية أبرز مستوردي القارّة. روسيا هي المصدّر الأكبر للأوروبيين إذ يمثّل غازها أكثر من 40% من إجمالي واردات أوروبا. بينما تحل النرويج في المرتبة الثانية مع 18%. في بريطانيا التي تعكس صورة أوروبية عامة، بلغ سعر الغاز في أيلول خمسة أضعاف ما كان عليه خلال الفترة نفسها من العام الماضي. 

 

أسباب متنوّعة وتبادل اتهامات

كما في كلّ أزمة جيوسياسية كبيرة، توجّهت الأنظار إلى روسيا لمعرفة ما إذا كانت تقف خلف هذا الارتفاع المطّرد في الأسعار. إلى الآن، يبدو أنّ الروس فعلاً يخفّضون تسليم كميات الغاز إلى الأوروبيين. ما عادت موسكو "تفتح الصنبور" كما كانت في السابق. طبعاً ثمّة عوامل أخرى أدّت إلى هذه النتيجة مثل عودة الحياة التدريجية إلى الاقتصاد العالمي بعد جائحة "كورونا" وانخفاض المخزون الأوروبي من الغاز بفعل شتاء سابق أطول من المعتاد وحريق في منشأة طاقة روسية في آب وارتفاع الطلب على الغاز في آسيا أيضاً. وكما حصل خلال الشتاء، لم يسعف فصل الصيف هو الآخر الأوروبيين. أوروبا التي تعتمد على توربينات الرياح لتوليد 10% من طاقتها، وجدت نفسها أمام صيف قليل الرياح الأمر الذي ضاعف أزمتها. علاوة على كل ذلك، تمتنع روسيا عن استخدام إمكانات إضافية في إيصال غازها إلى أوروبا عبر أوكرانيا.

في هذا الوقت، حمّل الرئيس فلاديمير بوتين الأوروبيين مسؤوليّة ما يحصل. من جهته، نفى الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أيّ دور لبلاده في ارتفاع الأسعار قائلاً أنْ ليس لروسيا دور ولا يمكن أن يكون لها دور في هذا المجال. طرأ هذا التطور في وقت تقترب أوروبا من موسم الشتاء، حيث من المتوقّع أن تبدأ باستقبال موجات البرد الأسبوع المقبل. في هذه الأثناء، دعا مسؤول الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون الدول الأعضاء إلى مراجعة قواعد السوق بحلول نهاية السنة الحالية لمنع الأكلاف المرتفعة من خنق التعافي الاقتصادي. ويدفع نواب فرنسيّون الحكومة باتّجاه تقليل الاعتماد على الغاز المستورد. بينما طالب برلمانيون أوروبيون المفوضية بإجراء تحقيق في دور محتمل لشركة "غازبروم" قائلين إنّ سلوك الشركة جعلهم يشتبهون بوجود تلاعب في الأسواق.

 

لوم روسيا ليس كافياً

في أيلول، قالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم إنّ على الولايات المتحدة وحلفائها "الاستعداد لمواصلة المواجهة حين يكون هنالك لاعبون يمكن أن يكونوا متلاعبين بالإمدادات لإفادة أنفسهم". إنّه تصريح لافت بما أنّه صادر عن مسؤول في إدارة أعفت الشركة الأساسيّة المشغّلة لمشروع "نورد ستريم 2" من العقوبات. تشير "غازبروم" إلى أنّها تلتزم بموجباتها التعاقديّة" وهو أمر لا ينفيه بعض المراقبين. لكن ثمّة قطبة مخفيّة في الموضوع. "بينما كانت روسيا تفي من الناحية الفنية بالتزاماتها التعاقدية مع الغرب، لم تكن مهتمة بالرسملة على الطلب المرتفع كي ترسل غازاً إضافياً إلى زبائنها الأوروبيين. إنّها الدولة الوحيدة التي يمكنها فعلاً تخفيف الضغط على الأسعار وهي قررت عدم فعل ذلك". هذا ما قالته الأكاديمية وخبيرة شؤون الطاقة في جامعة زيورخ ماريا شاجينا. ولم تستبعد استخدام روسيا لهذا السلاح كي تسرّع استكمال مشروع استجرار الغاز. بالفعل، ثمّة تحليلات تشير إلى أنّ لروسيا رسالة واضحة مفادها أنّ رفع إمدادات الغاز – إن حصل – يجب أن يمرّ عبر "نورد ستريم 2" المثير للجدل.

يمكن المجادلة طويلاً في دور روسيا بمفاقمة أو عدم الامتناع عن مفاقمة ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا. لكن ماذا عن سياسات القارة العجوز نفسها؟ لا يتوانى مراقبون آخرون عن اتهام القادة الأوروبيين والأميركيين بسبب سياساتهم. يرى الباحث الزائر في "معهد أكسفورد لدراسات الطاقة" ألياكسي باتونيا أنّ روسيا رفضت الصيف الماضي حجز خطوط الأنابيب العابرة عبر الجزء البولندي من خط يامال-أوروبا، وهو ناقل غاز أساسيّ من روسيا إلى أوروبا. من المحتمل أن يكون ذلك تحسّباً لإطلاق "نورد ستريم 2" الذي كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد وصفه بأنّه "أمر واقع". لو لم يحدث ذلك، لما كانت روسيا متأكدة من مستقبل صادراتها من الغاز إلى أوروبا، بحسب باتونيا. أضاف إلى ذلك تردّد أوروبا بملء مخزوناتها بسبب ارتفاع الأسعار البطيء خلال الصيف خصوصاً بعد تدنّيها كثيراً في 2020.

 

مزيد من الأخطاء... وأمل أخير

ربّما تعاود أوروبا اكتشاف أنّ الطاقة المتجددة ليست بديلاً فعلياً عن مصادر الطاقة التقليدية، بل مجرد مكمّل لها. قد تمدّ الأولى الزبائن بالطاقة لأيام عدة وبكميات كبيرة قبل أن تنقطع لفترة أطول. وتخلّيها عن الطاقة النووية أجبرها أيضاً على العودة إلى الطاقة الكربونية كما على زيادة نقطة ضعفها من خلال اعتمادها على الطاقة الروسية. لكنّ أكثر ما أخطأت فيه أوروبا، أقلّه من وجهة نظر عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات البحرية العليا بريندا شافر، هو خلطها الأمور الاستراتيجية بالإيديولوجية والتكنولوجية بطريقة عشوائية:

فمن أجل لَبرلة سوق الطاقة، شجعت بروكسل الأوروبيين على توقيع العقود استناداً إلى السعر الفوري اليوميّ عوضاً عن التفاوض على أسعار ثابتة طويلة المدى. اعتمدت هذه الفكرة على إيديولوجيا السوق لا على تحليل أمن الإمدادات. نتج عن تقلّب الأسعار اليوميّة الفوريّة زيادة نفوذ روسيا بالتحكم في الأسعار لتحكّمها أساساً بكميات الإمداد. كذلك، مع إلغاء عقود الأسعار الثابتة تراجعت شركات أخرى عن بناء إمدادات الطاقة لارتفاع كلفتها فتضاعف مجدداً نفوذ روسيا.

من ناحية أخرى، إنّ ثمن دعم وصيانة الطاقة المتجددة وحتى الطاقة التقليدية لا يدفعه منتجو الطاقة بل مقدّمو خدمة التيار الذين يعيدون نقل الكلفة إلى الجمهور. ومع دمج حصّة معيّنة من تلك الطاقة في إجمالي الطاقة المقدّمة، انتهى المطاف بتخلي بروكسل عن سياسات السوق. وتضيف شافر أنّ أوروبا خضعت للناشطين البيئيين متخلية عن شراء الموارد المكتشفة حديثاً والقريبة من حدودها كما هي الحال في شرق المتوسط، فلم تسعَ جدياً إلى شراء أي من هذه الموارد الجديدة.

ما من شكّ كبير يساور المراقبين حيال الأخطاء التي ارتكبتها أوروبا في العقد الماضي على مستوى سياسات الطاقة. من المرجّح أن يبدأ الأوروبيون بمراجعة تلك السياسات للمرحلة المتوسطة والبعيدة المدى. لكن هل من حلّ على المدى القريب؟ بحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية: "يجب أن يأمل الأوروبيون (حلول) شتاء دافئ وعاصف".

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم