18-03-2023 | 06:10

حديقة بيروت في عاصمة الجزائر... سحر خاص ومتنفس ودلالات تاريخية

يهرع إليها زائروها من كل فئات المجتمع، ومن مختلف مشاربهم وتخصصاتهم وتفكيرهم، هرباً من صخب المدينة وضوضائها.
حديقة بيروت في عاصمة الجزائر... سحر خاص ومتنفس ودلالات تاريخية
Smaller Bigger
في أعالي عاصمة الجزائر... تقف شامخة شموخ تاريخها، إنها حديقة ليست ككل الحدائق التي تعرف بها جزائر بني مزغنة، حديقة غناء... إنها "حديقة بيروت"، وأنت تدخل إليها تتراءى لك تلك البهجة على مساحاتها الخضراء، وأشجارها الباسقة ومساراتها الفسيحة الرائعة.
 
اختلافها عن باقي الحدائق جوهري، حتى اسمها اختزل عروبة البلد وارتباط الجزائر الوثيق بعالمها العربي. حديقة بيروت، إحدى الحدائق المميّزة، تقع في قلب المدينة، يهرع إليها زائروها من كل فئات المجتمع، ومن مختلف مشاربهم وتخصصاتهم وتفكيرهم، هرباً من صخب المدينة وضوضائها، خصوصاً مع تنوع مرافقها ومساراتها المخصصة لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية، وأماكن للعب الأطفال ولجلوس العائلات وغيرها.
 
 
 دخلناها من بابها الواسع، المطل على شارع كريم بلقاسم. رحنا نتجول عند حوافها ومساحاتها فوجدناها مملوءة بالرحابة، وتزينت كزينة مدينة بيروت؛ أصوات متنادية من هناك لأطفال يتخذون من الألعاب الموجودة في قلب الحديقة متنفساً لهم، ودردشات من هنا لعائلات تركت المقاعد وراحت تجلس على مساحة العشب الأخضر الذي ازداد اخضراراً بأشعة الشمس الدافئة في وضح نهار شتوي بارد؛ تدردش العجوز مع ابنتها وابنها وزوجته في رحابة صدر عالية، تؤكد أن للمكان سحراً خاصاً يثير في روح الإنسان الطمأنينة والعنفوان؛ ومن خارجها ينبعث صوت السيارات ليزيد من تناغم الحديقة مع زقزقة العصافير على أنواعها، وهديل الحمام، لتتشكل سمفونية موسيقية ساحرة... كيف لا وهي نوتات طبيعية من وحي حديقة بيروت.
 
التقينا زينو وصديقته ليلى، كانا جالسين في هدوء تام، يتبادلان الحديث بهمسات، اقتربنا منهما. كانت ردة فعلهما متوجسة بادئ الأمر، لكنهما سرعان ما راحا يبتسمان بمجرد أن عرفا أننا نتحدث إليهما عن حديقة بيروت. سألناهما إن كانا يقصدانها كل يوم؟ فأجاب زينو: "حديقة بيروت بالنسبة إليّ المكان الذي أرتاح فيه وأنا برفقة ليلى..."، لتقاطعه الفتاة: "إنها الحديقة الرمز بالنسبة إليّ وزينو، هنا التقينا للمرة الأولى، وهنا بدأت حكاية حبنا، إنها حديقة مفعمة بالحب وأنا أحبها لأنها رمز لحبي الهادئ هدوء حديقة بيروت".
 
تركناهما لنتجه إلى شيخ كان جالساً على أحد مقاعد الحديقة. عمي سعيد، في الـ65 من العمر، يؤكد أن حديقة بيروت هي المكان المحترم والهادئ والمميز الذي "أستطيع أن أقضي فيه وقت فراغي... أشتري جريدة وفنجان قهوة وقارورة ماء صغيرة وأتوجه مباشرة إليها... هذا مكاني المعتاد، إني أجلس وحدي هنا ولا أشعر أبداً بالوحدة، فالمكان لا يمكنك أن تشعر فيه إلا بكينونتك وحضورك النفسي الإيجابي. بصراحة لو خُيّرت بين الجلوس في غرفتي في البيت والجلوس هنا في حديقة بيروت لاخترت الحديقة"، يقول عمي سعيد لـ"النهار العربي"، وعلى محياه ابتسامة عريضة.
 
 
"بيروت اسم ارتبط بالحرية والجمال والإبداع"
يقول الكاتب والباحث محمد بن زيان لـ"النهار العربي" إن "مدينة الجزائر عرفت قبل الاحتلال الفرنسي بمتنزهاتها ومساحاتها الخضراء، وهو ما سجّله الرحالة الذين زاروها، ولهذا يجسّد وجود حدائق بها بعض ما يمثّل ذلك الإرث الرائع". ويضيف: "في عاصمة الجزائر حدائق عدة، من بينها حديقة الحامة التي كانت تعتبر من أهم الحدائق العالمية وفيها تم تصوير فيلم "ترازان" في ثلاثينات القرن الماضي، ومن بين الحدائق المهمة حديقة بيروت، التي كانت تحمل سابقاً اسم مون ريان، ولها ميزة ترتبط بموقعها الاستراتيجي القريب من مواقع كثيرة لها رمزيتها وأهميتها الجاذبة للسائح مثل متحف باردو".
 
يغوص محمد بن زيان في أعماق وجدان الحديقة وروحانيتها، ويقول: "إن الدخول إلى حديقة بيروت تصاحبه كل تلك الأحاسيس التي تنتاب من يدخلها بعدما انغمس في زخم محيطها، إنها من الحدائق التي عرفت نوعاً من الاهتمام الذي تكثّف رمزياً بعد تسميتها باسم بيروت كتحية للشعبين اللبناني والفلسطيني، وتم ذلك في حفل حضره الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهي من الأماكن المفعمة بروح عاصمة الجزائر وجمالها وبهجتها". كما أن اسم بيروت ارتبط في البال بكل دلالات الحرية والجمال والثقافة والإبداع، وهو ما جعل للاسم جاذبية خاصة، وفق بن زيان.
 
اسم وحكايا!
حديقة بيروت هي واحدة من حدائق الجزائر التي تحمل أسماء مدن عالمية وعربية على غرار براڨ وتونس وصوفيا، وهي أسماء مستنبطة من عواصم كانت للجزائر معها روايات ومواقف.
 
 
وعن حكاية تسمية الحديقة يقول الشاعر والكاتب الروائي الجزائري إسماعيل يبرير، في حديث لـ"النهار العربي"، إن حكاية تسميتها منسوبة إلى الوزير الأسبق للخارجية الجزائرية الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، نجل رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ البشير الإبراهيمي. ويضيف يبرير: "تقول الحكاية إن زوجة الإبراهيمي اشتاقت إلى بيروت، فسعى لتحمل الحديقة التي كانت مقابلة لشقته في أعالي تيليملي في العاصمة اسم بيروت إكراماً لزوجته". لكن هذه الحكاية لم تتجاوز أحاديث الأروقة والصالونات، ولم يؤكدها أو ينفها الوزير النافذ في عهد الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، والذي نافس بوتفليقة على كرسي الرئاسة في أول ولاية له العام 1999.
 
وتقول روايات أخرى عن أصل التسمية، إن حديقة بيروت كسبت مكانة خاصة في قلوب الجزائريين، فقط لأنها أولاً تحمل اسم عاصمة لبنان الشقيق، وأنها أيضاً أقيمت وسميت تبجيلاً للمقاومة الفلسطينية.
 
 
ورغم اختلاف الروايات وحكايا تسميتها إلا أن ميزاتها وروحها النابض بكل ما فيها، جعل منها حديقة عالمية، لا يمكن لمن يدخل الجزائر أن لا يزورها أو حتى المرور بجانبها، استمتاعاً بجمالها وشحذاً لشحنات إيجابية تبعثها في الروح نسائم... حديقة بيروت.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/25/2025 1:09:00 PM
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه العديد من المدارس السورية نقصاً حاداً في المقاعد الدراسية
شمال إفريقيا 10/27/2025 7:36:00 AM
بحسب اعترافاته، فقد قرر التخلص من الأم بعد أن "اكتشف سوء سلوكها"
مجتمع 10/27/2025 9:13:00 AM
نقتبس من كلام براك في الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال جبران تويني: "وفي عز موسم الحاجة الى أحياء يسيرون في وداع السابقين".
الولايات المتحدة 10/27/2025 8:47:00 AM
 أجهزة إنفاذ القانون ترجّح أن منفذ الهجمات هو الشخص نفسه