07-12-2023 | 15:48

عصام عبدالله... عينٌ نقلت القصص الإخبارية بشجاعة واحترافية

لدى تغطيته للأحداث في بعض أخطر أماكن العالم، عُرف عبدالله بين زملائه بأنّه حريص وحذر في البيئات والأجواء والمواقع الصعبة التي يعملون بها.
عصام عبدالله... عينٌ نقلت القصص الإخبارية بشجاعة واحترافية
Smaller Bigger
خلص تحقيق أجرته "رويترز" إلى أن نيران دبّابة إسرائيلية هي التي قتلت مصوّر الوكالة التلفزيوني عصام عبدالله (37 عاماً) في لبنان يوم 13 تشرين الأول (أكتوبر).
 
وكان المصوّر الراحل يتحلّى بالشجاعة والمحبّة والبصيرة في عمله الذي غطّى فيه بعضاً من أكبر القصص الإخبارية في العقد الماضي.

وكما يروي زملاؤه وأوضحت تغطياته، تفوّق الراحل عبدالله في نقل القصص الإخبارية عمن يعيشون في أوج أزمات وكوارث سواء كان ضمن فريق تغطية الحرب على تنظيم "داعش" في سوريا والعراق أو الغزو الروسي لأوكرانيا أو تبادل لإطلاق النار في شوارع بلده لبنان.
 
وبعد مهمة عصيبة في أوكرانيا العام الماضي، كتب لرؤساء التحرير في "رويترز": "تعلّمت خلال كل السنوات التي غطّيت فيها صراعات وحروباً مع رويترز في أنحاء المنطقة أن الصورة لا تنقل فقط جبهات القتال والدخان لكنّها تنقل القصص الإنسانية التي لا يعرفها أحد وتمسّنا جميعاً من الداخل".
 
ونال عبدالله ترشيح "رويترز" لمصوّر تلفزيون العام في 2020 لتغطيته المميّزة لانفجار مرفأ بيروت إذ قدّم للعالم بعض أول وأقوى اللقطات للكارثة. وكان من بين أفراد فريق أكبر فاز بالجائزة في 2022 عن تغطية الحرب في أوكرانيا.
 
وقالت مديرة التصوير التلفزيوني لـ"رويترز" في أوروبا إليانور بيلز "كان لديه شغف بأن ينقل القصص التي يراها تتكشف أمام عينيه. هذا الشغف كان هو هو خلال تغطية زيارة باباوية أو تغطية زلزال".

ولدى تغطيته للأحداث في بعض أخطر أماكن العالم، عُرف عبدالله بين زملائه بأنّه حريص وحذر في البيئات والأجواء والمواقع الصعبة التي يعملون بها وبذل جهداً كبيراً لضمان سلامته وسلامة زملائه.

 
وخلال مهمة عصيبة أخرى استمرت لأسابيع عدّة في 2019، كان عبدالله من أوائل الصحافيين الذين نقلوا الأنباء العاجلة لاستسلام المئات من مسلّحي تنظيم "داعش" الذين كانوا يتحصّنون في آخر معاقلهم في شرق سوريا.

وقالت إيلين فرنسيس وهي مراسلة في صحيفة "واشنطن بوست" عملت من قبل مع "رويترز" وكانت معه هناك "كان يغطي الأحداث بشجاعة ومسؤولية".
 
وفي وقت انزلق فيه بلده لبنان لانهيار اقتصادي وأزمة سياسية لا نهاية لها في الأفق، كان عبدالله هو الذي يلطّف الأجواء ويبهج المزاج العام في مكتب "رويترز" في بيروت بصداقته الوثيقة مع زملائه وأسرهم.
 
ويفيد صحافيون في مكتب "رويترز" في بيروت بأنّه أحبّ جمعهم معاً وعادة ما جاء بوجبات إفطار كبيرة للمكتب بأكمله وتجد يده طريقها إلى الكاميرا مراراً لالتقاط صور جماعية.
 
 
شغف واحترافية
استند تحقيق "رويترز" إلى فحص ساعات من المقاطع المصوّرة ومئات الصور الفوتوغرافية ومقابلات مع 30 مسؤولاً وخبيراً وشاهداً ومحقّقاً ومحامياً ومسعفاً، بالإضافة إلى تحليل قطع شظايا.
 
وخلص التحقيق إلى أن طاقم دبّابة إسرائيلية قتل عبدالله وأصاب ستة صحافيين بإطلاق قذيفتين في تتابع سريع من إسرائيل حين كان الصحافيون يصوّرون قصفاً عبر الحدود.
 
وكانت المجموعة المؤلفة من سبعة صحافيين من وكالة الأنباء الفرنسية و"الجزيرة" و"رويترز" على بعد ما يزيد قليلاً عن كيلومتر واحد من الحدود الإسرائيلية بالقرب من قرية علما الشعب اللبنانية، وكانوا جميعاً يرتدون سترات واقية من الرصاص وخوذات زرقاء مكتوب على معظمها كلمة "صحافة" بحروف بيضاء.
 
وعرضت "رويترز" على الجيش الإسرائيلي النتائج التي توصّلت إليها بشأن إطلاق قذائف دبابة من داخل إسرائيل وطرحت أسئلة تفصيلية أخرى بما في ذلك مدى علم القوّات الإسرائيلية بأنها تطلق النار على صحافيين.

وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيخت "نحن لا نستهدف الصحافيين". ولم يقل شيئاً آخر.
 

 
واستراح عبدالله في مثواه الأخير يوم 14 تشرين الأول في مسقط رأسه في بلدة الخيام جنوب لبنان ودفن بجوار والده الذي توفّي العام الماضي. وبقي من أسرته والدته وشقيقان وشقيقة.
 
وشيّع المئات جثمان عبدالله الملفوف بالعلم اللبناني ووضع صحافيون كاميراتهم على قبره تكريماً لذكراه وأقاموا الصلاة عليه وردّدوا له الدعوات.

بدأ عصام عبدالله في تقديم لقطات لـ"رويترز" قبل نحو 16 عاماً وهو يعمل حرّاً أثناء استكماله لدراسته الجامعية. وقال رئيس تحرير أخبار الشؤون الخارجية في وكالة "أي تي أن نيوز" لطفي أبو عون الذي عيّن عبدالله عندما كان يعمل كبيراً للمنتجين في "رويترز": "شغفه كان معدياً واحترافيته لا غبار عليها وإنسانيته كانت شعاع ضوء ساطعاً في أحلك الأماكن".
 
هذا الشغف كان واضحاً جليّاً لكل من يقابله، إذ رافقته الكاميرا التلفزيونية وكاميرا التصوير الفوتوغرافي أينما ذهب وهو يجوب بيروت على دراجته النارية.

كان يصوّر قصصاً عن الجانب الطريف والملفت من الحياة اليومية بالمهنية نفسها التي يغطي بها الرعب الذي تأتي به الحرب في هذا الزمن. وقصصه الخفيفة التي عادة ما غطّت مهرجانات موسيقية صيفية في لبنان أو تناولت مواضيع عن الحيوانات أعطت فكرة عن روح الدعابة المرحة التي جعلته محبوباً أكثر لدى زملائه.
 
وأول لقطات قدّمها كانت لاشتباكات في بيروت في 2007 وغطى معارك كبرى بين لبنانيين في العاصمة في العام التالي.
 
بالنسبة إلى كبير منتجي قسم التصوير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "رويترز" لبيب ناصر فقد وصل عبدالله لأوج مهاراته وهو يغطّي اللحظات التي سادتها الفوضى بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020 الذي دمّر مساحات شاسعة من المدينة وألحق أضراراً بمكتب "رويترز" وقتها.
 
وبعد دقائق قليلة فحسب من الانفجار المروّع الذي أصاب الجميع بالارتباك والصدمة، قدّم عبدالله لقطات حيّة وهو يقود دراجته النارية عبر الشوارع التي ملأها الغبار للوصول لموقع الكارثة ولم يتوقّف إلا ليجري مقابلة مع أحد المصابين في الطريق.
 
وقال ناصر إن بمجرد وصوله للمرفأ قدّم للعالم أول مشهد لصوامع الحبوب المدمّرة في المدينة بما زوّد الجميع "بهذه الصورة التي أصبحت المشهد (الأيقوني) المعبّر عن القصة".
 
ومن بين أعماله بعد ذلك توثيق قصة ليليان شعيتو، اللبنانية التي تسبّب الانفجار في إصابتها بالشلل والخرس وهو توثيق كان له أثر كبير لدرجة أن أسرتها تمكّنت من جمع أموال كافية لنقلها لتركيا لتلقّي العلاج.

وعندما طلبت منه أسرتها عدم الدخول بكاميرا كبيرة لغرفتها في المستشفى، دخل بهاتفه المحمول فقط وقدّم نفسه لها وطلب إذنها أولاً قبل التصوير وانتظر بصبر حتى أشارت بعينيها بالموافقة.

وقالت محرّرة السياسة الخارجية الدولية في "رويترز" سامية نخول "إخلاص عصام الراسخ لعمله وإيمانه بقوّة تأثير اللقطات سيظل محفوراً في ذاكرتنا".

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 10:08:00 AM
أعاد عناصر "حماس" انتشارهم في مختلف شوارع ومناطق قطاع غزة.
لبنان 10/12/2025 6:47:00 PM
تُظهر الصور المتداولة تكدّس الغيوم الماطرة فوق المرتفعات، في وقتٍ يشهد فيه الطقس تقلّبات خريفية واضحة.